يخال للمرء عند رؤيته واقفا على منصة وسط جدارين امام جمهور يلتهب حماسة وقد امسك بمكبر للصوت في يده انه من نجوم موسيقى الروك، لكن اغاني علي ليست سوى هتافات مناهضة للرئيس حسني مبارك يرددها بصوت جهوري في ميدان التحرير معقل ثورة 25 كانون الثاني/يناير المصرية.
يقود هذا الرجل الذي يرتدي بنطالون جينز وسترة جلدية المتظاهرين المحيطين به وكانه قائد اوركسترا متمكن مع تحريك يديه في الهواء وهو يهتف "يرحل الديكتاتور" او "هو يرحل واحنا حنبقى"، ويمد يده بمكبر الصوت الى الجمهور الذي يتجاوب معه بترديد هذه الهتافات. ويقوم علي بالادعاء بانه لا يسمعهم موجها اذنه اليهم ليشجعهم على رفع صوتهم فيدب فيهم الحماسة وهم يلوحون بقوة بالاعلام ليتحول المشهد الى حالة فرحة.
ومع عدم وجود قائد سياسي حقيقي، يتجمهر المحتجون حول عشرات من هؤلاء "الهتيفة" المنتشرين في الميدان لتشجيعهم وتعبئتهم رغم بوادر الاعياء التي بدات تظهر عليهم بعد اكثر من اسبوعين من الاعتصام.
علي الالفي البالغ التاسعة والثلاثون من العمر احد هؤلاء. ويقول "لم اعش سوى تسع سنوات فقط من عمري بدون مبارك"، مستعيدا بجدية وبموهبة كبيرة دور المايسترو. ايقاعه السريع وحركاته المتقطعة تجعل الجمهور ينتشي ويتدافع نحوه وهو يمد يديه باوراق تحمل شعارات جديدة.
ويقول علي "رغم التعب فانا موجود هنا كل يوم منذ البداية" في 25 كانون الثاني/يناير الماضي. لكنه لا يمضي الليل في الميدان والسبب ان "زوجتي حامل".
وعلي الباحث في العلوم السياسية الذي ينظم الشعر في اوقات فراغه، يقسم على البقاء في الميدان "حتى يرحل مبارك" ل"تنتهي معه 30 سنة من الفساد".
وهو يتوقع "سيرحل خلال ايام، انا واثق من ذلك 200%"، مؤكدا ان الانتفاضة لا تضعف بل تأخذ زخما اكبر.
ويقول "رايت للتو بين الجماهير اصدقاء واقارب لي يقيمون في البحيرة (محافظة في دلتا النيل) لم اكد اعلم حتى انهم هنا"، قبل ان يقفز فرحا لرؤية مجموعة كبيرة من المتظاهرين تاتي للانضمام الى صفوف المحتجين.
وفجاة تصعد طفلتان الى المنصة وهما تبكيان وتهمس احداهما بامر في اذن علي الذي يسرع بكتابة شيء في دفتره قبل ان يمسك بالميكروفون من جديد ليقول "الطفلة نسرين هنا" املا في ان يتعرف ابواها على مكانها.
ويقول احد المنظمين بفخر "الثورة تحمي ابناءها".
وياخذ الهتيف فترة راحة ليحل محله اخرون على المنصة. لكنهم بالتاكيد اقل موهبة منه بكثير ما يؤدي سريعا الى هبوط الحماسة وامتعاض الجمهور من الصرير الذي يصدر عن نفخ هؤلاء في الميكروفون. وعندها يعود علي من جديد ليعتلي المنصة.
ويقول متعهدا وهو يقفز الى الخشبة امام بحر من الاعلام المصرية "سابقى حتى منتصف الليل. وكذلك غدا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات