تدفقت الصور على الشاشات الصغيرة، الكثير منها لن يبهت فى الذاكرة، ستتولى، بتفاصيلها الدقيقة، على الذهن، حاملة معها طاقة لن تنضب من الانفعالات المتباينة، بين الغضب والرضاء، الحزن والفرح، الاحتقان والاحترام، وكلها، تستحق التأمل، خاصة التالية:
● شاب جريح، يسيل الدم من جبهته وأنفه، يمسك به ثلاثة أشداء، يلوون ذراعيه، يدفعونه أمامهم نحو ميكروباص، لا يتوقفون عن لكمه خلف رأسه، وقبل وصوله إلى العربة يندفع نحوه ثلاثة آخرون، يستقبلونه بصفعات غادرة على الوجه، يلقون به داخل العربة.. جوهريا، تتكرر الصورة، مع اختلاف الشخوص فالمقبوض عليه شاب آخر، وربما عدد الممسكين به أكبر أو أقل، يتعاملون معه بذات الطريقة التى تجمع بين الانحطاط والجبن. أعلم أنهم من الشرطة السرية أو ضمن فرق الكاراتيه التابعة للأمن المركزى، ينفذون، بحماس مريض الأوامر «الفاشية» الرعناء، التى ازادت الأمور اشتعالا.. ولا أظن أن أحدا سينسى صورة ذلك الوغد البدين الأصلع، بمعطفه الأسود، وهو يركل متظاهرا شريفا، يجرجره الزبانية الأندال على الأرض.. نظام هكذا حاله، يستحق السقوط بجدارة.
● دم خالد سعيد لم يذهب هدرا، ما هى صورته المحملة بالمعانى ترتفع فى الثورة، صورة مزدوجة، واحدة له بنضارة وجهه الشفاف، بابتسامته الرقيقة، بعيونه الجميلة المشرقة بالأمل.. بجوارها، صورته المؤلمة وقد بدا فكه السفلى مكسورا، وأسنانه مهشمة، وعيونه نصف مغلقة، أضاع الموت ألقها. لم يصدق الناس أكذوبة لفافة البانجو التى ابتلعها، ولم يقتنعوا بتقرير الطب الشرعى المزيف، وبإحساس صائب لا يخيب، أدركوا أن خالد سعيد، ابن كل المصريين الغالى، لقى حتفه غيلة، على أيدى وحوش من ذات الفصيلة المتدنية، التى داهمتنا فى الصورة السابقة.. وفى لحظة تنوير عظيمة، ارتفعت صورة خالد سعيد، مؤكدة أنه لا يزال، وسيظل، فى الأفئدة، وأنه، حتما، سينتصر ميتا بعد أن عز عليه النصر حيا.
● صورة المبنى الرئيسى للحزب الوطنى، بعد حرقه، يثير الأسى، فالمبنى، فى النهاية، من ممتلكات المصريين، حتى وإن احتله، مؤقتا، الاتحاد الاشتراكى المزعوم، ثم حزب مصر التافه، ثم الوطنى، سيئ السمعة، الكرتونى، الذى قيل إن عدد أعضائه يتجاوز المليونين، تبخروا تماما فى أيام الجد.. أيا كان مشعل الحريق، سواء من أحد عتاة الحزب أو من المشبوهين، سالفى الذكر، فإن المبنى الخاوى، المغلف بهباب الدخان، يعلن بوضوح عن نهاية مرحلة، وربما، بعد هدمه، يعود للشعب، بعيدا عن المهرجين ليصبح حديقة أو مستشفى.
إذا كانت الصورة المبهجة لمئات الآلاف من شبابنا الثائر تبعث الأمل، فإن صورة أبناء مصر وهم ينظفون ميدان التحرير ــ أرضهم المحررة ــ وهم يجمعون القمامة ويكنسون الأسفلت، بكل جدية وحيوية وتواضع، تنزع المخاوف من الصدور، وتؤكد الثقة فى مستقبل الوطن.
●آلمنى مشهد كروتة قنوات فضائية، وبرغم توقفها عن إعادته، فإنه ترك فى نفسى كدرا عميقا لا يساويه إلا مشهد آخر، أشد إيلاما.. المشهد الأول عبارة عن صورة لمبارك، من ورق مجعد يحملها غاضب، عليها علاقة «X»، بينما ثمة عجوز سخيف، بذقن مشعثة الشعر، يمسك بفرده بلفتة ويضرب بها الصورة.. أما المشهد الثانى، فإنه لتلك الدمية التى على شكل مبارك، معلقة فى حبل مشنقة. هنا، وعندئذ، انقبض قلبى ولا يزال، ذلك أنى رأيت شرخا فى ذلك التحضر النبيل لغضب الشباب.
صور الأساطين التى كانت قبل أسابيع قليلة، تظهر فى الفضائيات، ليقدم أصحابها قصائد المديح نثرا، تثير الضحك: الدكتور على الدين، المتقافز مرحا وفرحا، وراء نجل الرئيس، ناظرا له بانبهار، كأنه يرى قمرا، بينما الابن، حقيقة، كان من أسباب هدر رصيد والده..
مصطفى علوى، المرتبط فى الأذهان بذكره محرقة مسرح بن سويف، يحرق البخور للنظام، معددا مآثره الحميدة.. صفوت الشريف، يقف خلف أحمد عز، المريب، الذى يفلسف الأمور، صورة وصوتا على الشاشة الصغيرة، وكتابة فى جريدة منهارة.. فتحى سرور رئيس مجلس «الموافقون»، المطعون فى شرعيته.. صور كل هؤلاء، وغيرهم، تبدو الآن، وكأنها ذكريات كئيبة، من عهد بائد.
● شاب جريح، يسيل الدم من جبهته وأنفه، يمسك به ثلاثة أشداء، يلوون ذراعيه، يدفعونه أمامهم نحو ميكروباص، لا يتوقفون عن لكمه خلف رأسه، وقبل وصوله إلى العربة يندفع نحوه ثلاثة آخرون، يستقبلونه بصفعات غادرة على الوجه، يلقون به داخل العربة.. جوهريا، تتكرر الصورة، مع اختلاف الشخوص فالمقبوض عليه شاب آخر، وربما عدد الممسكين به أكبر أو أقل، يتعاملون معه بذات الطريقة التى تجمع بين الانحطاط والجبن. أعلم أنهم من الشرطة السرية أو ضمن فرق الكاراتيه التابعة للأمن المركزى، ينفذون، بحماس مريض الأوامر «الفاشية» الرعناء، التى ازادت الأمور اشتعالا.. ولا أظن أن أحدا سينسى صورة ذلك الوغد البدين الأصلع، بمعطفه الأسود، وهو يركل متظاهرا شريفا، يجرجره الزبانية الأندال على الأرض.. نظام هكذا حاله، يستحق السقوط بجدارة.
● دم خالد سعيد لم يذهب هدرا، ما هى صورته المحملة بالمعانى ترتفع فى الثورة، صورة مزدوجة، واحدة له بنضارة وجهه الشفاف، بابتسامته الرقيقة، بعيونه الجميلة المشرقة بالأمل.. بجوارها، صورته المؤلمة وقد بدا فكه السفلى مكسورا، وأسنانه مهشمة، وعيونه نصف مغلقة، أضاع الموت ألقها. لم يصدق الناس أكذوبة لفافة البانجو التى ابتلعها، ولم يقتنعوا بتقرير الطب الشرعى المزيف، وبإحساس صائب لا يخيب، أدركوا أن خالد سعيد، ابن كل المصريين الغالى، لقى حتفه غيلة، على أيدى وحوش من ذات الفصيلة المتدنية، التى داهمتنا فى الصورة السابقة.. وفى لحظة تنوير عظيمة، ارتفعت صورة خالد سعيد، مؤكدة أنه لا يزال، وسيظل، فى الأفئدة، وأنه، حتما، سينتصر ميتا بعد أن عز عليه النصر حيا.
● صورة المبنى الرئيسى للحزب الوطنى، بعد حرقه، يثير الأسى، فالمبنى، فى النهاية، من ممتلكات المصريين، حتى وإن احتله، مؤقتا، الاتحاد الاشتراكى المزعوم، ثم حزب مصر التافه، ثم الوطنى، سيئ السمعة، الكرتونى، الذى قيل إن عدد أعضائه يتجاوز المليونين، تبخروا تماما فى أيام الجد.. أيا كان مشعل الحريق، سواء من أحد عتاة الحزب أو من المشبوهين، سالفى الذكر، فإن المبنى الخاوى، المغلف بهباب الدخان، يعلن بوضوح عن نهاية مرحلة، وربما، بعد هدمه، يعود للشعب، بعيدا عن المهرجين ليصبح حديقة أو مستشفى.
إذا كانت الصورة المبهجة لمئات الآلاف من شبابنا الثائر تبعث الأمل، فإن صورة أبناء مصر وهم ينظفون ميدان التحرير ــ أرضهم المحررة ــ وهم يجمعون القمامة ويكنسون الأسفلت، بكل جدية وحيوية وتواضع، تنزع المخاوف من الصدور، وتؤكد الثقة فى مستقبل الوطن.
●آلمنى مشهد كروتة قنوات فضائية، وبرغم توقفها عن إعادته، فإنه ترك فى نفسى كدرا عميقا لا يساويه إلا مشهد آخر، أشد إيلاما.. المشهد الأول عبارة عن صورة لمبارك، من ورق مجعد يحملها غاضب، عليها علاقة «X»، بينما ثمة عجوز سخيف، بذقن مشعثة الشعر، يمسك بفرده بلفتة ويضرب بها الصورة.. أما المشهد الثانى، فإنه لتلك الدمية التى على شكل مبارك، معلقة فى حبل مشنقة. هنا، وعندئذ، انقبض قلبى ولا يزال، ذلك أنى رأيت شرخا فى ذلك التحضر النبيل لغضب الشباب.
صور الأساطين التى كانت قبل أسابيع قليلة، تظهر فى الفضائيات، ليقدم أصحابها قصائد المديح نثرا، تثير الضحك: الدكتور على الدين، المتقافز مرحا وفرحا، وراء نجل الرئيس، ناظرا له بانبهار، كأنه يرى قمرا، بينما الابن، حقيقة، كان من أسباب هدر رصيد والده..
مصطفى علوى، المرتبط فى الأذهان بذكره محرقة مسرح بن سويف، يحرق البخور للنظام، معددا مآثره الحميدة.. صفوت الشريف، يقف خلف أحمد عز، المريب، الذى يفلسف الأمور، صورة وصوتا على الشاشة الصغيرة، وكتابة فى جريدة منهارة.. فتحى سرور رئيس مجلس «الموافقون»، المطعون فى شرعيته.. صور كل هؤلاء، وغيرهم، تبدو الآن، وكأنها ذكريات كئيبة، من عهد بائد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات