الأقسام الرئيسية

شكراً للأقباط

. . ليست هناك تعليقات:
الكاتب
Wed, 05/01/2011 - 08:00

هذا المقال كتبته ونشرته فى هذه الزاوية قبل عام تقريبا تعليقاً على أحداث نجع حمادى المؤسفة، آنذاك، وأعيد نشره كما هو ليتضح لنا بأى طريقة نتعامل بها مع ملف من أهم الملفات التى تمس استقرار الوطن ومستقبله وأمنه.

ليس ما حدث فى نجع حمادى يوم عيد الميلاد العام الماضى ولا ما جرى فى الإسكندرية هذا العام هو المخيف، ولكن المفزع هو ما دار ويدور من حديث فى مصر بعد الحادثة. أولاً الحديث فى مسألة المسلمين والنصارى (هكذا يتحدث أهل الصعيد)، مسألة بالغة الحساسية تحتاج إلى عقول نابهة ومتخصصة للاقتراب من هذه الحساسية. بداية، يجب ألا «نلعب سياسة» فى موضوع الأقباط والمسلمين لأن وحدة الوطن قائمة عليه.

لعب السياسة وبجهل فى أمر خطير كهذا يضع مستقبل البلد برمته على المحك. ولكن ترى ما الذى يمكن أن أقوله كى يكون جديدا أو مختلفا هنا فى هذه السطور المحدودة. ألخص فكرتى فى ملاحظتين واقتراح. بداية أنا ضد الكليشيهات والمسكنات اللفظية التى تعقّد المسألة أكثر من أن تحلها، وأولى العبارات الفارغة التى أود أن أصدم بها القارئ هى حكاية (تعانق الهلال والصليب)، والأمة طائر بجناحين أحدهما إسلامى والآخر مسيحى.

هذا كلام يردده الكسالى، يجب أن يتوقف، ولى فى ذلك سبب واحد، وهو أن فى تكرار مقولة (تعانق الهلال والصليب) إصراراً على تديين الوطن، مع أن أساس الشراكة فى الوطن فى أى بلد هو المواطنة بمعناها القانونى (citizenship)، أى المساواة أمام القانون، وأن موضوع الخصوصية الدينية هو أمر خاص بالفرد أو الجماعة، ونحن نسعى إلى أن تكون مصر دولة مدنية أساسها المواطنة، لا دولة دينية أساسها الدين. مقولة (تعانق الهلال والصليب) تصب فى الدولة الدينية، تديين الدولة وتديين المجتمع، وهذه وصفة للفتنة لا وصفة للحل. والأمة التى تشبه طائراً بجناحين، أحدهما إسلامى والآخر مسيحى، تصب فى نفس فكرة الدولة الدينية على غرار إيران الخومينى، بنفس الطريقة التى تعبر عنها فكرة عناق الهلال والصليب.

أعرف أن هذا ليس رأيا مألوفا، ولكن فى تكرار هذه الكليشيهات الفارغة تأجيج للفتنة لا درؤها. الملاحظة الثانية هى أن الأقباط اليوم أصبحوا ضرورة وطنية ككتلة بشرية لاستمرار الدولة المصرية المدنية، فلولا الأقباط، ولولا مدنية الجيش، ومدنية القيادات العسكرية الحاكمة، لأصبحت مصر أشبه بعالم طالبان فى أفغانستان. الأقباط والجيش هما السد العالى الذى يحجز خلفه طوفان الدولة الدينية، التى تغلغلت اليوم فى عشوائيات المجتمع، الأقباط ضرورة والجيش ضرورة، فلو انهار السد العالى لغرقت مصر بالمياه، ولو اختفى الأقباط من مصر لأصبحت مصر طالبان.

أعرف أن هناك من قد يرى فى هذا شيئاً من التطرف فى الطرح، ولكن لابد للآراء أن تكون صادمة حتى لا تأخذنا سكرة الكلام الفارغ. إذا كان الأقباط هم السد العالى الذى يمنع طوفان طالبان، فعلى المسلمين المؤمنين بالدولة المدنية أن يشكروا الله على أن لدينا هذه الكتلة البشرية التى تحمينا من أسوأ ما فينا، ومن هنا أقول إن الأقباط ضرورة وطنية، الآن، خصوصا بعد حالة تديين المجتمع، التى استمرت معنا إلى ما يقرب من أربعة عقود. فشكرا للأقباط.

أما الاقتراح فهو يخص المسألة الأمنية فى الصعيد (بأقباطه ومسلميه)، وعلاقة ذلك بأمن مصر. بداية ليسمح لى القائمون على المسألة الأمنية، بطرح تصور مختلف لمسألة الصعيد، تبدأ بتصور مرتبط بأمن البلد الفيزيائى، خصوصا فى المراحل المقبلة التى ستتبنى فيها مصر اللامركزية السياسية، التى أراها تشكل واحداً من المفاهيم الحاكمة لفكر الحزب الوطنى الحاكم. باختصار، اللامركزية لا تصلح لمصر الآن، إلا إذا جاءت فى إطار تصور أمنى جديد للبلد (new security framework)، مربوط بالتصور القائم على المناطق العسكرية، بمعنى أن قيادة جنوب الصعيد العسكرية، التى يديرها قائد عسكرى متميز، والتى تشمل سوهاج وقنا وأسوان والبحر الأحمر مثلا، تكون لها قيادة مدنية موازية، ولنسمها االمحافظ السوبرب أى المحافظ الذى يعمل ثلاثة محافظين أو أربعة تحت إمرته، وليس بالضرورة بشكل معلن وفج، وليكن مثلا شخصا أقرب إلى تركيبة وخبرة المحافظ النعمانى (محافظ سوهاج)، وكيل جهاز الأمن القومى السابق، المعروف بذكائه الأمنى، الاستراتيجى الفائق. (لست من سوهاج وليست لى مصالح فى سوهاج).

تجربة محافظى وزارة الداخلية فى الصعيد جيدة، ولكنها محدودة فى بعدها الأمنى، لذا يجب أن تكون تحت رعاية المحافظ السوبر من الأمن القومى، وهنا أنا لا أدعو لدولة تديرها المخابرات العامة، ولكننى أدعو فى لحظات التوتر المقبلة لأن يكون المحافظ فى سيناء، والصعيد، ومطروح لديه تجربة خاصة وقدرة على فهم القضية الأمنية، ليس ببعدها التكتيكى ولكن ببعدها الاستراتيجى. وليس هذا هو تصورى الكامل ولكننى أطرح طرف الخيط هنا لنفتح النقاش، ولدىَّ تصورى الكامل والمتماسك فى هذه المسألة.

مسألة الأقباط تعدت الحديث عنها بالطريقة القديمة البائسة، إنها مسألة أمنية وسياسية غاية فى الحساسية، ويجب ألّا نتاجر بها فى سوق الحكومة والمعارضة، الأمر جد خطير وليس للنقاش فى التليفزيونات بقدر ما هو للنقاش الجاد فى الغرف المغلقة. فهل لنا أن نعيد النظر فى طريقة تناولنا لأمر خطير فيه سلامة الوطن، إن استحسنا الحديث، وفيه تمزيقه إن استمرت تلك النغمة الغبية التى نتحدث بها منذ سنين حول هذا الأمر.

تديين المجتمع وصراع الأقباط والمسلمين هو الخلطة السحرية التى يستطيع أن ينفذ من خلالها كل من أراد أن يمس مصر بسوء. لقد أحسن الرئيس صنعاً عندما حدد نغمة الحديث فى هذه المسألة وغيرها من القضايا التى تمس أمن مصر وحدودها ومواطنيها. وهذا المقال بداية حوار أرجو أن ندخله بشكل جاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer