لأننا شعب صاحب عقلية سطحية و " كرنفالية " و استعراضية تابعت خلال اليومين الماضيين طبيعة تعامل النخبة المصرية " بأحزابها و مثقفيها ومؤسساتها " مع حادث الاعتداء الإجرامي علي كنيسة القديسين بالإسكندرية ، و ما يجعلك تغلي و تصاب بكل الأمراض - المزمنة و غير المزمنة - هذا الخطاب الكرنفالي الاستعراضي الذي تحدثت به النخبة و الذي اكتفي بالإدانة و سب و لعن كل الذين قاموا بالعملية الإرهابية فضلا عن زيارات لأهالي الضحايا و مظاهرات مناهضة للفتنة و قبلات و أحضان بين شيخ الأزهر و البابا شنودة و تجمعات تحمل المصحف و الإنجيل و إلي آخر المظاهر الشكلية التي اعتدنا عليها منذ عشرات السنين و لم توصلنا إلا لما نحن فيه الآن من كوارث وصلت لتنظيم مظاهرات طائفية تهتف للصليب او للقرآن .
لم ار مثقفا او سياسيا او مبدعا خرج عن كل هذه الشكليات السخيفة التي تهتف " احنا اخوات " ليصل إلي البحث عن أسباب هذا الاحتقان الطائفي المخيف او كيفية التعامل معه او المسئول عنه بشكل مباشر .
لم ار الا الذين اتهموا بشكل سريع و فوري الكيان الصهيوني بالوقوف وراء الهجمة علي الكنيسة و هؤلاء نستطيع إضافتهم الي الذين يعالجون الأزمة بنفس السطحية السابقة ، فإسرائيل يمكن ان تكون وراء أي بلوي او مشكلة كبري نتعرض لها ، فهي عدونا الاول و الأخير ، لكن اتهام إسرائيل في هذا التوقيت بالذات لن يفيد الا ان نغلق هذا الملف المشتعل و الخطير علي ان عدونا يرغب في تفجير " الاستقرار المصري " و نحن عال العال و الحمد لله رغم ان اوضاعنا نفسها – سياسية و اقتصادية و اجتماعية – تدعو و تشجع علي الف فتنة و ليس فتنة واحدة .
لم ار بين هؤلاء من يري ان الرئيس مبارك شخصيا – كرأس للنظام السياسي – مسئول عما يحدث من احتقان طائفي لرفضه الصارم تحقيق أي تغيير سياسي في وطن محكوم منذ سنوات بقانون الطواريء و الأمن المركزي و المعتقلات ، او من يحمل الرئيس المسئولية الاولي عن لاحتقان السائد بعد انتشار الفقر و الفساد في المجتمع بشكل غير مسبوق ، بما يجعل من التعصب امر طبيعي و منطقي كعارض اجتماعي لكل الاسباب السابقة .
لم نر الاحزاب التي يفترض ان تعارض الاوضاع السائدة – سياسية و اجتماعية و اقتصادية – تطالب الرئيس بحلول جذرية لازمات الفقر و البطالة و تضغط عليه من اجل تطبيق عملي وواقعي لمبدأ المواطنة و المساواة لكل المصريين امام القانون و عدم اختيار الوظائف الكبري الا عن طريق الكفاءة فقط ، لم نر من يتهم الرئيس – لا سيما بعد خطابه الاخير عن الازمة – بأنه يعتمد فقط علي الاحلول الامنية و يبتعد عن الحل الجذري لازمة لم و لن يكون الأمن فقط هو الذي يحسمها و يتصدي لها .
لم اسمع عن احد الكتاب – الشجعان جدا – من يطالب الرئيس بعزل وزير الداخلية الذي اوضحت المعلومات تقصيره الأمني الفج هو و رجاله في الإسكندرية فضلا عن عزل السيد مدير امن المحافظة الذي ثبت ان رجاله الذين برعوا في تعذيب المواطنين في الشوارع – حتي الموت – فشلوا في تأمين الكنائس و دور العبادة للدرجة التي جعلت مواطنين ابرياء يدفعون الثمن في ليلة العيد لتسيل دمائهم بلا ذنب و لا جريمة .
ثم لم نر من يطالب البابا شنودة بفهم ان امن الاقباط ليس مرتبطا بالولاء و الخضوع لنظام الرئيس مبارك و ان الامن الحقيقي هو في ان يتعامل الاقباط علي انهم مواطنون مصريون لهم كل الحقوق سواء كان من يحكم مصر هو نظام الرئيس مبارك او غيره و ان مبايعة نجل الرئيس لن تفيد و لن تؤدي الا الي استمرار هذه الأوضاع البائسة .
لقد آن الاوان للتعامل مع هذا الملف بشكل جاد و حقيقي بعيدا عن الشكليات و القبلات و الأحضان و حان الوقت لكي نفهم ان كل الأزمات الطائفية ليست منفصلة عن كل الأوضاع السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية المتردية و ان الحل لن يكون كاملا الا بتغييرات جذرية في النظام السياسي السائد الي مزيد من العدالة و الديمقراطية و المساواة امام القانون ، و الا فانتظروا ما لا يتمناه أي مصري لهذا الوطن الذي – للأسف الشديد – لا نحب غيره و لا نستطيع الا ان نحيا فيه لانه بلدنا جميعا !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات