الأقسام الرئيسية

التوظيف السياسى للجريمة

. . ليست هناك تعليقات:

الكاتب

Fri, 07/01/2011 - 08:07

البكاء على اللبن المسكوب لن يفيد، فالضرر الناجم عن جريمة الإسكندرية حدث ولن يكون بوسع أحد أن يغير من الأمر الواقع شيئا. لذا يتعين أن ينصرف الجهد للمحافظة على ما تبقى معنا، بالعمل على منع وقوع جرائم مماثلة فى المستقبل. ولن يتسنى لنا تحقيق هذا الهدف إلا إذا أحسنا تشخيص ما جرى وتقصينا جذوره وأسبابه واستخلصنا دروساً تفيد فى تلافى أخطاء الماضى. وإذا لم نبدأ منذ الآن فى اتخاذ إجراءات تكفل تحصين المجتمع فى مواجهة المتربصين به من الداخل والخارج، فستقع جرائم أخطر فى المستقبل وربما ينتهى بنا الحال إلى دولة فاشلة.

غير أن ما يجرى لا يبشر بخير، إذ يكفى أن نرصد ردود الأفعال التى صدرت عن مختلف الأطراف لندرك أن السلوك اللاحق على وقوع الحدث لم يختلف كثيرا عن نمط السلوك المعتاد، والأسوأ أن يحاول كل طرف توظيف جريمة الاسكندرية واستغلالها لتحقيق مآربه الخاصة. فبينما يبدو البعض معنيا بإثبات صحة وسلامة مواقفه السابقة أكثر من عنايته بالبحث عن مخرج للأزمة المجتمعية الشاملة التى تمر بها مصر فى الوقت الراهن، يبدو البعض الآخر معنيا باستغلالها فى تحسين موقعه على الخريطة السياسية أو للحصول على مزايا ومكاسب سياسية جديدة. يصدق هذا على النظام السياسى، بشقيه الحاكم والمعارض أو الرسمى والشعبى، مثلما يصدق على القوى السياسية الدينية، بشقيها الإسلامى والمسيحى. وهنا تكمن مأساة اللحظة الراهنة.

فالحزب الحاكم يسعى جاهدا لإلقاء مسؤولية ما حدث على قوى خارجية يؤكد أنها تستهدف مصر، الدولة والشعب وليس النظام، لتحقيق هدفين رئيسيين: الأول، دفع تهمة التراخى والإهمال عن نفسه، والثانى: استعادة السيطرة على زمام أمور كادت تفلت منه تماما عقب ارتكابه عملية التزوير الفاضحة فى انتخابات مجلس الشعب السابقة، مستخدما شعار الوحدة الوطنية. ولأن الحزب الحاكم يعتقد أن تبنيه خطاباً سياسياً يركز على هذا التوجه يعفيه من القيام بالإصلاحات السياسية المطلوبة لتخفيف حالة الاحتقان الراهنة، توحى تصرفاته بأنه مازال يصر على ممارسة نفس السياسات التى أوصلت البلاد إلى الحالة التى هى عليها الآن. والمؤسسات الإسلامية الرسمية، ممثلة فى الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، توحى ردود أفعالها بأنها لاتزال تمارس نفس السياسات القديمة القائمة على مجاملات شكلية فارغة من أى مضمون، ولا تبدو مستعدة لاتخاذ خطوات جادة تستهدف تغيير الخطاب الطائفى المتطرف الذى يتبناه بعض أئمة المساجد أو الدعاة فى القنوات الفضائية أو تموج به كتب دينية لم تحظ بالعناية أو التدقيق المطلوبين (وإن كان الإنصاف يقضى بتحية خطاب شيخ الأزهر الحالى والذى قد يوحى بتغير مهم. كما توحى تصرفات الكنيسة القبطية بأن هناك من يريد استخدام الحادث وسيلة للضغط من أجل الحصول على تنازلات من الدولة تسمح للكنيسة ببسط سيطرتها على الأقباط فى جميع النواحى، وليس فى الأمور الروحية فقط، وبالتالى دعم موقعها كقوة سياسية على الساحة.

على صعيد آخر، توحى ردود أفعال قوى المعارضة، الرسمية منها والشعبية، بالارتباك الشديد والعجز التام، فباستثناء بيانات الشجب والإدانة وتحميل النظام المسؤولية الكاملة عن وقوع الجريمة، ليس فقط بسبب إهماله الأمنى، وإنما أيضا بسبب فساده واستبداده وتبنيه سياسات غير قادرة على إيجاد حلول فعالة لمشكلات الفقر والبطالة والتسيب وتدهور الخدمات فى جميع المجالات، لم تصدر عن قوى المعارضة مبادرة واحدة من شأنها إقناع الجماهير الغاضبة بأنها تشكل بديلا أفضل من النظام القائم أو بأنها مؤهلة لقيادة التغيير المطلوب.

ولأن الفترة المقبلة لن تشهد سوى صدور بيانات شجب وإعلانات لن تغير من الأمر الواقع شيئا، فمن المرجح أن يظل نمط السياسات وردود الأفعال التى ينتهجها النظام السياسى المصرى ككل، بشقيه الحكومى والمعارض أو الرسمى والشعبى، كما هو إلى أن تقع جريمة جديدة، ربما تأخذ هذه المرة شكل تفجير مسجد عند خروج المصلين من صلاة جامعة، فتحدث الكارثة التى لا يتمناها أحد.

لتلافى وقوع الأسوأ فى المستقبل على جميع القوى صاحبة المصلحة فى تأسيس نظام ديمقراطى حقيقى قادر على بناء دولة مدنية أن تتجمع وأن توحد صفوفها. وبدون انخراط كل من جماعة الإخوان المسلمين وعقلاء المسيحيين فى الجهد الساعى لإقامة هذه الدولة المدنية، وهو ما يفرض عليهما تغيير خطابهما السياسى الراهن بما يسمح بحدوث الاختراق المطلوب، ستظل مصر هكذا فى حالة ذهول عاجز إلى أن تقع، لا قدر الله، كارثة جديدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer