كان لا بد أن ينتظر التونسيون قرابة الربع قرن ليستمعوا إلى خطاب للرئيس بن علي مختلفا عن غيره من الخطابات.
وكانت وسائل الإعلام الرسمية التونسية أعلنت وبشكل متواصل عن خطاب مرتقب للرئيس التونسي منذ الظهيرة مما جعل الاعتقاد بأن الخطاب الرابع لبن علي في ظرف أسبوعين سيتضمن قرارات جديدة من شأنها أن تهدئ من حدة الاحتجاجات العنيفة التي تعصف بالبلاد منذ أربعة أسابيع ،وفي ظل غموض تام يكتنف الساحة السياسية وسط أنباء عن إقالات لمستشارين رئاسيين وفوضى في تحركات الجيش والشرطة.
بدأ بن علي خطابه بأيها الشعب التونسي، عوضا عن عبارة " أيها المواطنون، أيتها المواطنات" التي سأم منها الشعب التونسي وأصبح يتندر بها .خطاب بن علي جاء ولأول مرة باللهجة العامية التونسية، رغبة منه في التأثيرعلى مستمعيه ومشاهديه، وهو الذي طالما استخدم وحتى يوم الإثنين الماضي اللغة العربية الفصحى، التي قد يجد البعض من التونسيين صعوبة في فهمها.
بن على بدا أيضا متفاعلا مع ما يقول ويعبر بيديه حينا وبتقاسيم وجهه أحيانا أخرى بعد أن كان الجمود والبرود سمات أساسية في خطاباته السابقة، يعزيها البعض إلى تكوينه العسكري وتقيده الحرفي بتعليمات مستشاريه في تحريرهم لهذه الخطابات وعدم تمكنه التام من اللغة العربية .
خطاب بن علي يوم أمس تقاطع مع خطاباته السابقة وتضمن نقاط جديدة كثيرة من بينها إقراره بخطورة الوضع الحالي في تونس، وتذكير الشعب بما أنجزه للبلاد منذ 50 عاما وكأنه يبحث عن مشروعية بدأ يشعر أنها في طريقها إلى الزوال…
وأعلن بن علي قراراته المنتظرة من بينها أمره وزير الداخلية الجديد أحمد فريعة بوقف إطلاق النار على المتظاهرين مؤكدا أن استعمال "الخرطوش الحي" على حد تعبيره غير مبرر أبدا ضد المواطنين إلا في حالات قصوى..
كما أكد على استقلالية لجنة التحقيق التي ستحدد المسؤوليات عن الأحداث الأخيرة، وخاصة دعوته لمن يسانده و"من لا يسانده" في إيحاء بقبوله للمعارضين لسياسته والمخالفين لرأيه. في وقت لم نكن نسمع فيه حتى وقت قريب في وسائل إعلام تونسية عن وجود رأي واحد مخالف لبن علي.
كما اعترف بن علي أن العمل السياسي في تونس لم ينته بعد ولا يزال هناك عمل كبير لتجاوز النقائص بعد أن كانت وسائل الإعلام تردد باستمرار أن العمل السياسي في تونس بلغ مع بن علي درجة النضج المطلوب. وقال بن على إنه كان ضحية لمغالطات من قبل بعض المحيطين به والتزم بمحاسبة المسؤولين عن ذلك.
ويبقى قراره تحرير كل وسائل الإعلام قرارا غير مسبوق حيث يتضمن الاعتراف الضمني بخنقه طيلة عقود الإعلام الحر في تونس، وقمعه لكل وسائل التعبير عن الرأي وإخماده للأصوات المعارضة واستغلال كل وسائل الإعلام المحلية للتسويق لرؤية أحادية ضيقة. وأعاد الالتزام بضمان حق التظاهر السلمي وبمحاربة الفساد.
واعترف بن علي بأن الأمور لم تجر كما كان يريد معترفا بإخفاقات سياسية وأكد أنه سيحترم الدستور التونسي وأعلن أنه لن يعيد الترشح إلى الانتخابات الرئاسية لعام 2014.
كما التزم بإجراء انتخابات تشريعية منفصلة عن الانتخابات الرئاسية قبل 2014 .
وهي قرارات لم يتوقعها أشد المتفائلين في تونس قبل أحداث سيدي بوزيد.
ردود الفعل على هذه الخطاب لم تتأخر كثيرا وأعربت المعارضة عن عدم اقتناعها بما جاء في خطاب بن علي، ولئن صرح الحزب الديموقراطي التقدمي على لسان محمد نجيب الشابي أن الخطاب تضمن نقاطا جديرة بالانتباه وتنبأ بتغيير هام في السياسة التونسية، إلا أن أحزابا أخرى كحزب النهضة وجدت أنه مخيب للآمال وجددت دعوتها لبن علي بالاستقالة، وأكدت على طلبها إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، في حين طالب المنصف المرزوقي باستقالة فورية لبن علي وبمواصلة "الثورة المباركة" حتى إزاحة "الديكتاتور " .
أما على أرض الواقع فإن عشرات من المواطنين تحدوا حظر التجول الليلي وخرجوا في مظاهرات للتعبير عن ابتهاجهم بالخطاب الذي وصفوه بالتاريخي والقرارات الهامة التي تضمنها، وانتشرت فيديوهات عن هذه المظاهرات على صفحات الفايس بوك. إلا أن صفحات أخرى بدت أكثر تحفظا ونادت بمواصلة الاحتجاجات الشعبية ونظمت عشرات المظاهرات اليوم وغدا في تونس وباقي المدن الكبرى مطالبة برحيل بن علي الذي اعتبروه مطلبا رئيسا اليوم في تونس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات