ثائر مصري جريح كتب على جبينه «ارحل» في القاهرة أمس (أ ب) | |
الثوار يدافعون عن ميدان التحرير في القاهرة أمس (رويترز) | |
القاهرة ـ «السفير»
تحسم ثورة مصر مهلتها النهائية أمام الرئيس حسني مبارك للخروج من السلطة، في تظاهرات مليونية جديدة دعت إليها في القاهرة والمدن الكبرى، ردا على الهجوم المضاد الذي شنه النظام في خلال اليومين الماضيين، سواء بواسطة عصاباته المسلحة التي سفكت الدماء في الشوارع، أو بواسطة نائبه عمر سليمان ورئيس حكومته احمد شفيق وعدد من وزرائه الذين أطلوا على شاشات التلفزيون ليطالبوا بإنهاء الاحتجاجات وهددوا ضمنا بالمزيد من الفوضى، عندما أعلنوا جميعا كلمة سر هي أن الشرطة غير جاهزة لضبط الأمن وحماية التظاهر، وأن الجيش غير مكلف بمثل هذه المهمة، في ما يبدو ان مبارك مصمم على ان يلعب ورقته الاخيرة المتمثلة في تفجير صراع اهلي بين عصاباته وبين المحتجين.
اما كلمة السر الثانية التي رددها النظام فهي التهويل للمرة الاولى بخطر «الاخوان المسلمين» واحتمال سيطرتهم على الثورة ثم الدولة، على الرغم من ان الوقائع على الارض تشير الى ان مساحة «الاخوان» في الشارع لا تزيد عن مساحة اي تنظيم معارض آخر، كما انهم ابدوا حرصا استثنائيا على عدم ادعاء قيادة اي احتجاج، وعلى عدم الزعم حتى انهم الاقوى، وعدم رفع شعاراتهم ومطالبهم الخاصة، وتمسكوا بالانخراط في جبهة المعارضين على اختلاف انتماءاتهم، الذين انكروا ما قاله نائب الرئيس عن انه بدأ الحوار مع بعضهم، وشددوا على ان الحوار لا يمكن ان يبدأ قبل ان يوقف النظام هجمات عصاباته المسلحة على التظاهرات السلمية المدنية، وقبل ان يقتنع بأن مهلة الاشهر الثماني الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية في ايلول المقبل، غير مقبولة، والتذرع بضرورة الالتزام بالمهل القانونية لتعديل الدستور وتنظيم العملية الانتخابية وتحريرها من مبارك ومرشحيه، ليس مجديا، على الرغم من أن النظام اقدم امس على تراجع جديد امام الضغط الشعبي تمثل في اعلان سليمان ان نجل الرئيس جمال مبارك خرج من معركة الترشيح للرئاسة، وفي إعلان الحكومة منع سفر اربعة من الوجوه القبيحة للنظام.
لكن كلمة السر الاهم جاءت على لسان مبارك نفسه الذي اوحى للصحافية الاميركية الشهيرة كريستيان امانبور انه يشعر بالطعن من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما، وأشار الى انه مستعد للتنحي فورا لكنه يخشى ان يتسبب ذلك بالفوضى، في اشارة الى انه لا يعتبر كل ما جرى حتى الآن على يد اركان نظامه فوضى، وينذر شعبه بالمزيد اذا ما اصر على طلب رحيله فورا، علما بأنه سبق لرئيس حكومته ان اعلن في وقت سابق امس ان الرحيل الفوري غير وارد، لان المطلوب هو توفير «خروج كريم» لمبارك من الرئاسة مستعيدا قصة رحيل الملك فاروق عن مصر حيث كانت قيادة الثورة الناصرية في وداعه الرسمي في ميناء الاسكندرية.
وعشية يوم الوداع اليوم، أحجمت واشنطن عن التعليق على جدول الاعمال الانتقالي الذي حدده مبارك وأركان حكمه امس، بعدما كانت قد ألحت على الشروع في مسيرة التغيير فورا، ما يشير الى ان ادارة اوباما تنتظر ما يمكن ان تسفر عنه عروض القوة التي يخشى الجميع ان تتطور الى ما لا تحمد عقباه في ضوء اصرار النظام المصري على التعامل مع الثورة الشعبية باعتبارها فورة شباب عابرة، يمكن ترهيبها تمهيدا لاحتوائها، مع العلم ان ميدان التحرير ما زال في يد المعارضة وكذا الساحات الكبرى في القاهرة ومختلف المدن الكبرى، برغم الهجمات المتتالية لعصابات مبارك التي زادت المعارضين تشبثا بالبقاء في الشارع حتى تحقيق مطالبهم كاملة، ووفق جدول زمني يفترض ان يحسم نهاية هذا النهار.
وقال مبارك، في المقابلة مع شبكة «آيه بي سي» الاميركية إنه ضجر من الرئاسة ويفضل التنحي عن منصبه، لكنه لا يستطيع القيام بذلك، خشية أن تغرق البلاد في الفوضى، مشيراً إلى أنه لم يعمل يوماً على توريث الحكم لابنه جمال.
ورداً على سؤال حول ما شعر به عندما سمع الجماهير تشتمه في الشارع، قال مبارك «لا يهمني ما يقوله الناس عني. حتى الآن، يهمني بلدي.. تهمني مصر».
وأشار مبارك إلى أنه شعر بالقلق إزاء المواجهات التي جرت في ميدان التحرير، لكنه نفى ضلوع نظامه في هذه الأحداث، التي حمّل مسؤوليتها لجماعة «الإخوان المسلمين».
وحول الموقف الأميركي المطالب بانتقال سريع للسلطة في مصر، قال مبارك إن الرئيس باراك أوباما «لا يفهم ثقافة المصريين، ولا يدرك ما يمكن أن يحصل إذا استقلت».
وكان عمر سليمان أكد أن مبارك لن يترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، لا هو ولا نجله جمال، لكنه رفض مطالبة الشباب المحتجين في ميدان التحرير برحيل مبارك، معتبراً أنها «نداء للفوضى». وقال إنه يتعين الانتهاء من الحوار السياسي مع قوى المعارضة في غضون خمسة أيام على الأكثر للخروج بالبلاد من أزمتها الراهنة، مشيراً إلى أنه التقى بكافة الأحزاب، عدا حزبي «الوفد» و«التجمع»، وأنه وجه دعوة لجماعة «الإخوان المسلمين» للمشاركة في الحوار السياسي بشأن الإصلاحات في البلاد.
واعتبر سليمان أن المواجهات التي جرت في ميدان التحرير تقف وراءها «مؤامرة». وقال «نريد أن نعرف من دفعهم إلى هذا المكان، وسنعرف من دفعهم إلى ميدان التحرير»، مضيفا «نرى أنها كانت مؤامرة ولا بد أن نعرف من وراءهم وأن نحاسبهم». واتهم سليمان من لديهم «أجندات خاصة» مثل «الإخوان، ورجال الأعمال، وجهات أجنبية» بدفع البلطجية على المتظاهرين، كما اتهم عشرات الآلاف الذين ما زالوا يتدفقون إلى ميدان التحرير بتنفيذ «أجندات خاصة».
بدوره، خرج رئيس الوزراء احمد شفيق، في أول مؤتمر صحافي يعقده منذ تكليفه يوم السبت الماضي، ليعتذر للمتظاهرين عن الاعتداءات التي وقعت عليهم، ولكن من دون أن يقدم تفسيراً لاستمرار مسلسل العنف والترويج الإعلامي لخط سير البلطجية المتجهين إلى ميدان التحرير وسط غياب تام للأمن الذي أعلن رسمياً عن «عودته»، مساء الاثنين الماضي، بعد اختفائه الغامض يوم «جمعة الغضب».
وفي محاولة لتحسين صورة الحكومة الجديدة، بعد إخراج رجال الأعمال منها، أعلن النائب العام انه منع وزراء ومسؤولين من السفر وتجميد أرصدتهم، ومن بينهم وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، وأمين التنظيم في الحزب الوطني الحاكم احمد عز، ووزير الإسكان السابق احمد المغربي، ووزير السياحة السابق زهير جرانة. ولأن العادلي متهم في نظر الكثيرين بالسماح بـعمل السلب والنهب والترويع الذي أحدثه اختفاء جهاز الشرطة في «جمعة الغضب» فلم يفهم سبب وضعه مع سلة رجال الأعمال.
ميدان التحرير
ومع استمرار التظاهرات الشعبية في ميدان التحرير في وسط القاهرة لليوم العاشر على التوالي، بدا أن المتظاهرين قد أفسدوا على مبارك خروجه «الآمن» أو «الكريم» من السلطة، وفقاً لخطابه مساء الثلاثاء الماضي، الذي اقترح فيه عدم الترشّح لفترة رئاسية سادسة في أيلول المقبل، والبقاء في السلطة حتى هذا الوقت، مجهضين، في الوقت ذاته، محاولات البعض رسم سيناريوهات للمشهد السياسي خلال الأشهر المتبقية قبل رحيل مبارك تقفز فوق إرادة الجماهير الغاضبة.
ويبدو من الحرب التي شنت على المتظاهرين بعد خطاب مبارك بوقت قصير، والتي تصاعدت وتيرتها يومي الأربعاء والخميس، أن هذا الإصرار أربك النظام، الذي أراد إنهاء مشهد ميدان التحرير بأي شكل. وفي الوقت الذي يواصل فيه المتظاهرون ضغطهم لإسقاط النظام، عبر تسريع رحيل مبارك، ظل مسلحون، ومن بينهم رجال شرطة بلباس مدني، يمارسون ضغطاً مضاداً على مداخل ميدان التحرير في محاولات لإخلائه لم يكتب لها النجاح.
وبدلا من انصراف المحتجين عن وسط القاهرة، خوفا من أحداث «الأربعاء الدامي»، التي سقط فيها 11 قتيلاً ومئات الجرحى، وحوّلها الإعلام الرسمي إلى مادة لتخويف المصريين من التظاهرات، تزايد عدد الأشخاص الذين تدفقوا إلى ميدان التحرير، برغم تحوله إلى ساحة حرب حقيقية، منذ أن هاجم مؤيدو الرئيس المتظاهرين بالقنابل الحارقة والسلاح الأبيض.
واضطر المتظاهرون، الذين طالما رفعوا شعارات «سلمية» لاحتجاجاتهم، إلى أن يدافعوا عن أنفسهم بإلقاء الحجارة على الجانب الآخر، تحت أعين الجيش الذي ترك العنف يتصاعد حول دباباته المنتشرة حول الميدان، وفي جميع أنحاء القاهرة ومحافظات مصر.
وتسببت قنابل «المولوتوف» التي استخدمها مؤيدو النظام في اندلاع حرائق عدة، حولت أجزاء من المباني المطلة على ميدان التحرير، والقريبة من «جبهات الحرب»، إلى مساحات سوداء اللون، بعدما أحرقت قنابل «المولوتوف» الأشجار القليلة التي كانت تزين هذه المنطقة، فيما تبدّل شكل أشهر ميادين مصر بعدما خُلِعت أرصفته لتتحول إلى حجارة كانت تلقى على «رجال المولوتوف» لصدهم.
وتكرر مشهد «الأربعاء الدامي» يوم أمس، وبذات الوتيرة على الجانبين، وذلك برغم «اعتذار» رئيس الحكومة الجديدة، الذي ظهر أمس للتحدث عما حدث، متعهدا بمحاسبة المسؤولين عن هذه الأحداث.
لكن هذا الموقف لم يحل دون تصاعد الفوضى مرة أخرى، إذ قام مئات من البلطجية وأفراد من الشرطة في زي مدني، بمنع دخول إمدادات غذائية وطبية إلى ميدان التحرير، محاولين فرض حصار على المتظاهرين، شبهته إحدى الناشطات بالحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.
تعتيم إعلامي
وفي مدينة «6 أكتوبر»، التي تبعد عن القاهرة نحو 26 كيلومتراً، تم حرق «هايبر وان»، وهو أكبر المراكز التجارية في المنطقة. واعتدى نحو 20 بلطجياً على الصحافي حازم زهني الذي كان يصور الحريق، وسرقوا معداته بعدما هددوه بمسدس. كما داهمت قوات الشرطة العسكرية مكتبي «مركز هشام مبارك لحقوق الإنسان» و«المركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية» في شارع سوق التوفيقية في وسط القاهرة، بعدما حاصرهما البلطجية، حيث تمّ توقيف مديري المركزين وستة ناشطين ومحامين يعملون هناك.
كما صادرت قوات أمنية أجهزة مراسلي شبكة «بي بي سي» في فندق «هيلتون» الذي يطل على ميدان الشهيد عبد المنعم رياض وميدان التحرير، وذلك في إطار الجهود المبذولة وقف بث مشاهد أحداث العنف، في وقت تجددت الاعتداءات على الصحافيين في القاهرة والإسكندرية، فيما تردد أن السلطات الأمنية أمرت بإخلاء ميدان التحرير والمناطق المحيطة به من الكاميرات، في محاولة لمنع نقل ما يجري إلى الفضائيات.
سلطة منقسمة... ومعارضة جديدة
وبالرغم من أن ما يحدث في قلب القاهرة من أحداث ما زال يشكل محور المشهد المصري، فإن تباين المواقف الرسمية من التطورات عكس انقسامات في أجهزة الدولة، وهي واقع لم يلق اهتماماً كافياً من قبل المراقبين، مقارنة بالاهتمام الذي تحظى به الحرب المشتعلة في ميدان التحرير.
وفي الوقت الذي بدأ فيه الحديث يدور همسا عن صراعات داخل أجنحة النظام لترتيب الوضع بعد رحيل مبارك، وعن الدور الجديد لرجال الأعمال الذين برزوا كصانعي سياسة الحزب الوطني الحاكم خلال السنوات الماضية، في مقابل عودة العسكر إلى واجهة الحكم، بدأت «قوائم لجان الحكماء» التي شكلتها مجموعات سياسية مختلفة تتداول في الأوساط السياسية، وقد طرحت فيها أسماء تقوم بدور التحدث أو التفاوض مع النظام حول مطالب للإصلاح السياسي وإطلاق الحريات، لكن القوائم المعلنة بدت متباينة، وهي لا تزال قيد الدراسة، ما يؤشر إلى صراعات أخرى في صفوف القوى المعارضة المفككة والضعيفة أصلاً.
لكن الواقع على ارض ميدان التحرير، حيث الثورة، والصراع الواضح والأقل تعقيداً بين «الشعب» و«النظام»، يعكسان ديناميكيات سياسية أخرى، تداخلت فيها خلفيات عشرات المجموعات والقوى السياسية وغير السياسية المختلفة من يساريين وليبراليين ومدونين وحقوقيين وأبناء الطبقة الوسطى والمهمّشين اقتصادياً وأطباء وفنانين وطلبة وكافة المراحل العمرية، إلى جانب «الإخوان المسلمين» الذين، وإن لم يبدوا بارزين في التظاهرة المليونية يوم الثلاثاء الماضي وما سبقها، فإنهم كانوا السد المنيع والحائط البشري الرئيسي الذي منع البلطجية من اقتحام ميدان التحرير.
وبهذا المشهد الغامض داخل النظام والحالة التنافسية على ضفة المعارضة، تستعد مصر لاستقبال ما أطلق عليه المتظاهرون «جمعة الرحيل»، حيث أكمل المعارضون استعداداتهم للانطلاق في تظاهرات مليونية جديدة بعد صلاة الظهر من ميدان التحرير لمطالبة مبارك بالرحيل الفوري.
واستبقت الولايات المتحدة «جمعة الرحيل» بالتحذير من أن مصر قد تشهد مواجهة دموية خطيرة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي بعدما ترددت أنباء عن تعرض صحافيين لاعتداءات أثناء جهودهم لتغطية الاحتجاجات «لا اعتقد أن هذه الأحداث عشوائية». وأضاف «قد تكون مؤشرا لما يمكن توقعه من أحداث غداً... نحن نــتوقع زيادة كبيرة في عدد المتظاهرين في الشوارع، وإذا وضعــنا ما حدث أمس في الاعتبار فهناك احتمالات حقيقية لحدوث مواجهة».
وقال كراولي إن الولايات المتحدة تريد من الحكومة والمعارضة في مصر البدء في مفاوضات جادة على الفور. وقال إن واشنطن تعتقد أن عناصر قريبة من الحكومة أو من الحزب الحاكم مسؤولة عن العنف الواسع النطاق ضد المحتجين.
تحسم ثورة مصر مهلتها النهائية أمام الرئيس حسني مبارك للخروج من السلطة، في تظاهرات مليونية جديدة دعت إليها في القاهرة والمدن الكبرى، ردا على الهجوم المضاد الذي شنه النظام في خلال اليومين الماضيين، سواء بواسطة عصاباته المسلحة التي سفكت الدماء في الشوارع، أو بواسطة نائبه عمر سليمان ورئيس حكومته احمد شفيق وعدد من وزرائه الذين أطلوا على شاشات التلفزيون ليطالبوا بإنهاء الاحتجاجات وهددوا ضمنا بالمزيد من الفوضى، عندما أعلنوا جميعا كلمة سر هي أن الشرطة غير جاهزة لضبط الأمن وحماية التظاهر، وأن الجيش غير مكلف بمثل هذه المهمة، في ما يبدو ان مبارك مصمم على ان يلعب ورقته الاخيرة المتمثلة في تفجير صراع اهلي بين عصاباته وبين المحتجين.
اما كلمة السر الثانية التي رددها النظام فهي التهويل للمرة الاولى بخطر «الاخوان المسلمين» واحتمال سيطرتهم على الثورة ثم الدولة، على الرغم من ان الوقائع على الارض تشير الى ان مساحة «الاخوان» في الشارع لا تزيد عن مساحة اي تنظيم معارض آخر، كما انهم ابدوا حرصا استثنائيا على عدم ادعاء قيادة اي احتجاج، وعلى عدم الزعم حتى انهم الاقوى، وعدم رفع شعاراتهم ومطالبهم الخاصة، وتمسكوا بالانخراط في جبهة المعارضين على اختلاف انتماءاتهم، الذين انكروا ما قاله نائب الرئيس عن انه بدأ الحوار مع بعضهم، وشددوا على ان الحوار لا يمكن ان يبدأ قبل ان يوقف النظام هجمات عصاباته المسلحة على التظاهرات السلمية المدنية، وقبل ان يقتنع بأن مهلة الاشهر الثماني الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية في ايلول المقبل، غير مقبولة، والتذرع بضرورة الالتزام بالمهل القانونية لتعديل الدستور وتنظيم العملية الانتخابية وتحريرها من مبارك ومرشحيه، ليس مجديا، على الرغم من أن النظام اقدم امس على تراجع جديد امام الضغط الشعبي تمثل في اعلان سليمان ان نجل الرئيس جمال مبارك خرج من معركة الترشيح للرئاسة، وفي إعلان الحكومة منع سفر اربعة من الوجوه القبيحة للنظام.
لكن كلمة السر الاهم جاءت على لسان مبارك نفسه الذي اوحى للصحافية الاميركية الشهيرة كريستيان امانبور انه يشعر بالطعن من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما، وأشار الى انه مستعد للتنحي فورا لكنه يخشى ان يتسبب ذلك بالفوضى، في اشارة الى انه لا يعتبر كل ما جرى حتى الآن على يد اركان نظامه فوضى، وينذر شعبه بالمزيد اذا ما اصر على طلب رحيله فورا، علما بأنه سبق لرئيس حكومته ان اعلن في وقت سابق امس ان الرحيل الفوري غير وارد، لان المطلوب هو توفير «خروج كريم» لمبارك من الرئاسة مستعيدا قصة رحيل الملك فاروق عن مصر حيث كانت قيادة الثورة الناصرية في وداعه الرسمي في ميناء الاسكندرية.
وعشية يوم الوداع اليوم، أحجمت واشنطن عن التعليق على جدول الاعمال الانتقالي الذي حدده مبارك وأركان حكمه امس، بعدما كانت قد ألحت على الشروع في مسيرة التغيير فورا، ما يشير الى ان ادارة اوباما تنتظر ما يمكن ان تسفر عنه عروض القوة التي يخشى الجميع ان تتطور الى ما لا تحمد عقباه في ضوء اصرار النظام المصري على التعامل مع الثورة الشعبية باعتبارها فورة شباب عابرة، يمكن ترهيبها تمهيدا لاحتوائها، مع العلم ان ميدان التحرير ما زال في يد المعارضة وكذا الساحات الكبرى في القاهرة ومختلف المدن الكبرى، برغم الهجمات المتتالية لعصابات مبارك التي زادت المعارضين تشبثا بالبقاء في الشارع حتى تحقيق مطالبهم كاملة، ووفق جدول زمني يفترض ان يحسم نهاية هذا النهار.
وقال مبارك، في المقابلة مع شبكة «آيه بي سي» الاميركية إنه ضجر من الرئاسة ويفضل التنحي عن منصبه، لكنه لا يستطيع القيام بذلك، خشية أن تغرق البلاد في الفوضى، مشيراً إلى أنه لم يعمل يوماً على توريث الحكم لابنه جمال.
ورداً على سؤال حول ما شعر به عندما سمع الجماهير تشتمه في الشارع، قال مبارك «لا يهمني ما يقوله الناس عني. حتى الآن، يهمني بلدي.. تهمني مصر».
وأشار مبارك إلى أنه شعر بالقلق إزاء المواجهات التي جرت في ميدان التحرير، لكنه نفى ضلوع نظامه في هذه الأحداث، التي حمّل مسؤوليتها لجماعة «الإخوان المسلمين».
وحول الموقف الأميركي المطالب بانتقال سريع للسلطة في مصر، قال مبارك إن الرئيس باراك أوباما «لا يفهم ثقافة المصريين، ولا يدرك ما يمكن أن يحصل إذا استقلت».
وكان عمر سليمان أكد أن مبارك لن يترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، لا هو ولا نجله جمال، لكنه رفض مطالبة الشباب المحتجين في ميدان التحرير برحيل مبارك، معتبراً أنها «نداء للفوضى». وقال إنه يتعين الانتهاء من الحوار السياسي مع قوى المعارضة في غضون خمسة أيام على الأكثر للخروج بالبلاد من أزمتها الراهنة، مشيراً إلى أنه التقى بكافة الأحزاب، عدا حزبي «الوفد» و«التجمع»، وأنه وجه دعوة لجماعة «الإخوان المسلمين» للمشاركة في الحوار السياسي بشأن الإصلاحات في البلاد.
واعتبر سليمان أن المواجهات التي جرت في ميدان التحرير تقف وراءها «مؤامرة». وقال «نريد أن نعرف من دفعهم إلى هذا المكان، وسنعرف من دفعهم إلى ميدان التحرير»، مضيفا «نرى أنها كانت مؤامرة ولا بد أن نعرف من وراءهم وأن نحاسبهم». واتهم سليمان من لديهم «أجندات خاصة» مثل «الإخوان، ورجال الأعمال، وجهات أجنبية» بدفع البلطجية على المتظاهرين، كما اتهم عشرات الآلاف الذين ما زالوا يتدفقون إلى ميدان التحرير بتنفيذ «أجندات خاصة».
بدوره، خرج رئيس الوزراء احمد شفيق، في أول مؤتمر صحافي يعقده منذ تكليفه يوم السبت الماضي، ليعتذر للمتظاهرين عن الاعتداءات التي وقعت عليهم، ولكن من دون أن يقدم تفسيراً لاستمرار مسلسل العنف والترويج الإعلامي لخط سير البلطجية المتجهين إلى ميدان التحرير وسط غياب تام للأمن الذي أعلن رسمياً عن «عودته»، مساء الاثنين الماضي، بعد اختفائه الغامض يوم «جمعة الغضب».
وفي محاولة لتحسين صورة الحكومة الجديدة، بعد إخراج رجال الأعمال منها، أعلن النائب العام انه منع وزراء ومسؤولين من السفر وتجميد أرصدتهم، ومن بينهم وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، وأمين التنظيم في الحزب الوطني الحاكم احمد عز، ووزير الإسكان السابق احمد المغربي، ووزير السياحة السابق زهير جرانة. ولأن العادلي متهم في نظر الكثيرين بالسماح بـعمل السلب والنهب والترويع الذي أحدثه اختفاء جهاز الشرطة في «جمعة الغضب» فلم يفهم سبب وضعه مع سلة رجال الأعمال.
ميدان التحرير
ومع استمرار التظاهرات الشعبية في ميدان التحرير في وسط القاهرة لليوم العاشر على التوالي، بدا أن المتظاهرين قد أفسدوا على مبارك خروجه «الآمن» أو «الكريم» من السلطة، وفقاً لخطابه مساء الثلاثاء الماضي، الذي اقترح فيه عدم الترشّح لفترة رئاسية سادسة في أيلول المقبل، والبقاء في السلطة حتى هذا الوقت، مجهضين، في الوقت ذاته، محاولات البعض رسم سيناريوهات للمشهد السياسي خلال الأشهر المتبقية قبل رحيل مبارك تقفز فوق إرادة الجماهير الغاضبة.
ويبدو من الحرب التي شنت على المتظاهرين بعد خطاب مبارك بوقت قصير، والتي تصاعدت وتيرتها يومي الأربعاء والخميس، أن هذا الإصرار أربك النظام، الذي أراد إنهاء مشهد ميدان التحرير بأي شكل. وفي الوقت الذي يواصل فيه المتظاهرون ضغطهم لإسقاط النظام، عبر تسريع رحيل مبارك، ظل مسلحون، ومن بينهم رجال شرطة بلباس مدني، يمارسون ضغطاً مضاداً على مداخل ميدان التحرير في محاولات لإخلائه لم يكتب لها النجاح.
وبدلا من انصراف المحتجين عن وسط القاهرة، خوفا من أحداث «الأربعاء الدامي»، التي سقط فيها 11 قتيلاً ومئات الجرحى، وحوّلها الإعلام الرسمي إلى مادة لتخويف المصريين من التظاهرات، تزايد عدد الأشخاص الذين تدفقوا إلى ميدان التحرير، برغم تحوله إلى ساحة حرب حقيقية، منذ أن هاجم مؤيدو الرئيس المتظاهرين بالقنابل الحارقة والسلاح الأبيض.
واضطر المتظاهرون، الذين طالما رفعوا شعارات «سلمية» لاحتجاجاتهم، إلى أن يدافعوا عن أنفسهم بإلقاء الحجارة على الجانب الآخر، تحت أعين الجيش الذي ترك العنف يتصاعد حول دباباته المنتشرة حول الميدان، وفي جميع أنحاء القاهرة ومحافظات مصر.
وتسببت قنابل «المولوتوف» التي استخدمها مؤيدو النظام في اندلاع حرائق عدة، حولت أجزاء من المباني المطلة على ميدان التحرير، والقريبة من «جبهات الحرب»، إلى مساحات سوداء اللون، بعدما أحرقت قنابل «المولوتوف» الأشجار القليلة التي كانت تزين هذه المنطقة، فيما تبدّل شكل أشهر ميادين مصر بعدما خُلِعت أرصفته لتتحول إلى حجارة كانت تلقى على «رجال المولوتوف» لصدهم.
وتكرر مشهد «الأربعاء الدامي» يوم أمس، وبذات الوتيرة على الجانبين، وذلك برغم «اعتذار» رئيس الحكومة الجديدة، الذي ظهر أمس للتحدث عما حدث، متعهدا بمحاسبة المسؤولين عن هذه الأحداث.
لكن هذا الموقف لم يحل دون تصاعد الفوضى مرة أخرى، إذ قام مئات من البلطجية وأفراد من الشرطة في زي مدني، بمنع دخول إمدادات غذائية وطبية إلى ميدان التحرير، محاولين فرض حصار على المتظاهرين، شبهته إحدى الناشطات بالحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.
تعتيم إعلامي
وفي مدينة «6 أكتوبر»، التي تبعد عن القاهرة نحو 26 كيلومتراً، تم حرق «هايبر وان»، وهو أكبر المراكز التجارية في المنطقة. واعتدى نحو 20 بلطجياً على الصحافي حازم زهني الذي كان يصور الحريق، وسرقوا معداته بعدما هددوه بمسدس. كما داهمت قوات الشرطة العسكرية مكتبي «مركز هشام مبارك لحقوق الإنسان» و«المركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية» في شارع سوق التوفيقية في وسط القاهرة، بعدما حاصرهما البلطجية، حيث تمّ توقيف مديري المركزين وستة ناشطين ومحامين يعملون هناك.
كما صادرت قوات أمنية أجهزة مراسلي شبكة «بي بي سي» في فندق «هيلتون» الذي يطل على ميدان الشهيد عبد المنعم رياض وميدان التحرير، وذلك في إطار الجهود المبذولة وقف بث مشاهد أحداث العنف، في وقت تجددت الاعتداءات على الصحافيين في القاهرة والإسكندرية، فيما تردد أن السلطات الأمنية أمرت بإخلاء ميدان التحرير والمناطق المحيطة به من الكاميرات، في محاولة لمنع نقل ما يجري إلى الفضائيات.
سلطة منقسمة... ومعارضة جديدة
وبالرغم من أن ما يحدث في قلب القاهرة من أحداث ما زال يشكل محور المشهد المصري، فإن تباين المواقف الرسمية من التطورات عكس انقسامات في أجهزة الدولة، وهي واقع لم يلق اهتماماً كافياً من قبل المراقبين، مقارنة بالاهتمام الذي تحظى به الحرب المشتعلة في ميدان التحرير.
وفي الوقت الذي بدأ فيه الحديث يدور همسا عن صراعات داخل أجنحة النظام لترتيب الوضع بعد رحيل مبارك، وعن الدور الجديد لرجال الأعمال الذين برزوا كصانعي سياسة الحزب الوطني الحاكم خلال السنوات الماضية، في مقابل عودة العسكر إلى واجهة الحكم، بدأت «قوائم لجان الحكماء» التي شكلتها مجموعات سياسية مختلفة تتداول في الأوساط السياسية، وقد طرحت فيها أسماء تقوم بدور التحدث أو التفاوض مع النظام حول مطالب للإصلاح السياسي وإطلاق الحريات، لكن القوائم المعلنة بدت متباينة، وهي لا تزال قيد الدراسة، ما يؤشر إلى صراعات أخرى في صفوف القوى المعارضة المفككة والضعيفة أصلاً.
لكن الواقع على ارض ميدان التحرير، حيث الثورة، والصراع الواضح والأقل تعقيداً بين «الشعب» و«النظام»، يعكسان ديناميكيات سياسية أخرى، تداخلت فيها خلفيات عشرات المجموعات والقوى السياسية وغير السياسية المختلفة من يساريين وليبراليين ومدونين وحقوقيين وأبناء الطبقة الوسطى والمهمّشين اقتصادياً وأطباء وفنانين وطلبة وكافة المراحل العمرية، إلى جانب «الإخوان المسلمين» الذين، وإن لم يبدوا بارزين في التظاهرة المليونية يوم الثلاثاء الماضي وما سبقها، فإنهم كانوا السد المنيع والحائط البشري الرئيسي الذي منع البلطجية من اقتحام ميدان التحرير.
وبهذا المشهد الغامض داخل النظام والحالة التنافسية على ضفة المعارضة، تستعد مصر لاستقبال ما أطلق عليه المتظاهرون «جمعة الرحيل»، حيث أكمل المعارضون استعداداتهم للانطلاق في تظاهرات مليونية جديدة بعد صلاة الظهر من ميدان التحرير لمطالبة مبارك بالرحيل الفوري.
واستبقت الولايات المتحدة «جمعة الرحيل» بالتحذير من أن مصر قد تشهد مواجهة دموية خطيرة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي بعدما ترددت أنباء عن تعرض صحافيين لاعتداءات أثناء جهودهم لتغطية الاحتجاجات «لا اعتقد أن هذه الأحداث عشوائية». وأضاف «قد تكون مؤشرا لما يمكن توقعه من أحداث غداً... نحن نــتوقع زيادة كبيرة في عدد المتظاهرين في الشوارع، وإذا وضعــنا ما حدث أمس في الاعتبار فهناك احتمالات حقيقية لحدوث مواجهة».
وقال كراولي إن الولايات المتحدة تريد من الحكومة والمعارضة في مصر البدء في مفاوضات جادة على الفور. وقال إن واشنطن تعتقد أن عناصر قريبة من الحكومة أو من الحزب الحاكم مسؤولة عن العنف الواسع النطاق ضد المحتجين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات