صفتان يتصف بهما كل ديكتاتور: اللؤم والغباء. فإن طال بقاؤه في كرسي الحكم، تولّدت عن هاتين الصفتين، مروحةٌ من صفات لاحقة كالبلادة والاستعلاء والسادية المفرطة . صدام حسين كان مستعداً لإفناء نصف الشعب العراقي في حروبه وأوهامه، دون أن يرفّ له جفن. حافظ الأسد من الطينة ذاتها رغم أنه أذكى من صدام. كذلك بن عليّ ومبارك وبقية السلالة التي تنتظر دورها الآن وغداً وبعد غد.
ولأنّ مصر هي قلبُ الحدث العربي والعالمي في هذه اللحظات المجيدة، فدعونا نركّز على ديكتاتور مصر.
لقد تميّز هذا الرجل بديكتاتورية "ناعمة" في مظهرها، عكس صدام، لكنها شديدة الشراسة في جوهرها، مثلها مثل كل دكتاتوريات العالم الثالث.
سمح ببعض تنفيس للمواطن المصري. سواء في وسائل الإعلام أو في الشارع. فصار المواطن العادي ينتقد، وصارت بعض وسائل الإعلام تنتقد، بينما أركان النظام يفعلون ما يريدون. على قاعدة: قل أنت ما تشاء، ونفعل نحن ما نشاء. بمعنى: لا تواصل ولا قيمة ولا تأثير ولا محصول لكلامكم، سوى قيمة التنفيس، التي هي في المحصّلة تخدمنا وتخدم أجنداتنا، في تأخير أي هبّة أو انتفاضة أو ثورة على الظلم والقهر والفساد.
هكذا استمرّ نظام مبارك يحكم مدة ثلاثين عاماً.
لؤمه أجّل اندلاع الثورة، إلى ما قبل 25 يناير الحالي. وحين طفح الكيل بالثمانين مليون مقهور، لم يعد ينفع هذا اللؤم، فأبان النظام الدكتاتوري عن غبائه التاريخي في تعامله "الأمني" مع الثورة. وفي عدم المقدرة على فهم وتقدير ما يحدث. وحينها، رأينا بقية مروحة الصفات: البلادة، الاستعلاء على عموم الشعب المصري، ثم ساديته المفرطة في تعامله الدموي الخشن مع جماهير شعبه من الثوار المسالمين المتحضّرين.
لقد فُجعت ببعض ما رأيته: الخيول والإبل والسيوف في ميدان التحرير. ثم قنّاصة أعالي العمارات. ثم سيارة الأمن التي تدهس العابرين بكل همجية وقسوة مريضة. مشاهد أذهلتني وكشفت لي حقيقة هذا النظام اللئيم الغبي.
ذلك الشاب النبيل الذي سار باتجاه قنّاصين من وزارة الداخلية في حيّ سكني. تقدم نحوهما في الشارع الخالي، وخلع معطفه، فإذ بأحدهما يطلق الرصاص الحي على قلب الشاب تماماً. يا للمأساة! يا لمن لا يرحمون. يا للبهائم اللذين فقدوا إنسانيتهم وآدميتهم!
والله إسرائيل تستحي أن تفعلها أمام الكاميرات!
أية قسوة وأي حقد على شباب مصر الطاهر الأعزل!
إنها ثورة غير ما عهدنا من ثورات.
ثورة معكوسة من جهة مصدر العنف. الثوار مسالمون، والنظام هو مصدر العنف والتخريب وإدماء القلوب.
300 شهيد حتى الآن وستة آلاف جريح. والقادم أخطر. خصوصاً مع تصريحات عمر سليمان الأخيرة المرعبة، حيث قال لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية إنّ صبر حكومته بدأ ينفد. وإنّ نظامه لن يسمح ولن يقبل باستمرار الاحتجاجات في ميدان التحرير لفترة طويلة! ويجب إنهاء الأزمة "في أسرع وقت ممكن".
وليس من تفسير لهذا التصريح سوى انتظار المذبحة!
إنها البلادة في استيعاب ما يجري!
البلادة والاستعلاء والعقلية القديمة المتنمّرة.
إنه الانفصال التام عن نبض الناس. والاستموات في الدفاع عن مصالح طبقة حقيرة آفلة.
ألم أقل إنّ أهم صفتين لأيّ نظام دكتاتوري هما اللؤم والغباء!
رأس السلطة يقول إن عنده دكتوراه في العناد.
لكنه غبيّ، لأنّ عناده عناد طبقة. أما عناد الطرف الثاني فهو عناد بحر الجموع. عناد ثمانين مليون مظلوم.
فأيهما سينتصر في نهاية الجولة؟
ولمن ستكون الغلبة؟
طيعاً للثمانين مليون.
والأيام بيننا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات