يتحدث بحرص دبلوماسى متمرس يشهد موقفاً نادراً هو «نشوء دولة جديدة»، لكنها هذه المرة تأتى من رحم دولة تمثل بوابة الأمن المصرى فى الجنوب، ويرفض القنصل المصرى العام فى جنوب السودان، مؤيد الضلعى، كل الاتهامات الموجهة للخارجية المصرية بالتقصير فى هذا الملف، ويرى أنها تحركات فى الوقت المناسب، وأخذت موقفاً وسطاً بين طرفى النزاع، ويؤكد أن مصر تواجدت اقتصادياً واستراتيجياً بشكل قوى فى السودان، وفى الجنوب بوجه خاص، نافياً تماماً أى تواجد إسرائيلى، إلا أن ذلك لم يمنعه من الإشادة بالحضور «الصينى» و«اللبنانى» البارز الذى جعل هاتين الدولتين تأكلان «كعكة» الاستثمار بمفردهما فى ظل «جبن» رأس المال المصرى الخاص والعام فى انتظار نتيجة الاستفتاء.. وإلى تفاصيل حوار «المصرى اليوم» مع «الضلعى» فى جوبا
■ هناك اتهامات صريحة فى الشارع المصرى بأن «الخارجية المصرية» تأخرت كثيراً فى إدراك الخطر الذى يهدد جنوب السودان، وأن تدخلكم جاء متأخراً، لذا لم تملكوا سوى اتخاذ «موقف محايد» تجاه الانفصال الوشيك.. ما تعليقك؟
- هذه ليست المرة الأولى التى أسمع فيها هذا الكلام، ومنذ وصولى إلى جوبا قنصلاً عاماً، والكلام عن وجود تقصير شديد من مصر يتردد بقوة، لكنى أريد أن أؤكد تواجد مصر منذ بداية الأزمة، وأنها كانت شاهدة على توقيع اتفاقية السلام الشامل، كما كانت أول دولة تنشئ قنصلية فى جنوب السودان، ومنذ هذا التاريخ ونحن نقدم مساعدات مستمرة للجنوبيين، ومن يتحدث عن القصور فى الدور المصرى شخص لايدرك حقيقة ما نحققه.
■ تحدثت عن المساعدات المصرية للجنوب.. ما نوعية هذه المساعدات؟
- مساعدات فى مجال الصحة، والعيادة المصرية فى جوبا تستقبل من 300 إلى 400 حالة، كما أن المسؤولين فى القنصليات والمنظمات الدولية يتلقون علاجهم داخل هذه العيادة، وفى مجال الطاقة، أنشأنا محطة كهرباء فى مدينة «واو»، علاوة على 3 محطات أخرى تحت التنفيذ، كما أنشأنا 3 مدارس صناعية فى جوبا، وفى مجال الرى لدينا خطة لإنشاء 30 بئراً فى مختلف المحافظات الجنوبية، ومشروعات لتطهير المجارى المائية، ومعمل مركزى لنوعية المياه فى جوبا، وهو أول معمل من نوعه فى الجنوب، ويصعب جداً إحصاء مساعدات مصر إلى الجنوب لكثرتها.
■ ولكن غالبية هذه المشروعات فى طور الدراسة، ومعمل المياه لا يعمل.. لماذا؟
- الدراسة لا تعنى التجميد، ولكنها مشروعات أخذت الموافقة وجار تنفيذها، أما بخصوص معمل المياه، فقد أرسلنا فنيين إلى جوبا لمدة شهر لتدريب الإخوة فى الجنوب على تشغيله، ولكن نقصاً فى الكوادر أو المهارات الفنية تسبب فى عدم تشغيله، وتم الاتفاق مع وزارة الرى، لإعطاء فرصة لبعض الفنيين السودانيين للتدريب على تشغيله فى مصر ثم العودة.
■ بعض الدول لعبت على وتر احتياجات الجنوب من بينها الصين، ولم تكتف بمجرد إرسال المساعدات؟
- من تقصد؟
■ الصين.
- الصين لم تبدأ هنا منذ فترة طويلة، فقط مع بداية 2010 فى الجنوب، والفضل فى ذلك لعلاقتها الجيدة مع السودان ككل، كما أن لها مصالح بترولية كبيرة تجعلها حريصة على هذه العلاقات.
■ ولماذا اتجهت إلى الجنوب؟
- لأنها رأت مع اقتراب الاستفتاء وزيادة فرص الانفصال، وجود بعض الحساسية فى تعامل الجنوب معها باعتبارها حليفا قويا للشمال، وعمدت بكين إلى إعطاء وعود لحكومة الجنوب لكسب ثقتها.
■ والجالية الصينية حققت استثمارات كبيرة تتمثل فى فندقين ومطعم وبعض الشركات الصغيرة؟
- أحد هذين الفندقين قطاع خاص.
■ وأين القطاع الخاص المصرى من تلك «الكعكعة»؟
- لا أملك سوى أن أقدم له عتابا لتقاعسه عن لعب دور هنا.
■ وما السبب التقاعس فى رأيك؟
- حالة عدم الاستقرار، ورأس المال دائما جبان، لكنى دائما أؤكد أن نجاح أى مشروع يعتمد على جزء من المجازفة.
■ ولماذا نجح الصينيون؟
- لأنهم جازفوا واستثمروا، وفى الوقت الذى خاف فيه رجال الأعمال المصريون من الحرب الدائرة هنا، كان الصينيون يستخرجون البترول منفردين، وهناك بعض رجال الأعمال اللبنانيون جاءوا إلى هنا فى 2005، وهم الآن يجنون ثمار استثماراتهم.
■ دعنا نعد إلى الدور المصرى مرة أخرى.. هناك بعض رجال الأعمال المصريين حريصون على الاستثمار خارج الحدود من بينهم الدكتور أحمد بهجت، الذى أعلن أكثر من مرة عن عزمه الاستثمار فى السودان.. لماذا لم تصل مشروعاته إلى هنا؟
- مؤخرا أقيم معرض للمنتجات المصرية وشارك الدكتور بهجت بمنتجات مصانعه وحقق أرباحاً كبيرة وحاز نجاحا باهرا.
■ إذن لماذا لم يتم جذب المستثمرين للجنوب؟
- دائما ما نناشدهم ولكن لا نجد استجابة.
■ هل تتم مناشدتهم بشكل شخصى أم مجرد مناشدات عامة؟
- لا نملك مخاطبة رجال أعمال بشكل خاص.
■ لماذا لا يتم تقديم دراسات لرجال أعمال مصريين تعرفهم فيها على فرص الاستثمار وتدعم إقامة مشروعات مصرية هنا؟
- التسلسل العملى لرغبة الاستثمار أن يتقدم رجل الأعمال بمخاطبة لوزارة الخارجية ليسألها عن فرص وإمكانية الاستثمار فى هذا المكان، وكونهم لم يتقدموا للوزارة ليتعرفوا على هذه المعلومات فهذه ليست مشكلتنا، كل هذه المعلومات متوفرة فى الوزارة.
■ لماذا إذن لم يتحقق مشروع مصرى خاص وحيد فى الجنوب حتى الآن؟
- لا يمكن اتهام الوزارة أو القنصلية أو حتى المستثمرين، ولكن لنكن واضحين، السبب عدم وجود رغبة من رجال الأعمال المصريين.
■ ما عدد الجالية المصرية هنا؟
- 300 وأغلبهم فى مجال البناء والتشييد والمطاعم.
■ هذا بالنسبة للقطاع الخاص والأفراد، أما على مستوى قطاع الأعمال، فقد سمعنا عن دول مثل السعودية وقطر تقوم بالاستثمار فى السودان عن طريق استئجار أراض لزراعتها فى الشمال إلى غير ذلك.. أين مصر من ذلك؟
- أعتقد أن مصر قامت بالفعل بخطوات مشابهة، وهناك أراضٍ تم استئجارها لتتم زراعتها.
■ وماذا عن الجنوب؟
- نظرًا للظروف والخوف من نتيجة الاستفتاء فلم تأت الحكومة للاستثمار هنا، ولكن الوضع ربما يتغير بعد إعلان النتيجة.
■ إذن فإن موقف الحكومة المصرية مشابه لموقف القطاع الخاص، كلاهما يخشى الاستثمار هنا؟
- لا، لو أن المال العام خائف لما أقيمت المشروعات التى ذكرتها سالفًا.
■ دعنا ننتقل إلى قضية أخرى، ماذا عن التواجد الإسرائيلى فى الجنوب؟
- هذا موضوع شيق، الكل يتحدث عنه، وأريد أن أكرر ما قلته منذ وصولى فى فبراير 2010، خلال هذه الفترة لم أشاهد أو ألمس أى تواجد صهيونى أو إسرائيلى فى الجنوب، ووصلت بعض الشائعات عن وجود قنصلية سرية لإسرائيل، وهذا غير صحيح، ولا أعتقد أن يكون فى الفترة الراهنة أى تواجد إسرائيلى.
■ لكن هل يمنع ذلك توغل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية داخل المجتمع الجنوبى تمهيدًا لكسب أرض جديدة فى أفريقيا عقب الانفصال، خاصة أن عددًا من وزراء حكومة الجنوب أكدوا لنا أنهم على استعداد لعمل علاقات مع إسرائيل مادام ذلك فى مصلحة الجنوب؟
- لو تم ذلك، فهذا سيكون من واقع الحرية الشخصية للدولة الجديدة، ولا يمكن الوقوف أمام إرادتها، ونحن فى مصر نرى أن وجود علاقة بين جنوب السودان وإسرائيل لا يمثل تهديدًا لأمننا القومى، ونحن هنا لحماية المصالح المصرية.
■ أهم المصالح المصرية هو مياه نهر النيل.. هل تستبعد وجود مخططات إسرائيلية للحصول على جزء من حصة الجنوب من مياه نهر النيل؟
- حصة الجنوب - إذا ما تم الانفصال - سيتم تحديدها داخليًا، ولا أعرف لماذا نركز على أن إسرائيل سوف تأخذ من حصتنا من المياه!
■ لأن البعض يطرح سيناريوهات تقول بأن حصة الجنوب سوف تكون من حصة مصر والشمال!
- لا أعتقد ذلك، والأعراف الدولية تحدد هذه المسألة، والسودان له حصة، إذا ما تم إيجاد دولتين فى إطار السودان، سوف تقسم الحصة عليهما.
■ ماذا لو انضم الجنوب إلى حلف الدول التى تطالب بإعادة توزيع حصة مياه النيل؟
- نحن نتعامل مع كل مرحلة بسياساتها واستراتيجيتها، وإذا ما تم ذلك فسوف نقوم بإعداد دراسة تحدد سياستنا فى التعامل مع هذه القضية.
■ على أى مدى ترى أن انفصال الجنوب أمر وارد؟
- منذ البداية كنا واضحين، وسوف نحترم اختيار الجنوبيين، ومراكز الاقتراع تشير إلى إقبال كبير من المواطنين، والدعاية كلها تشير إلى الانفصال، ونحن سننتظر نتيجة الاستفتاء.
■ هل لعبت مصر دورًا لوضع إطار لتقسيم الثروات بين الشمال والجنوب؟
- لا.. هذا شأن داخلى لا شأن لنا به.
■ ولا حتى فيما يتعلق بالدين الداخلى؟
- لا.
■ من المتوقع حدوث نشوب حرب فى منطقة أبيى حال الانفصال.. هل تؤيد هذه الرؤية؟
- نعم، ولكن لن ترقى لمستوى الحرب الطاحنة.
■ وما الدور الذى تتوقعه من مصر؟
- تدخلنا أكثر من مرة، وتم عقد ورش عمل فى القاهرة بين شريكى الحكم، ونسعى دائمًا لتقريب وجهات النظر وإقناعهم بأن التعاون هو السبيل الوحيد للتعايش، أما إذا حدثت مناوشات فى هذه المنطقة فسوف تستمر مصر فى لعب دورها.
■ ما احتمالية أن تقوم مصر بالتدخل عسكريًا لحفظ الهدوء فى هذه المنطقة؟
- مستبعد تمامًا.
■ هل تجدون صعوبة فى التعامل مع الجانب السودانى؟
- لا أعتقد ذلك، هم متعاونون، والعلاقات متميزة وتشهد تقدمًا ملحوظًا.
■ هل تتوقع أعمال عنف عند إعلان نتيجة الاستفتاء؟
- لا.
■ وهل تتوقع انفصالات أخرى فى السودان؟
- هذا الموضوع صعب، ونترك إجابة هذا السؤال للغد.
■ كيف تفسر التواجد الأمريكى الواضح والمعلن لتأييد الانفصال؟
- تواجد أمريكا هنا مثل تواجد كل الدول الغربية والمنظمات الدولية، ولا يمكن أن نقول إنها هنا من أجل انفصال الجنوب، وهى هنا من أجل الاهتمام بمصالحها.
■ ما نوعية هذه المصالح؟
- استراتيجية وعسكرية ومتنوعة.
■ بترول الجنوب؟
- وليه لأ.. ممكن.
■ ما رأيك فى الجدل حول ما إذا كان انقسام جنوب السودان عن شماله مؤامرة لضرب الوحدة العربية ومدى صحة هذا الطرح؟
- موقفنا فى مصر كان واضحاً، وكنا مع الوحدة، وعملنا معها كل الوقت، ومن جانبنا نحن نحترم شعب الجنوب، وأعلناها أننا سنحترم نتيجة الاستفتاء أياً كانت، وسنتعاون مع حكومة الجنوب فى المستقبل، وأقول إن الصورة لدى مصر غير واضحة، لذا نناشد أن يكون نقل الأخبار «متوازناً».
■ بعد نتيجة الاستفتاء ما رأيكم فى الدولة الجديدة فى الجنوب.. وهل ستكون دولة عربية؟
- هذا السؤال طُرح من قبل الجامعة العربية خلال الزيارة الأخيرة للأمين العام السيد عمرو موسى، مع رئيس حكومة الجنوب، ولم يُتخذ فيها موقف محدد، وكل القرارات المتعلقة بمستقبل الجنوب قال عنها رئيس الحكومة سيلفا كير إنه لن يتحدث بشأنها خلال المرحلة الحالية، وسينتظر لحين إعلان الدولة الجديدة ونتيجة الاستفتاء، ونحن نأمل أن تنضم دولة الجنوب إلى الدول العربية، وإذا لم تنضم فإننا سنتعاون مع جنوب السودان.:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات