في وقت بادرت الحكومة التونسية بإصدار مذكرات توقيف بحق الرئيس زين العابدين بن علي ورموز النظام المخلوع، وفيما تحركت السلطات المصرية عقب تنحي حسني مبارك واعتقلت ثلاثة من الوزراء السابقين فان السؤال الأبرز هو ما إن كانت مثل هذه المحاكمات ستعمل على تعزيز الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط.
فور سقوط نظام الرئيسين زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، بدأت تُطلَق الدعوات من أجل تقديم كلا الرجلين إلى العدالة. وفي الوقت الذي بادرت فيه الحكومة التونسية الجديدة بإصدار مذكرات توقيف بحق بن علي، وزوجته ليلى الطرابلسي، وعدد من أفراد أسرتهما، ثم مطالبتها الانتربول بأن يضغط على السعودية من أجل تسليمهم إلى السلطات التونسية، فإن الرئيس المصري، حسني مبارك، لم يواجه نفس المصير، حتى الآن على أية حال، لكن السلطات المصرية قامت بالفعل بإلقاء القبض على ثلاثة من الوزراء السابقين، وكذلك رجل الأعمال الشهير أحمد عز، بسبب تهم متعلقة بالفساد.
ومع هذا، رأت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن تلك الخطوات لن تكون كافية على الأرجح من أجل إرضاء الملايين من الأشخاص الذين نزلوا إلى الشارع في القاهرة والإسكندرية للمطالبة بتنحي مبارك.
وتابعت المجلة حديثها بالقول إن الجذور العميقة للانتفاضات التي شهدتها مصر وتونس خلال الآونة الأخيرة ربما تكون اقتصادية، لكن الدعوات التي أُطلِقت في الشارع كانت تطالب بالديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي الوقت الذي احتاجت فيه نظرية العدالة الدولية لبعض الوقت كي تصل إلى العالم العربي، إلا أنها كانت أمراً لا مفر منه.
وسواء أخذت تلك النظرية شكل لجان تقصي حقائق، كما حدث في مرحلة ما بعد التمييز العنصري في جنوب أفريقيا والأرجنتين بعد سقوط الدكتاتورية العسكرية؛ أو محاكم خاصة كتلك التي أُنشِئت في سيراليون وتيمور الشرقية وكمبوديا؛ أو المحكمة الجنائية الدولية، أصبحت الآن فكرة أنه لن تكون هناك نهاية دائمة لصراع أو يقين يمكن للناس أن يضعوا وراءهم تجربتهم القاسية مع الديكتاتورية دون جلب أمراء الحرب والمعذبين والطغاة إلى العدالة عاجلاً أو آجلاً، بمثابة الشيء المقدس في مجتمع حقوق الإنسان والأمم المتحدة والجهات الفاعلة الدولية الرئيسة الأخرى.
ثم أوضحت المجلة أن المسألة تُشكِّل أيضاً جدالاً غير متوازن. حيث يمكن للناس أن يتحدثوا عن عنصر التوقيت – وأنه كان من الخطأ على سبيل المثال الإقدام على مساءلة الطاغية التشيلي أوغستو بينوشيه على الجرائم التي اقترفها فور تنحيه عن السلطة، لأن الجيش ربما قد قام بشن إنقلاب آخر. حيث قالوا بعد مرور بضعة سنوات إن التهديد قد تم تخفيفه إلى حد كبير وأن العدالة كان من الممكن أن يتم تحقيقها بأمان.
ويعتقد بعض من ناشطي حقوق الإنسان أن رغبة الحكومة التونسية الجديدة في التأكيد على شرعيتها الديمقراطية لمحاكمة بن علي، أدت لتحركها بصورة سريعة للغاية من أجل المصادقة على عدد من أهم معاهدات حقوق الإنسان التي كان يرفض بثبات الرئيس المخلوع التوقيع عليها. وفي الماضي، كان يُنظَر إلى التغييرات التي تطرأ على معايير حقوق الإنسان الدولية على أنها تؤدي، ببطء وبشكل مؤلم، إلى محاكمات وخطوات عملية أخرى لإصلاح ممارسات الماضي التعسفية.
لكن يبدو أن العملية قد انعكست في النموذج التونسي: حيث أدت الرغبة الشعبية في جلب بن علي وأفراد عائلة الطرابلسي للعدالة إلى إقدام السلطات على تبني القواعد الواضحة المرتبطة بحقوق الإنسان العالمية. وهو ما قد يحدث مجدداً بالتأكيد في مصر.
والسؤال الأبرز الآن، كما أوضحت المجلة، هو ما إن كانت مثل هذه المحاكمات ستعمل على تعزيز ديمقراطية تلك البلدان في منطقة الشرق الأوسط العربية التي تخلصت أو لم تتخلص بعد من حكامها المستبدين الموجودين في السلطة منذ مدة زمنية طويلة، مثلما سبق لها أن فعلت في مناطق أخرى من العالم. أم سيكون هذا الاستعداد المُكتَشف حديثاً للقفز في أحضان أسلحة العدالة الدولية أكثر من مجرد عقبة أمام التحول الديمقراطي السلمي ؟ ولتوضيح المسألة، قالت المجلة: هل من الأفضل حقاً أن تتم ملاحقة بن علي في منفاه بالسعودية وإبقاء الضغط على بيت آل سعود لتسليمه للإنتربول ؟ أم من الأفضل السعي لإعادة الأصول المملوكة لأسرته حول العالم ؟
ورأت المجلة في السياق ذاته أيضاً أنه إذا ما تم تقديم وزراء الداخلية، والسياحة، والإسكان المصريين السابقين إلى المحاكمة، فسيتم الكشف لا محالة عن تفاصيل كثيرة متعلقة بدور محتمل لمبارك في الممارسات الفاسدة التي يواجهون تهماً بسببها. وبعيداً عن كل الكلام السهل في أوساط حقوق الإنسان بشأن الأهمية المركزية للعدالة في مرحلة ما بعد الصراع أو مرحلة ما بعد الاستبداد، فإن الأدلة التجريبية حول الآثار طويلة الأجل لهذه العملية على السلام الدائم أو المجاملة الاجتماعية تعتبر أدلة ضعيفة في أحسن الأحوال، وتختلف اختلافاً كبيراً من مكان إلى آخر.
وقالت فورين بوليسي في الختام إن درجة الغضب والسخرية التي ستتولد بالتأكيد بما ستكشف عنه تلك المحاكمات في مصر وتونس قد تفعل المزيد لعرقلة الانتقال بصورة سلمية إلى الديمقراطية عن السماح لبن علي ومبارك بأن يذهبا دون أن تتم محاسبتهما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات