الأقسام الرئيسية

الصمت الأوروبي إزاء الأنظمة القمعية العربية ـ واقعية سياسية أم أزمة أخلاق؟

. . ليست هناك تعليقات:

صمت الدول الأوروبية إزاء انتهاكات حقوق الإنسان والقمع الذي يتعرض له المتظاهرون في ليبيا واليمن والبحرين وغيرها يثير الكثير من علامات الاستفهام، فهل يعكس الأمر مأزقا في السياسة الخارجية الأوربية أم أنه تغليب للمصالح؟

يرى محمد الويفي أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات السياسية في باريس أن مواقف العواصم الأوروبية تتسم ب"الحذر" إزاء ما يجري في ليبيا واليمن والبحرين، وهو حذر نابع "ليس فقط عن عجز بل أيضا عن تخوف من المستقبل". وأوضح الخبير الفرنسي ( من أصل مغربي) في حوار مع دويتشه فيله بأن "صمت الدول الأوروبية سببه عدم قدرتها على تقييم انعكاسات ما يحدث في الدول العربية المضطربة".

ومن جهته اعترف يورغن كروغوب وزير الدولة السابق في الخارجية الألمانية والرئيس الحالي لمؤسسة هيربيرت كوانت، بوجود مشكلة كبيرة في سياسة الغرب جراء صمته الطويل إزاء هيمنة حكام عرب على السلطة لفترات طويلة ضدا على رغبات شعوبهم، كما حدث مع الرئيس المصري المتنحي حسني مبارك، تحت ذريعة الحفاظ على الاستقرار. وقال كروغوب، في حوار مع دويشته فيله، إن "هذا الموقف لم يحمِ أولئك الحكام من ثورة شعوبهم رغم استخدامهم للقوة، وفي نهاية المطاف فهو موقف يعرض أمن واستقرار أوروبا للمخاطر". ومن جهته أشار الويفي إلى الصعوبات التي واجهتها الدبلوماسية الفرنسية في تونس نتيجة "قلقها الشديد على مصالحها الكبيرة في هذا البلد".

ويتفق المسؤول الألماني السابق مع الباحث الفرنسي (من أصل مغربي) بأن موقف الصمت والتردد من قبل العواصم الأوروبية إزاء ما يجري الآن من قمع شديد للمتظاهرين سلميا في ليبيا واليمن والبحرين يعكس "مأزقا" للسياسة الأوروبية في العالم العربي، مع وجود تفاوت في النظرة الأوروبية للدول العربية المضطربة من حيث مواقعها الجيواستراتجية والمصالح التي تربطها بأوروبا.

مواقف أوروبية "متذبذبة" ـ هل تؤثر في القذافي؟

يورغن كروبوغ وزير الدولة السابق في الخارجية الألمانية اعترف بوجود مأزق أخلاقي جراء سياسة الواقعية التي انتهجتها أوروبا   يورغن كروبوغ وزير الدولة السابق في الخارجية الألمانية اعترف بوجود مأزق أخلاقي جراء سياسة الواقعية التي انتهجتها أوروبا

وتعتبر ليبيا حالة معبرة بشكل واضح عن المأزق الذي تواجهه العواصم الأوروبية، التي اكتفت بالتنديد وبصوت منخفض بما يحدث من قمع شديد وسقوط قتلى في صفوف المتظاهرين الليبيين بشكل سلمي. ويرى الويفي أن الموقف الفرنسي والأوروبي بشكل عام "متذبذب" لأن ليبيا الدولة الجارة لأوروبا غنية بالنفط وهي تشكل سوقا مهما جدا للمنتجات الأوروبية. وأضاف بأن النهج السياسي البراغماتي الذي سلكه القذافي خلال السنوات العشر الأخيرة جعله مقبولا من قبل الدول الأوروبية رغم الطابع الدكتاتوري لنظامه، كما أن القذافي يتعاون مع الحكومات الأوروبية في مكافحة الهجرة غير الشرعية.

ويعتقد الويفي أن الصمت الأوروبي إزاء سياسة القتل التي يعتمدها القذافي ضد المتظاهرين من مواطنيه يمكن تفسيره بخوف الأوروبيين من نتائج سقوط نظام القذافي على مصالحهم الاقتصادية والأمنية، وخصوصا إيطاليا التي تعد أول شريك أوروبي لليبيا.

وردا على سؤال هل يتعلم الأوروبيون مما حدث في مصر وتونس في تعاملهم الآن مع القذافي، نصح كروغوب السياسيين الألمان بأن ينأوا بأنفسهم عن القذافي الذي تربطه علاقات مع رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني، مشيرا بأن القذافي ليس "صديقا كبيرا لألمانيا". واعترف كروغوب بـ"حدود تأثير" النداءات التي تطلقها دولة أوروبية مثل ألمانيا لنظام القذافي بعدم استخدام القوة ضد المتظاهرين سلميا، موضحا بأن القذافي يمتلك موارد وإمكانيات تمنحه قدرا من الاستقلالية عن التأثير الغربي، وعدم التأثر بقرارات مثل إيقاف تصدير الأسلحة إلى ليبيا، التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية.

تأثير عنصر الجوار مع السعودية

قوات الشرطة والجيش واجهت المتظاهرين في البحرين بعنف شديد خلف قتلى وجرحى

قوات الشرطة والجيش واجهت المتظاهرين في البحرين بعنف شديد خلف قتلى وجرحى

ويبدو جوار اليمن والبحرين مع السعودية قاسما مشتركا للبلدين رغم اختلاف أوضاعهما. وفي المنظور الأوروبي فإن وضع البحرين يتسم بتعقيد خاص ومن شأن سقوط الأسرة الحاكمة في البحرين أن يشكل ـ في نظر الباحث محمد الويفي ـ "تهديدا مباشرا لمصالح الولايات المتحدة التي تقيم في البحرين قواعد عسكرية كبيرة. كما يعني ذلك سابقة خطيرة بالنسبة للملكة العربية السعودية التي تربطها علاقات إستراتيجية قوية بالولايات المتحدة وأوروبا". ويرى الويفي بأن العواصم الأوروبية الكبرى والمفوضية الأوروبية "متضامنة مع الموقف الأميركي هناك ولديها تفاهم مع السعودية" ومن هذا المنطلق فهي"حريصة على عودة الاستقرار للبحرين" حتى لو كان ذلك يكلفها الصمت عن العنف المفرط الذي استخدمته قوات الشرطة والجيش ضد المتظاهرين في البحرين.

كما يشكل وضع اليمن، بالنسبة للأوروبيين حالة معقدة جدا، وبحكم جواره مع السعودية فإن سقوط نظام الرئيس علي عبد الله صالح ستكون له انعكاسات سلبية على استقرار السعودية، برأي محمد الويفي، الذي يضيف بأن صنعاء تتعاون مع الدول الغربية في محاربة تنظيم القاعدة، كما أن اليمن له دور في أمن الملاحة البحرية على سواحله من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي. ويستنتج الويفي بأن "هذه المعطيات تفسر غياب ردود فعل أوروبية جادة إزاء ما يجري في اليمن".

"الواقعية السياسية والمأزق أخلاقي"

مظاهرة تضامنية في الولايات المتحدة الأميركية مع المتظاهرين في ليبيا

مظاهرة تضامنية في الولايات المتحدة الأميركية مع المتظاهرين في ليبيا

وحول ما إذا كانت الدول الأوروبية تجد نفسها أمام أزمة أخلاقية جراء تخليها عن حكام كانت تربطها بهم علاقات تعاون وثيق، لاحظ الباحث محمد الويفي وجود موقفين متعارضين في أوروبا أولهما موقف الدول الأوروبية المؤيدة لعدد من الأنظمة الحاكمة في الدول العربية المضطربة، وموقف ثان لدى بعض السياسيين والمثقفين وهيئات حقوق الإنسان وعدد من وسائل الإعلام وه موقف يشدد على احترام قيم حقوق الإنسان وعدم التفريط فيها لحساب المصالح الاقتصادية.

ومن جهته يعتبر كروغوب، الذي أمضى 30 عاما في السلك الدبلوماسي الألماني بمنطقة الشرق الأوسط، بأن تلك "الواقعية السياسية" كانت من منظور أخلاقي خاطئة، داعيا لأخذ الدروس مما يحدث في المنطقة، لكنه أشار بأن الحكم على الأمور لا ينبغي أن يكون بشكل قطعي. وأوضح الدبلوماسي الألماني السابق أن الأمر لا يتعلق فقط بمصالح اقتصادية بل باعتبارات أمنية وسياسية أيضا، مشيرا إلى حالة الرئيس المصري السابق الذي كان شريكا أساسيا في عملية السلام مع إسرائيل. وتابع "ربما كان سقوطه قبل عشر سنوات سيكلف المنطقة حروبا، وهو ما يتعارض مع مصالحنا". واستنتج كوغروب قائلا" يتعين علينا توخي الحذر، وتحديد مصالحنا بدقة وما هي مسؤولياتنا الأخلاقية" واستطرد قائلا "لكن الحدود بين الأخلاق والمصالح ليست واضحة تماما ولذلك فإن الحسم في المسألة ليس أمرا سهلا".

ويرى الويفي أن موقف "الصمت والعجز" الأوروبي يمكن تفسيره أيضا بـ"عدم استقلاليته إزاء الموقف الأميركي" وأضاف بأن أوروبا لم تنجح بعد في بلورة سياسة خارجية موحدة، متوقعا أن ينتج عن ضعف الموقف الأوروبي انعكاسات سلبية على مصالح أوروبا ودورها الاستراتيجي في العالم العربي في المرحلة المقبلة. ومن جهته طالب كروغوب الأوروبيين والأميركيين بتغيير نهجهم من خلال تقليص المساعدات العسكرية للدول العربية إلى أبعد الحدود والتوجه مقابل ذلك إلى دعم برامج التنمية والمساعدات من أجل خلق فرص العمل والتعليم لشعوب المنطقة، وكذلك عدم الاستمرار في دعم دولة لا تفتح الآفاق لشعبها.

منصف السليمي

مراجعة: عبده جميل المخلافي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer