الأقسام الرئيسية

«صلاة مودِّع»

. . ليست هناك تعليقات:
الكاتب
Wed, 19/01/2011 - 08:00
إذا صلى واحد منا فى جماعة، فإن الذى يؤم الناس فى الصلاة، يظل يؤكد للذين سوف يؤدون الفريضة وراءه على أشياء كثيرة، بينها شىء محدد، هو أن يصلى كل واحد فيهم «صلاة مودِّع» بما يعنى أن عليهم جميعاً أن يؤدوا الصلاة، وكأنها آخر صلاة سوف يؤدونها فى حياتهم، وبما يعنى أيضاً، بالتالى، أن يكونوا بالإجمال، مخلصين فى عبادتهم، وأن يراعوا ضمائرهم إذا وقفوا بين يدى الله، وأن تكون الصلاة لوجه الله تعالى، دون سواه.

والعبارة المأثورة التى تقول إن عليك أن تعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، ثم لآخرتك كأنك تموت غداً، ليست بعيدة عن المعنى ذاته، الذى يحرص كل واحد من أئمة الصلاة، فى أى جماعة، على أن يكون، أى هذا المعنى، حاضراً فى ذهن كل عابد، وألا يبرحه على الإطلاق، لأن النتيجة الطبيعية لذلك، هى أن تأتى الصلاة كعبادة فى النهاية، مكتملة الإخلاص فيها.

شىء من هذا، نقصده بالضبط، حين نتكلم دائماً عن ضرورة أن يعمل الحاكم فى مكانه، وكأنه راحل عن هذا المكان غداً، ليتركه لغيره، وهو ما يؤدى - لو حدث - إلى أن يخلص الحاكم لشعبه، ولبلده، ويحكم بالتالى «حكم مودِّع» لأنه، والحال هكذا، يعرف أن يوماً سوف يأتى عليه، يغادر فيه منصبه، بما يؤدى بطبيعته إلى أن يتمسك هذا الحاكم، أياً كان هو، بأن يترك من ورائه أثراً إيجابياً، يذكره به البلد والناس!

ما الذى يجعل حاكماً، مثل كلينتون فى الولايات المتحدة الأمريكية، يحكم بلاده فى الفترة من 1992 إلى عام 2000، فيغادر البيت الأبيض، بعد 8 سنوات، بينما اقتصاد بلده فى السماء، وبينما مواطنوه يعيشون حالة من الانتعاش الاقتصادى لا مثيل له عندهم، منذ الحرب العالمية الثانية؟!

لقد حكم كلينتون طوال سنواته الثمانى «حكم مودِّع»، وبالتالى أنجز، ونهض بأوضاع شعبه، وبنى، وشيّد، و... و... إلى آخره.. ولنا أن نتصور حال الحاكم نفسه، على الكرسى، لو كان يعلم أن دستور بلاده يمد له الأجل، على كرسيه، مدى حياته؟!.. هل كان فى حالة كهذه، سوف ينجز ما أنجزه؟!.. قطعاً لا، لا لشىء، إلا لأنه سوف يكون على يقين، وقتها، بأنه جالس فى مكانه، مدى حياته، وبالتالى فلا اعتبار عنده عندئذ، لمسألة المحاسبة أو المساءلة، التى هى بطبيعتها قرينة البقاء فى المنصب، لأمد معلوم!

المادة 77 فى دستورنا، لابد أن تعود، لهذا السبب، إلى أصلها الذى كانت عليه قبل مايو 1980، حين جرى تعديلها فى ذلك التاريخ، لتفتح مُدد بقاء الرئيس فى القصر، بلا نهاية.. وقبلها، كانت تنص على فترتين فقط، كل واحدة ست سنوات!

الحاكم حين يعرف أنه مغادر، فى موعد معلوم مسبقاً، سوف يضيف، وسوف يأتى من بعده آخر يضيف، وهكذا.. وهكذا، ليتم بناء البلد، فى النهاية، من مجموعة إضافات، أما إذا بقى مدى حياته، فما هو - إذن - مبرر الإضافة، أو حافز الإنجاز.. فمتى يتصرف الحكام فى العواصم العربية على أنهم يحكمون «حكم مودِّع»؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer