الأقسام الرئيسية

من لبنان إلى العراق ومصر والمنطقة: أيّ دور للإسلاميّين في حماية الوجود المسيحي؟

. . ليست هناك تعليقات:


«أزمة الدولة» في الوطن العربي هي الوجه الأخطر لكل مشاكل المنطقة. وضع المسيحيين المتردي هو نتيجة عرضية عنها.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: قاسم قصير


أدّت التفجيرات وعمليات القتل التي استهدفت المسيحيين في العراق ومصر وبعض المناطق الأخرى، الى اعادة طرح ملف الوجود المسيحي في الشرق بشكل قوي. وأما على الصعيد اللبناني، فالمسيحيون غير مستهدفين بعمليات أمنية، وليس هناك مشاكل أو حروب بين المسلمين والمسيحيين، لكن الوجود المسيحي في لبنان يواجه مشاكل أخرى كتراجع عدد المسيحيين ودورهم السياسي، واضطرار معظم القوى السياسية والحزبية المسيحية الفاعلة الى التحالف مع قوى مسلمة أو ذات غالبية اسلامية من أجل تعزيز دورها وموقعها السياسي.

وقد كان الوجود المسيحي في الشرق محور البحث والنقاش في السينودوس الذي دعا اليه الفاتيكان في شهر تشرين الأول من العام الماضي. وقد أصدر السينودوس عدّة قرارات وتوصيات لكنها لم تؤد الى معالجة مشاكل المسيحيين التي تفاقمت مؤخراً بعد الاستهداف الأمني المباشر لهم وخصوصاً في العراق ومصر. ورغم ان «تنظيم القاعدة» وبعض المجموعات الإسلامية المرتبطة به أو المتأثرة بأفكاره قد تبنت المسؤولية عن الاعتداءات والتفجيرات التي تطال المسيحيين لأسباب مختلفة، لكن ذلك لا يمنع وجود اطراف أخرى قد تكون وراء بعض هذه التفجيرات والاعتداءات، وخصوصاً الكيان الصهيوني وأجهزته الاستخبارية وذلك في إطار تسعير الخلاف الإسلامي - المسيحي للتغطية على ما يجري من عدوان مستمر في فلسطين المحتلة وفشل عملية التسوية. لكن بغض النظر عن الجهات التي تقف وراء هذه التفجيرات، سواء كانت تنظيمات إسلامية متطرفة أو جهات أخرى مجهولة، فإن حماية الوجود المسيحي في المنطقة أصبحت مسؤولية إسلامية عامة، والحركات والقيادات الإسلامية معنية بالقيام بدور حقيقي وفاعل لحماية هذا الوجود وتقديم مشروع عملي في هذا الاطار.

فما هي الأسباب الحقيقية وراء مشكلة الوجود المسيحي في لبنان والمنطقة؟ وأي دور يمكن ان تقوم به الحركات والقيادات الإسلامية لحماية هذا الوجود؟

الأسباب الحقيقية لمشاكل المسيحيين

يواجه المسيحيون في لبنان والمنطقة العديد من المشاكل، وخصوصاً على الصعيدين السياسي والأمني. ومن خلال اللقاءات المباشرة مع قيادات دينية وسياسية وفكرية مسيحية وعبر الاطلاع على الدراسات التي أعدت عن الوجود المسيحي ومشاكل المسيحيين، يمكن تلخيص الأسباب التي تقف وراء هذه المشاكل بما يأتي:

1- الهجرة المسيحية من لبنان والمنطقة وتراجع عدد المسيحيين سواء لأسباب اقتصادية أو أمنية أو اجتماعية أو سياسية، وبالمقابل زيادة اعداد المسلمين، ما أدى إلى فجوة عددية كبيرة بين المسلمين والمسيحيين.

2- الاستهدافات الأمنية للمسيحيين في بعض المناطق وخصوصاً في العراق ومصر، مع العلم أن العمليات والتفجيرات التي تحصل في العراق لا تستهدف المسيحيين فقط، بل هي تستهدف جميع الفئات الأخرى من المسلمين الشيعة والسنّة، ومشكلة التطرف والتنظيمات المتطرفة تنعكس على الواقع الإسلامي عموماً، لكن نظراً لقلة عدد المسيحيين فإن استهدافهم يبرز بشكل أقوى اعلامياً وسياسياً.

3- مشكلة النظام السياسي العربي وعدم توافر الحريات العامة وكذلك عدم المساواة في الحقوق والواجبات. وهذه المشكلة لا تطال المسيحيين فقط، بل هي تطال جميع المواطنين العرب، وخصوصاً في بعض الدول العربية البارزة.

4- الواقع الاقتصادي الصعب وتراجع عمليات التنمية وازدياد الهجرة وهذه مشكلة عامة، والمهاجرون الى أوروبا وأميركا واستراليا من جميع الأديان والطوائف، وان كان المهاجرون المسلمون يعودون الى أوطانهم في حين ان معظم المسيحيين يستقرون في الدول التي يهاجرون إليها.

هذه بعض أسباب مشكلة الوجود المسيحي في لبنان والشرق عموماً.

مبادرة إسلامية عملية

من خلال عرض الأسباب التي تقف وراء المشكلات التي يواجهها المسيحيون في المنطقة، نجد ان هناك نقاطاً مشتركة كثيرة مع المسلمين، فالتطرف والغلو أزمة كبرى يواجهها الواقع الإسلامي، كما ان التخويف من الإسلام والتضييق على المسلمين في بعض أنحاء العالم (أوروبا وأميركا) يؤدي أيضاً الى بروز بعض الاتجاهات السلبية في الواقع الإسلامي.

وأمام هذا الواقع فإن الحركات والقيادات الإسلامية معنية بالعمل والمساهمة في تقديم مبادرات حقيقية، سواء لحماية الوجود المسيحي ومنع استهداف المسيحيين أو لجهة معالجة الواقع السياسي والاقتصادي العام في لبنان والمنطقة.

ولقد عمدت العديد من القوى والحركات والجمعيات الإسلامية الى القيام بخطوات عملية من أجل مواجهة التطرف والدعوة للمساواة وتعزيز المواطنة، ومن هذه الخطوات المؤتمرات التي عقدت في بيروت عامي 2003 و2008 والتي جمعت عشرات الجمعيات والشخصيات والحركات الإسلامية وصدر عنها ما يسمى «الميثاق الإسلامي»، وكذلك المشروع الذي اطلقه «الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين» والذي يدعو لاعتماد الوسطية والاعتدال.

كما قامت وفود علمائية تمثل المرجعيات الدينية في النجف وقم بالتواصل مع القيادات المسيحية والكنسية وعرض أفكار عملية للتعاون في مواجهة التطرف لكنها لم تلق الترحيب والتجاوب المطلوب.

اذن نحن أمام مبادرات متنوعة، لكن المطلوب اليوم قيام خطوات ومشاريع كبرى تؤكد التضامن الإسلامي مع المسيحيين والبحث مع القيادات المسيحية في كيفية العمل بشكل مشترك لحماية الوجود المسيحي. وان كان الأهم في كل ذلك اعادة البحث في مشاريع العمل الوطنية واطلاق مبادرات حقيقية لاصلاح الأنظمة السياسية في المنطقة العربية، لأن الأزمات التي تواجهها هذه الأنظمة تنعكس سلباً على كل الواقع العربي والمواطنين العرب (مسلمين ومسيحيين).

وقد تكون «أزمة الدولة» في الوطن العربي هي الوجه الأخطر لكل هذه المشاكل، وفي هذا الاطار يشكل المؤتمر الذي دعا الى عقده في بيروت مركز دراسات الوحدة العربية ما بين 10-13 كانون الثاني والذي سيشارك فيه عدد كبير من الباحثين والمفكرين فرصة مناسبة لبحث مشكلات الواقع العربي بكل تجلياته وتقديم الأفكار والطروحات العملية لمواجهة هذا الواقع.

إن أزمة الوجود المسيحي في لبنان والمنطقة لا تقتصر على المسيحيين فقط، بل هي تطال المسلمين أيضاً، بل هي أزمة الواقع العربي والإسلامي عامة، فمن يتصدى لكل هذه الأزمة؟

قاسم قصير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer