/ نواف الزرو
تاريخ النشر: 15/01/2011 - ساعة النشر: 12:24
الشعب التونسي قال كلمته في هذه الانتفاضة الشعبية العارمة التي هزت عرش أعتى الأنظمة العربية الأمنية القمعية، وأسقطت الديكتاتور الذي شكل نموذجا للدولة الفاسدة المستبدة، وأقام دولة بوليسية لقمع الناس وإرهابهم وزجهم في غياهب سجون التعذيب والقتل والإخفاء، مستبد لم يحترم القانون والقضاء ومواثيق حقوق الانسان والمواطن، فقمع الأحزاب والقوى الحية، واعتقل الحريات العامة بتسويغاته المزيفة، ونهب خيرات البلاد هو وزوجته وعائلته، فبات الفساد في عهده الحزب الأكبر والأشد خطورة على الشعب والبلاد، وسلب المواطنين من مواطنتهم وجردهم من كل أسباب العيش حتى على الكفاف.
الشعوب العربية على امتداد خريطة العرب تقول في الحكام والأنظمة السياسي العربية وفي الفساد العربي كل ذلك وأكثر...!.
وحسب المؤشرات والقراءات المختلفة فإن الشعوب العربية ترزح تحت رعب الحكام والأمن والاعتقال مثلما رزح الشعب التونسي، وبالتاكيد ستشكل تجربة التونسيين إلهاما ودرسا في الشجاعة والكرامة والقدرة على التغيير لكل العرب..!
ولكن على نحو آخر وفي الإتجاه الآخر: ماذ يقول الإسرائيليون الذين يعتبرون صراعهم مع الأمة العربية صراعا وجوديا ويعملون على تفكيك الأمة والدول والوحدة العربية إلى جزيئات وشظايا كي يسهل عليهم السيطرة الإستراتيجية على العرب والمنطقة برمتها...؟!
كان سلفان شالوم وزير الخارجية الإسرائيلي في عهد شارون أعلن من على منبر الأمم المتحدة "إن الجدار الحديدي العربي بين العرب وإسرائيل أخذ يسقط"، وأضاف بمنتهى الوقاحة الابتزازية: "إن على من يريد أن يساعد الفلسطينيين أن يتعاون مع إسرائيل.. وهذا شرط مسبق لأي دولة تريد ذلك- يوم الثلاثاء (20/9/2005).
وفي هذا السياق كان الجنرال الإسرائيلي يوسي كوبر فاسر رئيس دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية الذي يطلقون عليه هناك "العقل المدبر" أعلن: "أن العرب شغوفون بإعفاء أنفسهم من المسؤولية وتفكيرهم يخضع لغرائزهم ...".. وجاءت هذه النظرة السيكولوجية للعرب من قبل هذا الجنرال على خلفية قراءته لأسباب وعوامل الحرب الإسرائيلية على لبنان/ عن صحيفة هآرتس2006/8/12".
عمليا لا ينفرد هذا الجنرال في هذه القراءة.. فهناك عدد كبير من كبار جنرالاتهم وسياسييهم وباحثيهم يقرؤون الأحوال العربية بالمنهجية ذاتها..
فهاهو شمعون بيريز عجوز السياسية الإسرائيلية قد استخلص مبكرا: "أن هناك رياحا جديدة تهب في الشرق الأوسط.. وأن الغزو الأمريكي للعراق نسف خرافات كثيرة مثل وحدة الموقف العربي، فقد أثبت العرب إنهم منقسمون على أنفسهم"، وعاد بيريز وأكد ثانية لاحقا قائلا: إنني أرى شرق أوسط جديدا، يبنى من جديد.. إن العالم يتغير كما نرى في العراق"..
والجنرال احتياط أوري ساغي رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سابقا يلخص قراءته للواقع العربي بعد العراق قائلا: "لم يعد هناك اليوم قومية عربية شاملة في الصراع ضد إسرائيل".
بينما كان الجنرال موشيه يعلون رئيس أركان الجيش الإسرائيلي سابقا قد بسط رقعة بازل إستراتيجية مكونة من قطع مختلفة مرتبطة ببعضها البعض: العراقية والإيرانية والسورية والليبية والفلسطينية "والإرهاب"والتهديدات غير التقليدية، ليعرب في الخلاصة عن تفاؤله مؤكدا أيضا: "نحن لم نعد نتحدث عن عالم عربي، ولا عن وحدة عربية، وإنما يدور الحديث عن مصالح فئوية خاصة".
والصحفي والكاتب الإسرائيلي المعروف تسفي بارئيل يؤكد ذلك في هآرتس حيث كتب عن العرب إبان العدوان على غزة قائلا: "إن الصمت العربي الرسمي وتعليقات بعض المثقفين العرب على الحملة الإسرائيلية في قطاع غزة ينظر إليه في إسرائيل على أنه "قبول عربي" بتلك الحملة وكأنها تستهدف حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وليس كافة سكان غزة- وكالات-02/03/2008".
ولعل الكاتب الإسرائيلي المعروف "غاي باخور" كان الأقرب في قراءته السيكولوجية للواقع الرسمي العربي وللشخصية العربية من الآخرين حينما كتب"في يديعوت احرونوت قائلا: ".. لا يمكن أن نشير ولو إلى زعيم عربي واحد برز بأفعاله، كلهم يبرزون بعدم بروزهم، يهربون من كل فكرة تغيير .. ويخافون من المستقبل، ويحتجزون الإصلاح وراء القضبان، ويتمسكون بالحاضر بأظافرهم... وهم مشغولون بالحفاظ على أنفسهم فقط، وبقية الشعوب العربية بلا قيادة"، ويستشهد الكاتب الإسرائيلي هنا بما تنبأ به الشاعر السوري نزار قباني في الثمانينيات في قصيدته "متى سيعلن موت العرب؟" فـ "الأمة العربية -كما كتب- ماتت بذنب الطغاة الذين يمشون على جثث بلا رؤوس".
- فلماذا وصلت أوضاع الأمة إلى ما هي عليه اليوم؟
- وما العوامل والدوافع الداخلية والخارجية التي قادت إليها؟
- وما دور السياسات الرسمية العربية في هذا النطاق؟
- وما دور مؤسسة القمم العربية في تكريس أو تغيير الأوضاع؟
- وما الآفاق الحقيقية لفجر عربي جديد في ظل عالم جديد أحادي القطبية والهيمنة وفي ظل نظام شرق أوسطي جديد؟
- ثم ما جدلية العلاقة ما بين النظام العربي والنظام الشرق الأوسطي الذي يقوم بالأساس على استحقاقات حرب الخليج وتدمير العراق استراتيجياً، وبالتالي على ما يسمى "عملية السلام والتعايش والتطبيق" مع دولة الاحتلال الإسرائيلي؟
كل هذه وغيرها الكثير من الأسئلة والتساؤلات والتصورات والسيناريوهات تطرح نفسها اليوم بقوة متعاظمة بالغة الإلحاحية والحسم.
ونعود لقباني، فماذا كان سيقول يا ترى في ضوء ما جرى ويجري في تونس المنتفضة على الموت وعلى الطغاة الذين يمشون على جثث بلا رؤوس...؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات