تجمعت أمامى أكثر من خمسمائة رسالة فى إيميلى من إخوة أقباط، اختلفت صيغة الكتابة ورنة الشكوى ما بين الصراخ والتحليل والغضب والحكى الفنى، سأحاول أن أجمعها فى كتاب عن شكاوى المصرى المسيحى المعاصر الفصيح، ولكنى متأكد من أنه بعد ألف سنة سيخرج الناطق الرسمى باسم الحكومة المصرية ليعلن إدانته وشجبه، هذا إن كانت ستظل هناك حكومة أو ستظل هناك مصر على الخريطة، دون أن يحرق أخضرها ويابسها الإرهاب الطائفى.
آخر الرسائل بقلم شمعى أسعد الإسكندرانى الذى يذكّرنى بزرقاء اليمامة بعينيها الكاشفتين، يقول شمعى: «يبذل الجميع الآن مجهوداً ضائعاً فى البحث عن المجرم، وأقول لكل هؤلاء إننى لا أشارككم البحث، لأننى ببساطة أعرف الفاعل، وحتى لا تتسع دائرة البحث أكثر مما يجب سأكون موجزا».. أتهم كل من صدق أكذوبة الأسيرات المسلمات، وكل من روّج أن فى الكنائس أسلحة وفى الأديرة سجوناً، أتهم كل وهابى، أتهم الإخوان لأنهم يرون فى الأفكار الوهابية أفكاراً صديقة، أتهم الفكر السلفى لأنه جعل من الشارع المصرى «قاعدة» شعبية مهيأة لتلقى أفكار القاعدة الإجرامية، أتهم كل إمام مسجد كان يدعو قائلاً (اللهم يتم أولادهم)، وأتهم الذين رددوا وراءه دعواته كالببغاوات، أتهم كل مسلم معتدل لأنه لم يكن شجاعاً بشكل كافٍ ليتصدى للأفكار الوهابية التى اخترقته، أتهم البقال الذى نشترى منه اللبن والجبن والعيش الفينو لأنه لم ينهر الرجل الذى دخل يداعبه قائلاً (إنت مكشر ليه إوعى تكون زعلان على النصارى اللى ماتوا)، أتهم الذين يريدون تمييع الجريمة، مرددين أن الانفجار استهدف كنيسة ومسجداً، متجاهلين أن دور المسجد هنا أنه كان موجوداً مصادفة أمام الكنيسة، أتهم كل من جعل من حلم الدولة المدنية سيفاً على رقبة الأقباط، بحيث كلما غضبوا بعد كل فاجعة صاروا هم المتهمين بالطائفية، أتهم كل من فكّر أنه حينما يقتل الأبرياء يقدم خدمة لربه، متصوراً أنه يجلس فى عرشه فى انتظار كأس من الدم.
أتهم حتى هؤلاء العلمانيين الذين ركبوا موجة كاميليا وخدعونا وخدعوا أنفسهم حين رددوا أنهم يهتمون بكاميليا الإنسانة، ولم يدركوا حينها أنهم يدوسون بذلك على ملايين الأقباط الأبرياء فى ترديد أكاذيب كانت سبباً فى خلق حالة عداء ضدهم، وأريد الآن أن أصرخ فى وجههم وأسألهم: (أين أنتم من كل إنسان قتل، وأين إنسانيتكم المزعومة؟!)، أتهم كل من قام بجلد الضحية ولم يوجه لوماً بسيطاً إلى الجانى.
أتهم الدولة التى فشلت فى حمايتى بينما تأخذ منى كل مستحقاتها بلا رحمة، الأمر الذى يعد فسخاً للعقد الاجتماعى المبرم بينى وبينها، أتهم حالة التراخى والتباطؤ فى حسم قضية نجع حمادى، رغم وجود الجانى والشهود والأدلة، وقبلها قضايا كثيرة تمت تبرئة الجانى ومعاقبة الضحية، أتهم أسرة زميل ابنى الصغير لأنهم جعلوه يقول لابنى (مش هلعب معاك عشان إنت مسيحى).
أتهم الجموع الغفيرة التى ثارت لأجل مروة الشربينى، ولم يحرك أحد ساكناً فى حالة مماثلة للشاب كامل قلادة الذى قُتل فى ألمانيا أيضاً على يد متعصب نازى بعد مروة بشهور قليلة، أتهم الازدواجية والقبلية التى لم تساو بين القتيلين، ولم تجعل الثورة والغضب لأجل مقتل مصرى بغض النظر عن دينه.
يبحث الجميع عن مجرم خارجى فى المكان (الآخر) والمجتمع (الآخر)، لأننا مازلنا بعد واهمين بأننا شعب طيب لا يميل للعنف، وكل الذين يبحثون هم حسنو النوايا بلاشك، ولكنهم فقط يخطئون فى (تكنيك البحث) لأنهم ببساطة يبحثون خارج ذواتهم».
info@khaledmontaser.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات