الأقسام الرئيسية

بعض من مظاهر انتحار العالم العربي

. . ليست هناك تعليقات:


آن للسلطات العربية الحاكمة أن تدرك حقيقة مفادها أن تغييب مجتمعاتها ليس علامة قوة أو عافية لها بقدر ما هو علامة من علامات تدهورها، أو انتحارها.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: ماجد كيالي


ابتدأ العام 2010 بافتتاح دبي لأعلى مبنى في العالم (ارتفاعه 800 م)، وهو برج "خليفة"، وانتهى بفوز قطر باستضافة مونديال كأس العالم (لعام 2022)، وباحتلال المطرب الشاب تامر حسني المكانة الأولى في عمليات البحث على شبكة الانترنت، بما يفوق ضعف عمليات البحث عن قضايا الفكر وأعلامه؛ بما فيهم نزار قباني والمتنبي ونجيب محفوظ ومحمود درويش. مع ذلك فإن ما تقدم لايعني، مثلا، بان العالم العربي بات في مقدمة دول العالم في الثقافة والفنون أو في العلوم والتكنولوجيا، أو في الرياضة والرياضيات، أو في العمارة والإدارة!

وفي الحقيقة فإن حيازة الانجازين المذكورين، على أهميتهما، لاتطمس واقع أن العالم العربي إنما يعيد إنتاج أسباب تخلفه، ويفاقم مظاهر ضعف الاستقرار السياسي، وتضعضع الاندماج المجتمعي، وتعثّر العمليات الاقتصادية، وتفشي علاقات الفساد، فيه؛ هذا فضلا عن عجز العالم العربي عن مواجهة تحدياته وأزماته السياسية. ويمكن لنا في هذا الإطار أن نتحدث عن ثلاثة تقارير، صدرت في العام الفائت، ورسمت المسار الذي تذهب إليه أحوال البلدان العربية، على صعيدي الحكومات والمجتمعات.

التقرير الأول، وعنوانه: «نحو إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد»، كان قدمه الدكتور عامر الخياط (الأمين العام للمنظمة العربية لمكافحة الفساد)، أمام المؤتمر السنوي للمنظمة العربية للتنمية الإدارية (القاهرة 3-5/7. وبحسب التقرير ثمة ألف بليون من الدولارات، تعادل ثلث الناتج الإجمالي العربي طوال نصف القرن الماضي (1950- 2000)، تم إهدارها، أو صرفها، بطريقة غير مشروعة، أي بسبب الفساد. أما الثلث الثاني فذهب لشراء أسلحة (لا لزوم لغالبيتها ولا جدوى من معظمها). وفقط فإن ثلث ذلك الناتج المذكور هو الذي ذهب للإنفاق على مشاريع تنموية وتعليمية وعلى البني التحتية. وبديهي أنه كان يمكن لبضعة عشرات المليارات، من تلك البليون دولار، أن ترتقي بمستويات التعليم والصحة والبني التحتية في البلدان العربية، وأن تخلق ملايين فرص العمل، والتنمية المستدامة في تلك البلدان.

ومعنى ذلك أنه بات للفساد مكانة أساسية في تدهور حال العرب، بخاصة أنه لم يعد مجرد ظاهرة سلوكية، سطحية، أو فردية، لاقترانه بالاستبداد، حيث كل واحد منهما يضفي "شرعية" على الآخر، في واقع بات فيه الفساد بمثابة ظاهرة سلطوية تشمل مختلف أوجه الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ففي أحوالنا لم يعد الفساد ينحصر في الرشوة، أو في العمولات غير الشرعية، فقط، وإنما بات يعني، أيضا، انعدام تكافؤ الفرص بين الناس، وتهميش القانون، وتغوّل سطوة السلطة على مؤسسات الدولة، وتغييب المجتمع.

التقرير الثاني هو "التقرير العربي الثالث للتنمية الثقافية"، الذي رسم خارطة للثقافة السياسية العربية السائدة. ومثلا، وتحت عنوان: "عن أيّ ثقافة رقمية يبحث العرب؟"، تبيّن أن ثمة مليونان و742 ألفاً و150 متابعة شهرية لتامر حسني، في مقابل مليون و225 ألفاً و411 عملية متابعة تستهدف الاستهلاك والتواصل مع الفكر ومنتجاته وأعلامه. (بحسب رفيف رضا صيداوي،"النهار"، 27/12) وبيّن التقرير بأن الجنس يمثّل الموضوع المشترك بين العرب، في عمليات البحث عبر شبكة الإنترنت، متقدما على المنتديات والقصص والكتب والمجلات والجامعــات والبحـــوث والصحف، ما يعادل عشرات أضعاف الاهتمام الذي تستقطبه هذه الموضوعات عند النظر إليها كقضية مشتركة. كما بيّن بأن نصيب قضية الوحدة العربية لم يتجاوز 333 عملية بحث شهريا في المتوسط، بما يقل بمقدار 19 ضعفا عمن يبحثون عن النكات العربية كشيء مشترك فيما بينهم، حيث أنتج هؤلاء 6600 عملية بحث في المتوسط شهريا عن النكات. وبلغ نصيب البحث عن قضية الديموقراطية 247 ألفا و351 عملية في المتوسط شهريا. أما قضية الحرية فبلغ نصيبها من عمليات البحث حوالي 384 ألفا و102 عملية في المتوسط شهريا. وفقط فإن قضية فلسطين تفوقت على تامر حسني، حيث استأثرت بمتابعة قدرها سبعة ملايين و445 ألف عملية في المتوسط شهريا. أيضا، وبحسب التقرير فقد قام العرب، في العام 2009، بتحميل نحو 43 مليون فيلم وأغنية، بينما قاموا بتحميل ربع مليون كتاب فقط. وعلى صعيد براءات الاختراع فإن عدد البراءات العربية المسجلة عالميا في الأعوام 2005 و2009 لم تتجاوز 475 براءة، بينما بلغت في ماليزيا وحدها 566 براءة اختراع؛ علما أن عدد سكان العالم العربي يبلغ نحو 330 مليون نسمة بينما يبلغ عدد سكان ماليزيا حوالي 26 مليون نسمة، ما يفيد بأن معدل الإبداع في ماليزيا يزيد 15 مرة عن معدل الإبداع في الدول العربية مجتمعة! وبحسب معطيات التقرير فإن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلادهم، وأنه منذ العام 1977 وحتى الآن هاجر أكثر من 750 ألف عالم عربي إلى الولايات المتحدة الاميركية لوحدها.

أما التقرير الثالث فعنوانه: «مؤشر الديموقراطية للعام 2010»، وقد أعدته مجلة «إيكونوميست» البريطانية (17/12)، واستند إلى خمس فئات هي: العملية الانتخابية والتعددية، والحريات المدنية، وأداء الحكومة، والمشاركة السياسية، والثقافة السياسية. وبحسب التقرير، فإن نصف سكان العالم يعيشون في ظل «نظام ديموقراطي»، بينما بلدان الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، «لا تزال الأكثر قمعا في العالم». وصنّف التقرير أنظمة 16 بلدا من أصل 20 في المنطقة على أنها سلطوية، باستثناء أربعة: إسرائيل التي وصفها بـ«الديموقراطية الوحيدة في المنطقة... وإن كانت ناقصة» (المرتبة 37)، بالإضافة إلى ثلاثة نظم مختلطة هي العراق (111) ولبنان (86) والأراضي الفلسطينية. («السفير»، 18/12)

ودون ان نتحدث عن الإخفاقات السياسية الكارثية في فلسطين والعراق ولبنان واليمن والسودان، وعلى ضوء المسارات المذكورة فقط، أي مسارات فساد السلطة والثقافة، ربما ليس ثمة مفاجأة في وداع العام الفائت بظاهرة الانتحار في تونس، مع انعدام الأمل، واختزان مشاعر الإحباط واليأس والغضب، وفقدان القدرة على التغيير أو التأثير. هكذا وجدنا أنفسنا وجها لوجه مع شاب احرق جسده، وأخر انتحر بصعقة كهرباء، وثالث قيل انه انتحر مغرقا نفسه في بئر، لشباب جامعين قرروا أن يضعوا حدا لحياتهم، ومعاناتهم، احتجاجا على تفشي البطالة، وتردي أحوال المعيشة، وانعدام تكافؤ الفرص. والمشكلة أن ظاهرة الانتحار هذه ليست مجرد ظاهرة فردية، أو سيكولوجية، وإنما هي تعبر عن امتزاج التأزم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلدان العربية.

وما ينبغي الانتباه إليه هو أن هذه الظاهرة، وان عبّرت عن نفسها بانتحار بعض الشباب في تونس، فإنها تعبر عن نفسها، أيضا، بانتحار جماعات، تتمحور حول ذاتها على أسس سياسية أو مذهبية أو طائفية أو اثنية (خذ وضع حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان وبعض المليشيات المذهبية في العراق). كما يمكن ملاحظة ذلك حتى بسلوك سلطات عربية مسارا ربما يودي بدولها إلى هذا الطريق (خذ الوضع في السودان واليمن على سبيل المثال)، بسبب إصرارها على احتكار السلطة، وإدارة ظهرها لمجتمعاتها، وتفشي علاقات الفساد فيها.

وربما انه آن للسلطات العربية الحاكمة أن تدرك حقيقة مفادها أن تغييب مجتمعاتها ليس علامة قوة أو عافية لها بقدر ماهو علامة من علامات تدهورها، أو انتحارها، ربما.

ماجد كيالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer