بقلم جمال الشاعر ١٨/ ١/ ٢٠١١
كنا فى واشنطن منذ سنوات، ورأيت رئيس تحرير جريدة تونسية يتحدث إلى بعض المسؤولين فى الحكومة الأمريكية قائلا: تونس هى رئيس القمة العربية القادمة.. فماذا تريد أمريكا منا أن نفعل؟..كان يعرض خدماته ويتحدث بثقة كما لو كان متحدثا باسم الحكومة التونسية.. بعدها عرفت أنه كان من المقربين للرئيس زين العابدين بن على.. وبعدها ألغت تونس انعقاد القمة فى تلك السنة.. وكان هذا الصحفى فى كل مقابلة مع المسؤولين الأمريكيين فى الكونجرس أو فى الخارجية أو فى البنتاجون يبدأ حديثه بأن يعتذر عن حادثة ضرب البرجين.. مما أثار حفيظتى وغضبى وسألته: تعتذر نيابة عمن؟.. نحن المسلمين والعرب؟.. كأنك تؤكد تهمة الإرهاب علينا جميعا.. نحن نواسى ونتضامن مع الشعب الأمريكى ونطلب القصاص من المجرمين الذين ارتكبوا الحادث ولكننا لا نعتذر نيابة عنهم.. فنحن لسنا مجرمين.. كان هذا الصحفى يعلم جيدا أن رئيسه يقدم دوما فروض الطاعة والولاء للأمريكان.. لكنه لم يكن يعلم أن أول من سيخذل رئيسه هم الأمريكان.. وأن البيت الأبيض هو أول من بادر بتصريح يقول.. من حق الشعب التونسى أن يختار رؤساءه وزعماءه.. وكذلك تخلت عنه فرنسا.. وساركوزى رفض استقبال طائرة الرئيس الهربان، وهى تحلق فى الجو على مدى ساعة لا تدرى أين تذهب.. والمدهش أن ساركوزى نفسه كان قد صرح من قبل بأن تونس نموذج للديمقراطية ومحاربة الإرهاب فى الشرق الأوسط.. سؤال لماذا كان زين العابدين يتوقع عكس ما حدث إذن؟ أولا: هو لم يقرأ لأبى القاسم الشابى: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر. ولابد لليل أن ينجلى ولابد للقيد أن ينكسر. ثانياً: نسى ما فعلته أمريكا بأشهر حليف لها على مر التاريخ.. شاه إيران تركته فريسة للخمينى «الإسلامى» وثورته. ثالثاً: لم يتعظ بما حدث للنميرى فى السودان ولا بما حدث لشاوشيسكو فى رومانيا الذى انتقم منه الناس وكان مصيره مفزعا. رابعا: الشعب التونسى منفتح على الثقافة الأوروبية، ودرس تاريخ الثورة الفرنسية، وعرف أن الحرية هى طريق الشعوب إلى التقدم والنهضة، وعشق الشعب مبادئ الحرية والعدل والمساواة. خامساً: لو كان الفقر رجلا لقتلته، والجوع كافر والشعوب تحلم دائما بعدالة توزيع الثروة.. فى ظل فجوة خرافية بين الأغنياء والفقراء. سادساً: الأكاذيب لم تعد تنطلى على أحد.. والوعود بالرخاء والاستقرار أصبحت تمثيلية هزلية لا تصدق. سابعاً: الادعاء بأنه تعرض لعملية تعمية من مستشاريه وأنهم أعطوه معلومات مغلوطة هو فى الحقيقة عذر أقبح من ذنب. ثامناً: التسويف فى معالجة قضايا الشعوب المصيرية هو أشبه بمن يعالج السرطان بحبة أسبرين تسكّن الألم، لكنها لا تمنع حدوث غرغرينا. تاسعاً: استغلال النفوذ والثراء الفاحش من قبل الأقارب والأصهار كان مستفزا للناس بدرجة قاتلة. عاشراً: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.. وقد مات شباب فى عمر الزهور منتحرا ومحترقا، فاشتعل الغضب فى نفوس الأهالى.. فكان ما كان، ولم يصدق الناس أنفسهم وهم يتابعون أخبار طائرة الرئيس الهربان. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات