مع تحرك جنوب السودان نحو الانفصال، وجد الشمال نفسه أيضاً على مفترق طرق. وفي الوقت الذي تركز فيه جميع وسائل الإعلام على احتمالية حصول الجنوب على الاستقلال، من المهم تذكر أن كل ما يحدث في الخرطوم يبقى المحدد الرئيسي للحرب والسلام في الشمال والجنوب.
أفادت صحيفة "الغارديان" البريطانية انه منذ قدومها إلى السلطة عام 1989، والحكومة السودانية الحالية تتعرض لضغوطات من جانب المجتمع الدولي والشعب السوداني، لكي تقوم بنشر الديمقراطية، والتخلص من النزعة الإسلامية الاستبدادية التي كانت سمتها المميزة.
وأكدت الصحيفة أيضاً أن عمر البشير وعلي عثمان طه، وهما اثنان من أبرز قادة النظام، يواجهان الآن موجة من الانتقادات الحادة بسبب إشرافهما على تقسيم البلاد.
ورأت الصحيفة أن الانفصال شبه المؤكد للجنوب يلحق صدمة نفسية بالشمال، وسيؤدي إلى وقوع اضطرابات اقتصادية في الأجل القصير والمتوسط.
ومع ارتفاع معدلات التضخم، يسعى الآن البنك المركزي بشكل محموم إلى تحقيق استقرار للعملة، بينما تواجه الخرطوم خطر فقدان 75 % من احتياطات السودان النفطية المعروفة.
وحتى إن كانت الرؤية الخاصة بالنمو على المدى البعيد أكثر إيجابية في الشمال عن الجنوب، فإن الميزانية الحكومية ستتعرض لهزات شديدة، بحسب ما أكدته الغارديان. كما بدأت الحكومة بالفعل في خفض حجم النفقات، وينتظر أن يأتي ما هو أسوأ. وهناك الآن شائعات في شوارع الخرطوم تتحدث عن احتمالية اندلاع انتفاضة شعبية، على غرار تلك الانتفاضات التي سبق وأن أطاحت بالديكتاتورين عبود ونميري.
وبالتزامن مع زيادة الأصوات التي تطالب بتحقيق مزيد من التحرر السياسي وإمكانية إحداث تغيير في النظام، هناك أيضاً أصوات تنادي بالعودة إلى نهج الأساسيات.
وفي أعقاب الصراع على السلطة الذي شهدته السودان عامي 1999 و 2000 بين حسن الترابي، من جهة، والبشير وعثمان طه، من جهة أخرى، كانت الغلبة والانتصار في النهاية للأخيرين، الذين قاما بتحجيم خطاب السودان المتطرف لتحسين العلاقات مع مصر ودول الخليج، ومن ثم تمكنا من تجنب تأجيج نيران الثورة.
ورغم ذلك، فإنه وفي أعقاب اتفاق السلام الشامل، كان المتشددون مصممون على منح النظام "شرعية" جديدة من خلال إعادة فرض دولة إسلامية صحيحة في شمال البلاد، ومطاردة "الطابور الخامس" من الجنوبيين الذين يعيشون في الشمال.
ونقلت الصحيفة في هذا الإطار عن وزير الإعلام في مؤتمر الحزب الوطني الحاكم، قوله: "لن ينعموا بحقوق المواطنة، أو بفرص عمل، أو بفوائد، ولن يُسمَح لهم بالشراء أو البيع في سوق الخرطوم .. ولن نعطيهم حتى إبرة في المستشفيات".
وهو السيناريو الذي رأت الصحيفة أنه قد يؤدي إلى اندلاع أعمال عنف خطرة في المناطق الحضرية، وربما حتى حدوث تطهير عرقي واندلاع حرب مفتوحة، في مشهد يُذَكِّر بالانفصال القبيح بين الهند وباكستان عام 1947، أو أثيوبيا وإريتريا عام 1993.
وتابعت الصحيفة بقولها إن النظام السوداني الحالي وجد نفسه الآن على مفترق طرق، ويمكن أن يتمزق نتيجة لتلك المعضلة: فهل يعود إلى مستقبل إسلامي قاس، أم يُفرِّغ أمتعته الأيديولوجية التاريخية لكي يصبح نظاماً مهيمناً أكثر من عادي؟
ومع أن الرئيس قد يكتفي الآن بحشد قاعدته لتغطية جناحه المحافظ، فإن ذلك يشير إلى حالة من العصبية، في الوقت الذي ينتظر فيه الدخول في مواجهة مع منافسين محتملين داخل النظام وخارجه. وهنا، أوضحت الصحيفة أن مثل هذا الخطاب الخطير من الممكن أن يُعقِّد المفاوضات الجارية مع القيادة الجنوبية ومسألة المواطنة الحساسة، كما أنه يزيد من خطر اتساع الفجوة مع القوى السياسية الشمالية المعتدلة.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن الانفتاح تدريجياً والسماح بمساحة محدودة لأحزاب المعارضة ليس من الضروري أن يكون أمراً مكلفاً، لكنه قد يفيد في نهاية المطاف كل من البشير وطه، بالنظر إلى مزايا الرعاية، وشَغل المناصب، وكذلك المهارة السياسية التي يتفوقون من خلالها على المنافسين المحتملين.
ومن الممكن أن يساعد ذلك أيضاً على تطبيع نظام تم سحقه بسنوات العزلة، بما في ذلك مذكرات التوقيف التي صدرت من قِبل المحكمة الجنائية الدولية. وشددت الصحيفة على ضرورة أن يلعب المجتمع الدولي دوراً هاماً في التأثير على الصراع على السلطة في الخرطوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات