الأقسام الرئيسية

انفصال ودود يضمر حروبا بالجملة

. . ليست هناك تعليقات:


يلتزم الزعماء العرب الصمت 'الودي' إزاء تقسيم السودان وكأن الحدث يتم في كوكب أخر. ومنْ لا يلتزم منهم الصمت فلديه مشاغله.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: فيصل جلول


يبدو تعبير "الاستفتاء" ودودا للغاية لدى استخدامه من اجل تمويه انفصال جنوب السودان عن شماله. كأن تقول مثلا أن الرئيس الفلاني في الدولة الفلانية كان يشك في تأييد الرأي العام لسياسته فنظم استفتاء ليقطع الشك باليقين إذ سيعرف بالمحصلة نسبة المؤيدين لسياسته والرافضين لها ومن بعد يتخذ القرار المناسب كما فعل الجنرال شارل ديغول بعيد الانتفاضة الطلابية عام 1968 وقرر التخلي عن الحكم بعد أن خذله مواطنوه في استفتاء شهير.

وقد طرحت فكرة "الاستفتاء" أيضا لحل النزاع الصحراوي بين المغرب ومنظمة البوليساريو سوى أن الأطراف المعنية عطلت هذا الحل من خلال إصرار طرف على زيادة حجم المقترعين الصحراويين وإصرار الطرف الآخر على تخفيف هذا الحجم وكل منهم يرغب في أن يضمن الأغلبية قبل الوصول إلى صناديق الاقتراع الأمر الذي يعكس خلافا عميقا حول الانفصال أو البقاء داخل الدولة.

والواضح أن تدخل الممثل الأميركي جورج كلوني يندرج في سياق الحملة الودودة فقد زار جنوب السودان وهنأ أهله بالانفصال فأي نجم آخر أفضل من هذا النجم الجميل لمساعدة القارة السودانية في تجرع الكأس المرة.

والتعبير عن الود في معرض دعم انفصال جنوب السودان يصل إلى الرئيس الأميركي بارك أوباما الملون البشرة الودود ايضا والذي دخل إلى مسجد سيدي الحسين في القاهرة وألقى في جامعة المدينة خطابا ظنه المحللون محبا للإسلام والمسلمين ناهيك عن أن أباه يسمى حسينا أيضا وهو اليوم مبارك للاستفتاء ومحب له ومغتبط بانفصال الجنوب عن الشمال لأسباب عديدة ليس اقلها تسليط السيف فوق "إمدادات النفط الصينية" وإنما أيضا لاغتباط السود الأميركيين السذج كنظرائهم البيض والذين يعتقدون أن الجنوب يقطنه السودان والشمال يقطنه البيضان العرب وان استقلال الجنوب اشبه بذراع استفزازية في وجه العرب والمسلمين.

ولا حاجة لذكر الود الطافح في فرنسا من أطراف وشخصيات عديدة كارهة للعرب من بينها المفكر المؤيد لإسرائيل برنار هنري ليفي حتى لا نذكر إيلي فيزل واندريه غلوكسمان والان فنكلكروت وغيرهم ناهيك عن تصريحات الاتحاد الأوروبي التي تنظر بعين الارتياح للاستفتاء الانفصالي وبالعين الأخرى ترى قلقا على أبيي التي ما زالت القبائل العربية متمسكة بحقوقها فيها وتحميها من كل انحراف انفصالي.

وإذ تنتشر التعابير الودودة لتمرير الانفصال السوداني ويلتزم الزعماء العرب الصمت "الودي" وكأن الحدث يتم في كوكب أخر ومن لا يلتزم منهم الصمت فلديه مشاغله الناجمة عن انفجارات مريبة وقعت عشية الاستفتاء ويراد لنا أن نصنفها في خانة المصادفة تحت طائلة القذف بـ "القومجية" و"المؤامراتية".

تبقى الاشارة إلى التصريحات الودودة التي أطلقها الأمين العام للامم المتحدة ولكن المثيرة للتقزز إذ يهنئ السودانيين على الاستفتاء الذي يساوي الانفصال ويخاله المرء منافقا عالميا عندما تعلو الابتسامة الصفراء الخفيفة شفتيه مرحبا بتدمير وحدة هذا البلد في حين يبتلع لسانه بوقاحة ما بعدها وقاحة أمام الغطرسة الإسرائيلية اليومية.

وبمواجهة كل هذا الود يطالعنا معلق عربي احترف لغة لعن الأنظمة العربية ليقول لنا بغضب مصطنع أن مشكلة انفصال جنوب السودان ناجمة عن بؤس القادة العرب والتوريث وما شابه إلى آخر المعزوفة التي مللنا سماعها في حين انه يعرف ونعرف جميعا أن أطنانا من الكلام العربي ما كانت قادرة على فصل جنوب السودان عن شماله وان راعي الانفصال ومدبره هو بوش الابن زعيم اكبر دولة في العام بل حاكم العالم.. هذا الذي يقول وحده للانفصال كن فيكون وليس الانظمة العربية، فمتى نتعلم أن نصف الأشياء المصيرية بأسمائها.

وكائنا ما كان الكلام المرسل عن انفصال ودود لـ "جنوب السودان" فان القضية على ما تبين المؤشرات الأولى لن يغمرها الود ابدا. ذلك أن اليوم الاول من الاستفتاء ترافق مع اشتباكات دموية أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى في ابيي في حين لم ينتظر انصار اسرائيل نهاية الاستفتاء للاعراب عن كرههم للعرب والمسلمين وبالتالي التلويح بنجوم واعلام الدولة العبرية ما يعني ان هؤلاء ربما يستعدون للانتقام والتطهير العرقي للعرب المسلمين المقيمين في الجنوب ومن جهة ثالثة أعطى سيلفا كير زعيم الانفصاليين الجنوبيين اشارة البدء بعد اقتراعه اذ قال ان دماء قتلاه وقتلى حركته الانفصالية لم تذهب سدى ما يعني ان الدولة المنفصلة سيكون لها حساب تصفيه تحية لارواح قتلاها واذا ما اضيف هذا المزاج الجنوبي الانتقامي الى المشاكل العالقة بين الطرفين خصوصا حول النفط والصمغ العربي وتقاسم ديون الدولة وحاجة الجنوبيين الى بنية تحتية كاملة والخلافات الجنوبية الجنوبية الصعبة والمرشحة للانفجار بعد انحسار العدو الشمالي اذا ما اضفنا ذلك كله نصل الى استنتاج خطير مفاده أن انفصال جنوب السودان ليس حلا بل وسيلة لاستئناف الحرب الأهلية عبر جيشين ودولتين وهي ان وقعت ستنأى عن الود بشقيه الصادق والمنافق.

فيصل جلول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer