الأقسام الرئيسية

المسيحيون في الشرق: هل هم المشكلة او الغطاء لمشكلة الانظمة الفاسدة؟

. . ليست هناك تعليقات:

لا تكفي إداة جريمة الإسكندرية، حان الوقت لتحرك جديد، ولعدم الاستهتار بما تفرزه العقول المريضة، تحت غطاء كاذب من الدين والتدين.

ميدل ايست أونلاين

بقلم: نبيل عـودة

اثار الاعتداء الهمجي على كنيسة القديسين للاقباط في الاسكندرية ليلة رأس السنة، عواصف من الادانات في العالم العربي، ومن مؤسسات وشخصيات اسلامية مركزية، وامتلأت الصحافة بكل اشكالها بعشرات المقالات الجريئة الرافضة لهذا الاسلوب الهمجي في التعامل مع الاقليات المسيحية العربية وغير العربية.

الموضوع ليس جديدا، والاضطهاد الذي يعاني منه مسيحيو الشرق، لا يقع بعيدا عن الواقع الاسود للعالم العربي الذي يدفع ثمنه الجميع، مسلمون ومسيحيون.

ولكن حان الوقت لتحرك جديد، ولعدم الاستهتار بما تفرزه العقول المريضة، تحت غطاء كاذب من الدين والتدين.

اللوحة التي تفرض نفسها اليوم شديدة الكآبة، وتثير غضب الأوساط المتنورة جميعها، بدون علاقة للانتماء الديني او الاثني.

لا شك ان للهوية الدينية مكانها في تشكيل الوعي الوطني والثقافي والأخلاقي، اذا ما احسن استعمالها. ولكن الظاهرة السائدة في عالمنا العربي في العقود الاخيرة هي ظاهرة مقيتة جداً، ومأساوية للجميع، وبعيدة عن المنطق السليم.

آلاف الفتاوي التي تحرض على المسيحيين وتدعو لمعاداتهم وعدم المشاركة باعيادهم ونبذهم ومما هب ودب من اوصاف سوقية تنطلق من رؤوس مريضة وعقليات متخلفة بدائية.

الاف الخطب الدينية شكلا والعنصرية مضمونا، يضج فيها الفضاء العربي دون رقيب، ودون ان تشعل الأضوية الحمراء لما يريد للمجتمعات العربي ان تقبر مستقبلها فيه.

الاف الشعارات المقيته التي لا تعبر الا عن عقول موبوءة ومصابة بالشلل الفكري والانغلاق، الذي هو اخطر على الانسان والمجتمع من أكثر الأمراض فتكا..

المسيحيون العرب او ابناء العراق من المسيحيين غير العرب، افرزت لهم خانة وكانهم عنصر دخيل على الفسيفساء الاجتماعية للمجتمعات العربية متناسين انهم كانوا المحرك الاساسي للحضارة العربية الاسلامية، وما زالوا يشكلون العناصر الأكثر التزاما بالفكر الوطني والتقدم الاقتصادي واحلال الدمقراطية بدل الاستبداد.

مواد التعليم مليئة بنصوص تعمق ظاهرة العداء والرفض للمختلفين دينيا، بل والتحريض على كل من يدعي انه وطني عربي، لان الوطنية، حسب الفكر الموبوء المريض هي "ظاهرة صليبية"، او انحراف معاد للاسلام، كما يدعي صغار العقل، متجاهلين ان الاسلام كان يعني انطلاقة للقومية العربية أيضا.

العديد من المفكرين العرب طرحوا هذا الموضوع بكل خطورته، ولكن الانظمة التي لا يعنيها الا أمنها وتوريث النظام لا تتحرك، ما دام الشعب ينشغل بالصراع الديني، ويبعد عنها الغضب الشعبي من غياب الديمقراطية، ونهب ثروات البلاد بيد العصابات الحاكمة، وانتشار الامية والفقر بمقاييس مرعبة. وربما ترعى مؤسسات هذه الدول توجيه انفجار الغضب في وجه الاقليات الدينية او الاثنية في مجتمعاتها، ونعرف من التاريخ نماذج كثيرة لمثل هذه الممارسات، مما يساهم في ضمان استمرار سلطانها الفاسد وحمايته من غضب الشعب. المسيحيون الاقباط محكومون حتى اليوم حسب قانون عثماني مضى عليه قرون طويلة، لدرجة ان أي عملية اصلاح بسيطة في كنيسة تحتاج الى مصادقة من المحافظ او من رئيس الجمهورية. ورغم ان رئيس الجمهورية في مصر يدعي انه بنيت كنائس كثيرة، الا ان استمرار ربط هذا المجال الحيوي للاقباط في مصر وغيرهم من الاقليات الدينية، مثل البهائيين وغيرهم من الأقليات، بقرارات رئاسة الجمهورية، هو امر مرفوض بسبب الرائحة التمييزية العفنة التي تنضح منه وفي جذورها انكم غرباء وتشكلون ظاهرة غريبة في المجتمع المصري، او المجتمع العربي عامة.... وان الدولة لا تتعامل معهم كمواطنين متساوي الحقوق.

ان التفجير الارهابي في الاسكندرية (وقبله في العراق عدة مرات) الذي اوقع عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، لم يكن مفاجئا بعد التهديد الذي اطلقه تنظيم القاعدة، والسؤال: اين كان الامن المصري؟!

الجواب ليس صعباً بأن الامن المصري مشغول بحماية السلطة ورجالاتها فقط، وقد كشفت "الغارديان" البريطانية صورة مثيرة جدا عن اولويات الأمن المصري.

الأمن في مصر لا يخص المواطن المصري، وعلى هذا المقياس يمكن فهم ان الواقع الاجتماعي المتدهور لابناء مصر ايضا، لا يخص النظام، والنظام لا يبالي بالصراع المصري مصري، ولا اقول المصري- القبطي لاني لا أرى تبريرا اخلاقيا او سياسيا او اجتماعيا او اقتصاديا او دينيا لصراع مصري اسلامي مع أقباط مصر المسيحيين.

في وطننا شهدنا ايضا ظواهر مقلقة جدا والماساة حين نكون اقلية قومية تجزء نفسها لاقليات دينية بغباء كامل عن فهم ان هذه التجزئة تحرمنا جميعا ولا تخدم الا سياسة التنكر لحقوقنا، واستمرار التمييز ضدنا، ومعاملتنا كسكان غير مرغوب فيهم، بل وتخدم سياسة تقسيمنا الى طوائف التي تمارسها السلطة باصرار، وليس اقلية قومية.

صحيح ان مستوى وعينا تعالى فوق الظواهر الطائفية المعادية لكل فكر ديني انساني، ونجح بحصر الظاهرة واطفاء الحرائق التي ولدتها.

ورغم ذلك، ما زلنا نسمع ونشاهد ما يثير قلقنا وامتعاضنا.

عندما نعبر في الشارع الرئيسي في الناصرة، ونقرأ: "الله مولانا ولا مولى لهم"، يرتفع السؤال: من يخدم هذا الشعار؟ وعندما تزور شخصيه مسيحية عالمية، مثل بابا الفاتيكان البلاد المقدسة، ساحبا وراءه ملايين السياح المسيحيين، مما يعتبر تنشيط للحياة الاقتصادية في الناصرة خاصة، فتوزع مناشير وتلقى خطب مليئة بالتحريض، من اسوأ الأنواع وأكثرها دموية، يرتفع سؤال: من يخدم هذا الإنفلات؟

بالطبع هناك ظواهر اكثر خطورة، ان لم تسارع كل القوى العقلانية، من احزاب وجمعيات وتنظيمات الى احتواءها، ستقودنا الى انفجار ليس ضد المغتصب لحقوقنا، انما ضد بعضنا البعض.

انا على قناعه كاملة، ان تنامي الظاهرة الطائفية في العالم العربي هي جانب صغير من مشكلة كبرى، مشكلة النمو الاجتماعي والاقتصادي، مشكلة الأمية والفقر، مشكلة البطالة، مشكلة التخلف العربي في مواجهة التحديات على الساحة الشرق اوسطية والدولية، وهي بالاساس مشكلة الدمقراطية الغائبة.مشكلة اجتماعية واقتصادية.

فليوجه الغضب اذن ضد سالبي حقوق جميع المواطنين بدون تمييز.

نبيل عودة

رئيس تحرير جريدة المساء

www.almsaa.net

nabiloudeh@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer