يخرج البلد القوى، من أى أزمة تصادفه، وهو أكثر قوة، لا لشىء إلا لأن الأزمة حين تأتى فإنها توجه أنظاره إلى مواضع الضعف فيه، وعندما يكون البلد قوياً، ثم تواجهه أزمة من نوع تفجير الإسكندرية - مثلاً - فإنه يتداركها على الفور، ويعالج موضع الضعف الذى أصابته الأزمة، فإذا عاودته الأزمة ذاتها، مرة أخرى، فإنها لا تجد مساحة ضعيفة تصيبها، وإنما تجد مساحة متحصنة بالمناعة، وبذلك تخرج البلاد القوية من الأزمات، بدروس تضيف إليها، دائماً، ولا تنال منها.
ولذلك، فإن اللوم، والتلاوم، والاتهامات، والاعتذارات، والقبلات، لن تجدى شيئاً فى علاج أسباب التفجير، وإنما الذى يجدى حقاً، هو أن نتوجه إلى مضمون الحدث، ثم نتعامل معه على الفور!
ومضمونه يقول إنه ليس حدثاً طائفياً، ولا يصح أن يكون، بمعنى أننا يجب ألا ننظر إليه أبداً، على أنه موجه إلى الأقباط وحدهم، لأننا إذا نظرنا إليه هكذا فسوف يكون التشخيص خطأ، بما يؤدى إلى علاج خطأ أيضاً.
مضمونه يقول إنه ليس طائفياً، ولا يصح أن يكون.. وإلا.. كان حادث الأقصر، على سبيل المثال، موجهاً إلى السياح وحدهم، وكان حادث المنصة عام 1981، موجهاً إلى الرئيس السادات وحده، وكان حادث دهب موجهاً إلى أبناء سيناء وحدهم، وكان حادث الفنية العسكرية موجهاً إلى المؤسسة العسكرية وحدها.. وهكذا.. وهكذا.. فالصحيح أنها كلها أحداث إرهابية موجهة إلى بلد بكامل أبنائه، دون تمييز بين مواطن ومواطن!
وبطبيعة الحال، فإن هذا كله لا ينفى مطلقاً، أن نعترف بأن هناك مواضع خلل يتعين أن نتعامل معها، دون إبطاء ومنها أن عمداء الكليات فى جامعاتنا ليس بينهم عميد قبطى، ومنها أن عندنا 29 محافظاً، بينهم محافظ قبطى وحيد، ومنها أن قسم طب النساء فى قصر العينى ليس فيه طبيب قبطى، ومنها أن الحزب الوطنى، حين اختار 770 مرشحاً لانتخابات برلمان 2010، كان من بينهم عشرة أقباط فقط، نجح منهم ثلاثة!!.. ومنها.. ومنها.. إلى آخره!
ولكن.. يجب ألا ننسى، فى الوقت ذاته، أن تلك الحوادث، ابتداء من الفنية العسكرية فى مطلع السبعينيات، وانتهاء بالإسكندرية فى 2011، تقوم كلها على خلفيات إرهابية، وهذه الخلفيات تعنى أن الذين ارتكبوها يمتلكون عقليات متخلفة عن العصر، ويعيشون فى زمن، بينما يعيش العالم المتطور، ونحن معه، فى زمن آخر.
لذلك كله، فإننا إذا أردنا أن نخرج من الحدث، أكثر قوة، فالحل الوحيد أن نتعامل مع هذه المواضع المصابة بالخلل، بشكل مباشر، وسريع، ليس إرضاء للأقباط، بقدر ما يكون الهدف هو إقامة دولة مدنية حقيقية، الدين فيها لله، والوطن للجميع الذين يتساوون أمام القانون، دون أدنى تمييز، لصالح أى فرد ضد آخر، على أى مستوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات