ومع تكليف الرئيس ميقاتي رسمياً بمهمة تشكيل الحكومة، فإن لبنان يكون قد طوى صفحة، وفتح نافذة نحو آفاق جديدة معالمُها طيُّ صفحة الانقسام العامودي، والذهاب نحو تموضع جديد للقوى السياسية التي تتّجه نحو تحالفات جديدة قاعدتها مبدأ "الضمّ والفرز" الذي سيؤدي إلى تبلور قوة سياسية جديدة تلعب دوراً فاعلاً ومؤثِّراً في الحياة السياسية من رحم الاصطفافات السابقة، حيث ستكون لقوى الوسط فرصة لإدارة الشأن العام وربط خيوط الحوار بين المتخاصمين، وهي قوة تأسست على التحالف بين الرئيس ميقاتي والوزير الصفدي، وتتّجه للتوسّع نحو رئيس جبهة النضال النيابية النائب وليد جنبلاط الذي فرط عقد اللقاء الديموقراطي بعد أن خرج منه أربعة نواب، وربما ينضمّ إليها لاحقاً رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وهو ما سيدفع رئيس الجمهورية للتعاون مع هذه القوى باعتبارها القوة السياسية الرئيسية، ما يعني بالتالي أن هذه القوى سيشكّل تحالفُها كتلة نيابية وازنة داخل المجلس النيابي ستجتذب نواباً مستقلين أو خارجين من الاصطفافات السابقة. ماذا بعد التكليف؟
سيعكف رئيس الحكومة المكلَّف بداية على التحضير للردّ على يوم الغضب، الذي كان نفّذه تيار المستقبل في طرابلس وعدد من المناطق الشمالية، بـ"يوم فرح" في وقت قريب عندما ينتهي من الاستشارات التي سيجريها مع رؤساء الحكومات السابقين ومع النواب، وذلك بعد أن تجاوز محاولات الضغط عليه في الشارع التي شهدت إحراق إطارات وقطع طرقات واعتصامات منظّمة.
وفي المعلومات الخاصة بـ"البيان" فإن فريق عمل الرئيس ميقاتي في طرابلس باشر التحضير لاحتفالات تستقبله لدى انتقاله إلى طرابلس، تعبيراً عن تأييد المدينة لعودتها إلى المعادلة السياسية اللبنانية من خلال تولّي الرئيس ميقاتي رئاسة الحكومة، وكذلك من خلال قوة التأثير التي فرضت نفسها بتحالفه مع الوزير الصفدي.
وكشفت مصادر قريبة من رئيس الحكومة المكلّف لـ"البيان" أن الصفدي سيمثّل مدينة طرابلس في الحكومة الجديدة، وسيكون أساسياً إلى جانب الرئيس ميقاتي.
وترجّح تلك المصادر أن لا يطول انتظار الحكومة الجديدة التي لن تكون ثلاثينية فضفاضة، كما أنها لن تكون سياسية خالصة، وإنما ستكون في حدود أربعة عشر وزيراً أو ستة عشر وزيراً على أبعد تقدير، بحيث يطغى عليها طابع التكنوقراط المطعّمة بتمثيل سياسي بوزراء اختصاصيين.
وكشفت المعلومات أن الرئيس ميقاتي بات يملك تصوّراً أولياً عن شكل حكومته، لكنه سينتظر انتهاء المشاورات النيابية من أجل تبلور الصيغة النهائية، خصوصاً أنه كان حصل على تعهّد من قوى المعارضة السابقة بترك الحرية له في صياغة الحكومة التي يحرص ميقاتي على أن تخلو من أي شكل استفزازي، وأن تعبّر عن توجّهه الوسطي الذي سينطلق منه لمحاورة كل القوى السياسية بهدف معالجة المأزق الذي يتخبّط فيه لبنان.
وفي حين بدا ميقاتي شديد التكتّم على خطة عمله المقبلة وصيغة الحكومة، اكتفى بالقول للذين ألحّوا عليه بالأسئلة "الآن وقت العمل وقلة الكلام.. دعونا نعمل". لكن مصادر قريبة جداً من الرئيس المكلّف أكّدت لـ"البيان" أنه ليس لدى الرئيس ميقاتي أية التزامات محددة مسبقاً أمام أي من القوى السياسية التي دعمت ترشيحه، مشدّداً على أنه سيعمل وفق الآليات الدستورية، ولن يختصر أي موقع، كما أنه لن يسمح لأحد بالتعدّي على صلاحيات رئاسة الحكومة. وأشارت هذه المصادر إلى أن ملف المحكمة الدولية ببنودها الثلاثة (إلغاء البروتوكول الموقّع بين لبنان والمحكمة، سحب القضاة اللبنانيين منها، ووقف التمويل) والتي كان وافق عليها الرئيس سعد الحريري خلال زيارة وزيري خارجية قطر وتركيا إلى بيروت، ستكون في عهدة مجلس الوزراء الذي سيقرر بشأنها ما يراه مناسباً، خصوصاً بعد أن باتت موافقة الرئيس الحريري عليها علنية، ولا تسبب معالجتها أي حرج.
في غضون ذلك يتجه تيار المستقبل وحلفاؤه لوضع خطة عمل في المرحلة المقبلة بعد الانتقال إلى موقع المعارضة، وذلك بعد استيعاب الخسارة التي مُنيوا بها جراء إفلات زمام السلطة من أيديهم.
في مطلق الأحوال، بات لبنان على عتبة مرحلة جديدة تحتاج قراءة عناوينها إلى تبلور الصيغة النهائية للحكومة ونيلها ثقة المجلس النيابي التي يتوقع أن تكون بنسبة أصوات أكبر من تلك التي نالها الرئيس ميقاتي في استشارات التكليف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات