الأقسام الرئيسية

الشريعة لم تنقذ النميري... هل ينقذ التقسيم البشير؟

. . ليست هناك تعليقات:

هل استنفد السودانيون قدرتهم على المقاومة بعد تجربتهم الاخيرة مع السياسيين، فاستسلموا لنظام الفريق عمر حسن البشير الذي يسعى حاليا الى انقاذ مستقبله، او انقاذ 'ثورة الانقاذ' عن طريق الاستسلام للتقسيم؟

ميدل ايست أونلاين

بقلم: خيرالله خيرالله

تبدو نتائج الاستفتاء في السودان الذي موعده في التاسع من الشهر الجاري معروفة سلفا. اقلّ ما يمكن ان يوصف به انفصال جنوب السودان، هو انّه حدث تاريخي على صعيد المنطقة ككل. للمرة الاولى منذ اعادة تشكيل الشرق الاوسط ورسم خريطة المنطقة بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية، هناك اعادة نظر بحدود دولة عربية كبيرة باتت مرشحة لان تكون دولا عدة. اليوم انفصل جنوب السودان. ما الذي يضمن غدا بقاء دارفور اقليما سودانيا؟

هناك مناطق واقاليم سودانية اخرى مرشحة لان تصبح دولا مستقلة. لكن الاخطر من قيام مثل هذه الكيانات المخاوف من ان تكون هذه الدول، على رأسها دولة الجنوب، غير قابلة للحياة، اي ان تتحوّل الى صومال اخرى. في النهاية من السهل اعلان الاستقلال ورفع علم مختلف لدولة جديدة. لكن الصعب بناء مؤسسات لدولة قابلة للحياة فضلا عن بناء اقتصاد على اسس متينة بعيدا، ولو الى حدّ ما، عن الفساد والفاسدين...

هل كان السودان دولة فاشلة كي يقسّم؟ الجواب انه كان بالفعل دولة فاشلة وذلك منذ استقلاله في العام 1956. لم تتوقف الحروب الا لفترات قصيرة بين الشمال والجنوب، باستثناء بين 1972 و1983. لم يستطع الحكم المدني الذي تلا الاستقلال الاستمرار طويلا. من بين الاسباب التي جعلت الحكم المدني يسقط في غضون سنتين تدهور الوضع في الجنوب حيث بدأت الحرب الاهلية التي دامت حتى العام 1972 تاريخ توقيع اتفاق اديس ابابا في عهد جعفر نميري. عادت الحرب في العام 1983 عندما لجأ النميري الى الشريعة لعلّ الاعلان عن تطبيقها يسمح له بانقاذ نظامه المهترئ. لم تنقذ الشريعة النميري. هل ينقذ التقسيم البشير ومن هم معه، علما ان في اساس مشكلته مع المحكمة الجنائية الدولية المجازر التي وقعت في اقليم دارفور؟

كانت هناك دائما رغبة لدى السودانيين في مقاومة الديكتاتورية واقامة نظام مدني قائم على حدّ ادنى من الديموقراطية والتعددية الحزبية. لكن عوامل عدة حالت دون تحقيق الحلم السوداني. كانت هناك مشكلة الجنوب الذي لا علاقة له بالشمال. رفض الجنوب المسيحي والوثني وغير العربي كل انواع التعريب الذي اراد الشمال فرضه بالقوة في احيان كثيرة. اعتبر الجنوبيون نفسهم دائما ضحية "المستعمر الشمالي" الذي اراد في مراحل معينة فرض الاسلام عليهم فرضا. في الواقع كانت هناك عشوائية في التعاطي مع الجنوب سهّلت الى حد كبير التدخلات الاجنبية وصولا الى الوضع الذي ادى في مطلع السنة 2011 الى جعل الانفصال يحظى بشعبية قوية على الرغم من ان لا وجود لمقومات لدولة عاصمتها جوبا.

في مناسبتين، اسقط السودانيون الحكم العسكري بالوسائل السلمية. وفي ثلاث مناسبات عاد العسكر الى السلطة بعدما خذل السياسيون الشعب. هل استنفد السودانيون قدرتهم على المقاومة بعد تجربتهم الاخيرة مع السياسيين، فاستسلموا لنظام الفريق عمر حسن البشير الذي يسعى حاليا الى انقاذ مستقبله، او انقاذ "ثورة الانقاذ" التي حملته الى السلطة في العام 1989 عن طريق الاستسلام للتقسيم؟ من الواضح ان التقسيم يمثل مخرجا للنظام، اقله من وجهة نظر قياداته. يعتقد نظام البشير ان التخلص من الجنوب هو تخلص من عبء كبير، على الرغم من ان هناك ثروة نفطية كبيرة فيه. ولكن هناك في الوقت ذاته تفكير في ان الثروة النفطية الحقيقية في ارض الشمال وهي لم تستغل بعد. كذلك، يحتاج الجنوب دائما الى الشمال وموانئه وبنيته التحتية من اجل تصدير نفطه نظرا الى ان لا موانئ لديه...

السودان الى اين بعد الاستفتاء؟ كل ما يمكن قوله في هذا الشأن ان من الصعب جدا التكهن بما سيؤول اليه وضع النظام في الخرطوم على الرغم من انه يمتلك اجهزة امنية قوية مرتبطة به استغرق بناؤها ما يزيد على عقدين. الاكيد ان ثمة ثلاث نقاط تستأهل التوقف عندها.

النقطة الاولى ان نظام البشير سيواجه معارضة قوية نظرا الى ان الاحزاب السودانية الكبيرة لا تزال حية ترزق ولها وجود في الشارع. حزب الامة بزعامة الصادق المهدي حيّ، كذلك الحزب الاتحادي الديموقراطي، كذلك ما يمثله حسن الترابي الذي يظل زعيما لعدد كبير من الاسلاميين. ربّما لا تزال لدى المجتمع السوداني القدرة على المقاومة. في النهاية، استطاع السودان الحصول على استقلاله من دون اراقة نقطة دم. وفي العام 1964 انقلب الشعب السوداني على الحكم العسكري الذي اقامه الفريق ابراهيم عبود. نزل المواطنون الى الشارع متحدين السلاح واعادوا العسكريين الى ثكناتهم وهم يصيحون "الى الثكنات يا حشرات". وفي العام 1985، سقط نظام جعفر نميري بالوسائل السلمية ايضا. هل يكون نظام البشير استثناء، علما بانه من المفترض عدم الاستخفاف بالرجل الذي استطاع المناورة مع ثعلب سياسي مثل حسن الترابي وادخاله السجن غير مرة متى شعر بالحاجة الى ذلك...

النقطة الثانية المهمة تتعلق بالجنوب نفسه. الاكيد ان السودان ليس اول دولة تقسّم. في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، مطلع التسعينات من القرن الماضي، صارت تشيكوسلوفاكيا دولتين (تشيكيا وسلوفاكيا). حصل الطلاق، وهو مفيد احيانا، وذلك نتيجة تفاهم بين الجانبين. الآن هناك دولتان اوروبيتان قابلتان للحياة. التجربتان ناجحتان لسبب في غاية البساطة. يعود السبب الى ان هناك مقومات للدولة التشيكية وللدولة السلوفاكية في آن. لا مقومات لدولة في جنوب السودان. السؤال الى اي حد سيكون هناك تدخل اجنبي لاقامة مثل هذه الدولة وتمكينها من توفير ظروف حياتية مقبولة لابناء الشعب؟ من سيتدخل لاقامة دولة قابلة للحياة في جنوب السودان وما ثمن التدخل... او على الاصح من سيدفع الثمن؟

تبقى نقطة ثالثة في غاية الاهمية. ما تأثير تقسيم السودان على الامن العربي عموما، خصوصا على مصر المعنية قبل غيرها بمياه النيل؟

في كل الاحوال، ما نشهده اليوم منعطف تاريخي. انه حدث فريد من نوعه يقف العرب متفرجين امامه، تماما مثلما تفرجوا على تفتيت العراق وخروجه من المعادلة الاقليمية!

خيرالله خيرالله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer