الأقسام الرئيسية

كم مسيحي يجب أن يقتل لتعقد من أجلهم قمة عربية؟

. . ليست هناك تعليقات:


عدد المسيحيين الذين قتلوا في العراق ومصر خلال الفترة الماضية 'يشفع' لهم أن تعقد قمة عربية لبحث مأساتهم أسوة بقمم القضية الفلسطينية.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: حبيب تومي


الوطن العربي من المحيط الهادر الى الخليج الثائر معظمه تولد نتيجة التوسع الديني العربي الإسلامي، وتدثر بالثوب القومي والديني واللغوي للمحتل او للفاتح، فالعرب قبل الإسلام وطنهم محصور في الجزيرة العربية وبعد الإسلام امتد ليمتد بين المحيط الأطلسي والخليج العربي، لقد جسد حزب البعث هذه الرؤية بشعاره امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة اي وطن عربي واحد ورسالة دينية إسلامية واحدة، فالتجانس مطلوب وعلى الجميع الانصهار مع العروبة والإسلام.

الأمة العربية شهدت توسعاً وتوحداً تحت قوة السيف، وشهدت تفككاً، والى اليوم، حينما اختفت او انحسرت مظاهر تلك القوة، فالوطن العربي ينقسم الى 22 دولة، وحتى هذه الدول تحاول التستر والتعتيم على صراعات دينية ومذهبية وعرقية يسود دواخلها. فالوطن العربي المسلم فيه من الأقليات الدينية غير الإسلامية وأقليات عرقية غير العربية، وأقليات لغوية وقومية غير القومية العربية. وتأكيدا على زعمي فأقول ثمة من لهم لغتهم غير العربية ومنهم: الأكراد في العراق وسوريا والأرمن في سوريا ولبنان والعراق ومصر، والتركمان في سوريا والعراق، والأتراك والشركس في سوريا والأردن، والكلدانيون والآشوريون والسريان في العراق، واليهود في اسرائيل، والقبائل الزنجية جنوب السودان وجنوب المغرب، والنوبيون جنوب مصر وشمال السودان، والبربر في بلاد المغرب وليبيا.

اما الأقليات الدينية من اتباع الديانات الأخرى غير الإسلامية فثمة المسيحيون من الكاثوليك والبروتسانت والمونوفستيون والنساطرة وثمة اليهود والصابئة المندائيين والأيزيدية والشبك والبهائيين والكاكائيين والديانات القبلية الزنجية في السودان.

لا شك ان الدولة العربية الإسلامية لم تأخذ هذا الواقع بنظر الاعتبار وبقيت لقرون تنظر الى المكونات غير العربية وغير الإسلامية بمنظار التعالي والتفوق الديني والعرقي، فالمسلم له الحق في نكح نساء الأديان الأخرى، ولأبناء الأديان الأخرى لا يحق لهم نكح المسلمة. هذه واحدة من النظرية التفوقية الإسلامية، وهذا وغيره ولّد استياءً لدى تلك المكونات ومنهم على سبيل المثال انتفاضات الأكراد على مدى قرون وكان اخرهم صدام حينما رفض الاعتراف بحقوقهم البسيطة ثم اوغل في اضطهاد من بقي تحت سلطته فقابل المجتمع الدولي هذا التصرف بخلق حماية دولية لهم سنة 1991 في مناطقهم بعيداً عن هيبة الحكومة وسطوتها.

وكذلك تحركات البربر الذين يسعون لأحياء تراثهم ولغتهم الأمازيغية، وأمامنا تتجلى المطالب القومية التي يرفعها الكلدانيون في العراق بعد تهميشهم بشكل ظالم في العملية السياسية العراقية، وبعد شطب اسمهم القومي الكلداني بشكل مجحف من مسودة دستور اقليم كوردستان.

إن 1400 سنة لم تفلح في صهر وإذابة هذه المكونات إن كان في البوتقة الدينية او القومية، هذا بالرغم من تمرير خطاب ديني يومي عبر الميكروفونات والأشرطة وكتيبات فيها الكثير من العبارات التعبوية الشاحنة وفيض من معاني الكراهية وشحونات الانتقام والعدوانية، وهي تشخص اليهود والنصارى، فنسمع: اللهم أهلكهم واهلك من يقف وراءهم.. اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبقي فيهم ابدا.. اللهم دمر حصونهم.. اللهم رمل نساءهم ويتم اطفالهم.

هذه الدعوات وسواها كثير تبعث على الأحباط والتقزز.

ينبغي الأعتراف الى جانب ذلك وجود خطاب ديني إسلامي شجاع يزرع بذور التسامح والتعايش من منطلق لكم دينكم ولي دين، وهذه الدعوات والكتابات تصدر من كتاب مسلمين ليبراليين علمانيين وبعضها تصدر من رجال الدين انفسهم وهذه الأخيرة نادرة، وهي بمجموعها تشكل مساهمة متواضعة وخجولة لا ترتقي الى الطموح ولا تتوازن مع كفة الخطاب الديني المشحون بروح الكراهية والتعبوية ضد المواطنين من اتباع الديانات الأخرى.

لكن رغم مرور 1400 سنة لا زالت قوى وأديان وإثنيات ولغات تصارع هذا الواقع المجحف في الوطن العربي، الغريب ان المسلمين بشكل خاص لا زالوا يستنكرون ويستغيثون من الظلم الذي يطالهم، ولا ادري ما هو نوع الظلم في الوقت التي هم يقومون بظلم وتفرقة وقتل الناس وإحراق كنائسهم. فعن اي ظلم بعد ذلك يتكلمون؟

الدول العربية متفاوتة في التعامل مع هذه المكونات، في سوريا والأردن نلاحظ مظاهر الود والاحترام والمحافظة على المكونات غير الإسلامية، وبشكل خاص المكون المسيحي فثمة تعايش يحترمه الجميع، وهذا نابع من سياسة الدولة العقلانية الحكيمة التي تؤسس على سياسة التسامح والتعايش المطلوبين.

اما دول المغرب العربي فإن الحرية الدينية عندهم لا تقبل بالتبشير بالدين المسيحي، في حين هم يبشرون بالديانة الإسلامية في جميع انحاء اوروبا واميركا، والدولة العلمانية الوحيدة وهي تونس التي وضع اسس الحكم العلماني فيها المرحوم الحبيب بورقيبة، واليوم باتت مهددة من قبل الإسلام السياسي للقضاء على هذا النهج التسامحي.

اما ليبيا فهي بجدارة تنتهج سياسة الأرض المحروقة لأي مكون ديني باستثناء الدين الإسلامي فهي دولة الدين الواحد وأكثر من السعودية، إذ ليس في قاموس هذه الدولة مفردة اسمها حرية الأديان. وفي معظم الدول العربية يبدو ان توزيع كتاب الإنجيل المقدس من المحرمات ويعاقب عليه القانون ناهيك عن العنف الاجتماعي المشحون بالكراهية والحقد.

الدول التي فيها المكون المسيحي بشكل ملحوظ وهي مصر والعراق وسوريا، فإن مصر والعراق قد منيتا بالفشل الذريع في حماية المكون المسيحي في بلدانهم.

الغريب ان الحكومة العراقية قد نجحت بشكل كبير في توفير الحماية لآلاف بل الملايين من زوار الأماكن المقدسة لدى الشيعة في النجف وكربلاء، بينما نلاحظ ان هذه الحكومة تمنى بالفشل الذريع، او بالأحرى تتوانى وتتساهل في مسألة حماية الكنائس وزوارها من المصلين فثمة خروقات خطيرة وقعت على مدى السنوات السبع الماضية.

وهذا ينطبق على الحكومة المصرية، التي تشهد بشكل مستمر اعتداءات طائفية على المكون المسيحي، وكان آخرها وأبشعها الهجوم الإرهابي على كنيسة القديسين في الإسكندرية الذي أودى بحياة مئة قتيل وجريح.

وفي السودان تلوح بوادر الحرية للمسيحيين في الأفق وألف مبروك لهذا الشعب وهو ينال حريته وينبغي الإشارة هنا الى انفصال جنوب السودان وتكوين دولة مسيحية في هذه المنطقة من العالم، إن نضال هذا الشعب وكفاحه قد افلحا في انهاء الظلم والاضطهاد على مدى قرون، وها هو الضوء يلوح في نهاية النفق لخلاص هذا الشعب فبعد أقل من أسبوع، سيتوجه سكان ولايات جنوب السودان إلى صناديق الاقتراع لتقرير مصيرهم إما بالاستقلال أو الوحدة مع الشمال، في استفتاء قد يعمل على تغيير خارطة أفريقيا. فمبروك لهذا الشعب هذه النعمة، فالحرية اثمن ما يتمنى الأنسان ان يتملكها، وفي الحقيقة إنها الايجابيات التي تحلى بها الرئيس السوداني عمر البشير فقوله مؤخرا باستعداده لمساعدة «الإخوان الجنوبيين»، وإنه سيكون «أول من سيعترف» بدولة الجنوب الجديدة. وأشارت المصادر إلى أن فرصة وقوع حرب جديدة بعد نهاية الحرب السابقة باتت «قليلة جدا، وتظل تقل»،.. ربما لأول مرة يظهر النظام الإسلامي الذي يسيطر على السودان، بدءا بالرئيس البشير، مرونة مثيرة للدهشة». كما انه يصرح بمناسبة الذكرى ال55 لاستقلال السودان، القبول والاعتراف بنتائج الاستفتاء أياً كانت، إذا تمت بصورة تعكس الإرادة الحقيقية لمواطني جنوب السودان.

وأضاف قائلاً: "فلتمضِ عملية الاستفتاء على بركة الله، واثقةً بالتزامنا الذي نجدَّده في هذه اللحظة ونؤكده، تعهُّداً بالتاريخ المتفق عليه، وقبولاً بالنتيجة المتأتية عن رغبة المواطنين واختيارهم."

إن الدول العربية لا يكفي ان تستنكر او تقف متفرجة فلهيب الإرهاب سيحرق اصابعها شاءت ام ابت، فها هو تفجير الكنائس ينتقل بقوة من العراق الى مصر، فلماذا لا تعقد الدول العربية مؤتمر قمة مخصص لما يجري على اراضيها بحق مكون اصيل؟

لقد عقدت مؤتمرات قمة عربية كثيرة حول اسرائيل، فماذا لو كانت في قلب الوطني العربي اكثر من اسرائيل، لماذا لا يتدارك العرب الأمور ويعلموا شعوبهم على التعايش مع الناس الآخرين من غير العرب ومن غير المسلمين.

القمم العربية تعقد طالما تعلق الامر باسرائيل والفلسطينيين. وهذا أمر فيه انحياز كبير ضد بقية القضايا التي لا تقل أهمية.

ان عدد المسيحيين الذين قتلوا في العراق ومصر خلال الفترة الماضية "يشفع" لهم أن تعقد قمة عربية أسوة بقمم القضية الفلسطينية. ربما ينبغي طرح السؤال بطريقة: كم مسيحي يجب ان يقتل لتعقد من أجلهم قمة عربية؟ وهل دماء الفلسطينيين المسلمين أغلى من دماء المسيحيين العراقيين والمصريين؟

إن الحكومات العربية تتحمل مسؤولية كبيرة في الأحداث الدامية وتأجيج عوامل الترويع المطروح من قبل الحس الغرائزي الجمعي المشحون، كل ذلك يجعل من الأقليات، وهي الحلقات الأضعف في المجتمع، ان تكون عرضة للهواجس، فالدولة هنا يحتم عليها القيام بواجبها، إن الدول العربية بمجموعها حينما تضع دساتير تعلن توجهها الديني واسترشادها بالشريعة الإسلامية تضع معالجة الموقف في دائرة المستحيل، فكيف تغذي التيار الديني، لكنها من الطرف تدعي انها تقف على مسافة واحدة من كل المكونات. إن الحكومات العربية تكذب على نفسها وتكذب على الناس فالدولة الثيوقراطية لا يمكن ان تتسم بالحيادية، إن أوروبا لم تستطع ان تقف مع حقوق الأنسان إلا حينما اتجهت الى الحكم العلماني الديمقراطي فكان القرار التاريخي بفصل الدين عن الدولة.

إن الحكام العرب مطلوب منهم تجريم إثارة التمييز الديني والطائفي، وعليهم سد المنافذ امام الأعلام الذي يبث ويساعد على ايقاض الحس الديني الأصولي المتعصب، فالحروب الصليبية قد طواها الدهر وليس من المعقول ان نعزف على نفس الوتر وكأن الحروب قد بدأت يوم امس.

الا تعقد القمة العربية من اجل قضايا هامة؟ وهل هنالك قضية اهم من التي امامنا، حيث تفجر الكنائس ويقتل المصلين وهم مواطنين أحرار، فهل في جعبتهم اهم من هذه القضية؟

حبيب تومي

اوسلو

habeebtomi@yahoo.no

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer