بقلم سليمان جودة ١٦/ ٢/ ٢٠١١
عندى اقتراح أرجو أن نراه متحققاً على الأرض ذات يوم، فميدان التحرير صار الآن أشهر من كل ميادين الدنيا، وعلى رأسها الميدان السماوى الشهير فى بكين، الذى سحقت الحكومة الصينية متظاهريها على أرضه عام ١٩٨٩. على مدى ١٨ يوماً، هى عمر ثورة الشباب، كانت أنظار العالم لا تفارق ميدان التحرير، ولم تكن هناك فضائية، ولا مطبوعة، ولا إذاعة، إلا والميدان فى الصدارة منها، ومن أخبارها! والآن.. تلتقط كل الأطراف أنفاسها، ويهدأ الميدان، وتعود الحياة فيه إلى طبيعتها.. ولكننا فى المقابل، لا يجوز أن نترك ما حدث يمر دون توثيق يظل حياً فى الذاكرة مهما مرت عليه الأيام. الآن.. عندى اقتراح بأن ترتفع صور جدارية لشهداء الثورة فى أرجاء الميدان، دائراً ما تدور، وتحت كل صورة اسم صاحبها، وسيرته الذاتية، وكيف شارك فى أعمال الثورة، ثم كيف سقط شهيداً حياً يرزق عند ربه! وإلى جوار الصور سوف يكون علينا أن نرفع لوحات فنية توضح الطريقة التى تعاملت بها القوات المسلحة مع الثوار فى الميدان، وكيف أنها كانت حامية لهم طول الوقت، وكانت أيادى الطرفين تتعانق فى أغلب الأحوال، بل فى كل الأحوال. لوحات مع صور من هذا النوع، سوف تجعل الميدان يدخل التاريخ من أوسع الأبواب، ثم يظل مستقراً هناك، فلابد أن الذين يمرون فى التحرير بعد ٢٥ يناير، يشعرون بأن الميدان ليس هو الميدان الذى كانوا يمرون فيه من قبل، ولا الهواء فيه هو الهواء الذى كنا نتنفسه فى أجوائه، من قبل، ولا الأشياء التى مررنا عليها فيه آلاف المرات، هى الأشياء.. شىء ما تبدل فى المكان.. شىء ما، أزاح عن الميدان رائحته القديمة، ثم نشر فى أرجائه رائحة جديدة! ومع صور الشهداء، وتحديداً أسفلها، سوف يكون علينا أن نضع أسماء وصور الذين تحولوا - فجأة - مع تصاعد الأحداث ثم نهايتها، بحيث أصبح الذى يكتبونه الآن، فى الصحف، ويقولونه على الشاشات، مناقضاً تماماً لما كان يقال منهم هم أنفسهم، فى بدء الحدث.. هؤلاء تحولوا دون إحم ولا دستور، وفى خمس دقائق انتقلوا كاملاً من مدح الرئيس مبارك إلى ذمه، ومن التسبيح بحمده إلى سبه وشتمه، ومن الوقوف بين يديه فى خضوع وخنوع إلى الانهيال عليه بالسكاكين!! هؤلاء يجب تجريسهم فى ميدان التحرير بالكلمة والصورة.. هؤلاء يجب عدم وضع أسمائهم وصورهم فى ميدان صغير، أو حتى حقير، بما يليق بهم، على نحو ما همس به صديق عزيز فى أذنى.. لا.. يجب أن يكون تجريسهم على الملأ، وفى أوسع ميادين البلد، حتى يكون المشهدان إلى جوار بعضهما البعض: الذين استشهدوا تمسكاً بما يعتقدون حتى النهاية، ثم الذين تحولوا فى لحظة كما يتحول الرجل بالطب إلى امرأة!! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات