"كيفك أميرة، حبيت خبرك أني اشتريت موبايل لونه أحمر كتير حلو ملفت للشباب. كيفك سامر؟ انشا لله عجبك صوتي عالموبايل الجديد؟ هذه الجملة ليست من عرض مسرحي بل مقاطع من مكالمات الشابة "شادية. ج" مع أصدقائها بمناسبة شرائها جهاز هاتف جوال (موبايل) وتباهيها به. وتتوالى عروض المباهاة هذه على لسان الطالب الجامعي رامي أيضا وهو يخبر زميلة له عن مزايا هاتفه الخليوي وكيف أن لونه يتناسب مع البدلة الجديدة التي اشتراها.
شاديا ورامي ليسا وحدهما المشغفوفين بشراء أجهزة هاتف نقال تلفت الانتباه وتناسب الثياب، بل إنّ أمثالهما كثر في سوريا، على حد قولهما. "أشعر بشيء من السعادة والتميز عندما أتكلم بموبايلي وعيون الآخرين تنظر إليه بنوع من الإعجاب والحسد"، يقول رامي الذي يلاحظ بأن العديد من معارفه وأصدقائه ينشغلون بالحديث عن أجهزة الموبايل التي برع في تبديلها بشكل دائم. ويرى رامي أنه بفضل ذلك يحظى باحترام متزايد من قبل المعجبات به ومن أصدقائه والمحيط حوله.
وهكذا فإن الموبايل، الذي تُطلق عليه تسميات كجهاز "النحلة" و"الدبدوب" و"الدمعة" و"الباندا" و"فرخ الدمعة"، أضحى بالنسبة لهما ولأمثالهما رمزا للوجاهة الاجتماعية والحصول على مكانة بين الناس. وتتمثل هذه الوجاهة لدى البعض في اقتناء أكثر من موبايل كي يتناسب ذلك مع اللباس الذي يرتدونه كل مرة.
الموبايل أداة لجذب الأنظار وكسب الاحترام
الموبايل أضحى من ضرورات الحياة
وعلى عكس رامي، الذي يبدو سعيدا بأحدث الموبايلات، تعبر "رانيا. ع"، الطالبة في جامعة تشرين السورية عن تشاؤمها من جهاز هاتفها القديم الذي لا يجذب الأنظار. "عندما أخرج موبايلي أمام الأصدقاء للاتصال أو تسجيل رقم جديد لا أسمع سوى عبارات التهكم مثل: شو هالجهاز؟ (ما هذا الجهاز؟)، هل حصلت عليه من المتحف؟ أو "لو عاش جدي ابن التسعينات لما قبل بهذا الموبايل". هذا ما تقوله رانيا لدويتشه فيله. وتضيف بأن الكثيرين، بمن فيهم أصدقاء وأقرباء لها، مهووسون بالمظاهر ويحكمون على الشخص ويحترمونه حسب مظهره. وبما أن الموبايل جزء من المظهر فإن "موديله مرتبط بدرجة احترام معينة".
ويتفق مصطفى عامر، الطالب في قسم الرياضيات بجامعة حلب، مع رانيا في الرأي، ويضيف بأن "مرض الموبايل كرمز للوجاهة الاجتماعية انتقل إلى صفوف أبناء الفئات الفقيرة التي تحاول امتلاك أجهزة موبايل حديثة ولو على حساب حاجاتها الضرورية". ويقول زميله "ثائر. م" بأن أول سؤال وجهته له صديقة، كان من المعجبين بها، هو عن نوع موبايله ولونه. ويرى ثائر بأن أمورا كالحب والخطبة والزواج أضحت على علاقة بنوع الموبايل الذي بحوزة العريس. ولذا فإن "الفقراء من أمثالي يبذلون الغالي والرخيص من أجل اقتناء جهاز باهظ الثمن للإيحاء للآخرين بأنهم أغنياء وأنهم يتمتعون بمكانة اجتماعية لا تقل شأنا عن مكانتهم"، على حد قول عامر.
الموبايل يتسبب في انحراف التلاميذ
عبد الله بكر، مدرس المعلوماتية
وإذا كان الموبايل بالنسبة للبعض مصدرا للاحترام والمكانة الاجتماعية في سوريا، فإنه يشكل بالنسبة لآخرين مصدرا للإزعاج إلى درجة رفضه في أمكنة معينة كما هو عليه الحال بالنسبة للكادر التعليمي في المدارس السورية. فقد تحول الموبايل إلى مشكلة حقيقية بين التلميذ والمعلم بسبب قيام التلاميذ بإساءة استخدام موبايلاتهم ضد معلميهم. "بعض التلاميذ يقوم بتصوير أساتذتهم وإرسال الصور إلى آخرين بتعليقات ساخرة، كما يقوم البعض بتداول مشاهد جنسية غير أخلاقية داخل الحصة الدراسية"، على حد تعبير مدرّس مادة المعلوماتية إبراهيم بكر.
وهذا ما دفع بوزارة التربية السورية إلى إصدار قرار بمنع استخدامه في المدارس. وقد خلق هذا الأمر حساسية وعدم تفهم لدى الكثيرين من الأهالي، الذين يشترون لأبنائهم أحدث الموبايلات، للتدليل على مكانة اجتماعية دون توعية بمخاطر إساءة استخدامه. "الكثيرون ممن يحملون أجهزة الموبايل يرون بأنه لمجرد الكلام والتباهي وتناقل الصور والمشاهد الفاضحة"، على حد تعبير ريم إبراهيم المرشدة النفسية في إحدى المدارس في حلب. وترى إبراهيم أن الموبايل أضحى أحد أهم أسباب انحراف التلاميذ الأخلاقي لأن "العديد منهم يحّملونه أشياء لا أخلاقية ويستمتعون بمشاهدتها، وقد تكون هذه بداية الانحراف".
"الهوس بالموبايل وراءه دخول عناصر غير محلية في العملية التربوية"
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: مصطفى عامر، الطالب في قسم الرياضيات بجامعة حلب وعن خلفيات استخدام الموبايل كرمز للوجاهة الاجتماعية بشكل متزايد إلى حد ينفر الكثيرين ويثير غيظهم يقول خبير علم الاجتماع في جامعة حلب السورية الدكتور حليم أسمر: "المظاهر وضجة الاستهلاك". فالضجة الاستهلاكية التي تجتاح الشرق جاءت، برأي الباحث، نتيجة تغييرات حاصلة في عالمنا المعاصر "بعد الانهيارات الكبرى والانكسارات التي حدثت على مشارف القرن الواحد والعشرين". ويرى الدكتور اسمر أن التقانة المعاصرة التي نستخدمها هي "جماع جهود عالمية على مدى عقود، لكن المشكلة برأيه هي أننا "لم نشارك بشكل فعال في هذه الجهود، على عكس استهلاكنا لثمارها".
وفي الجهة المقابلة ترى الدكتورة حنان نعيم، الباحثة المتخصصة في علم النفس، أنه يجب النظر إلى القضية من مستويين: الأول التطور التقني المدهش، والثاني الموقف الاجتماعي من التقانة كعنصر مكمل لحياتنا المعاصرة. وتحذر نعيم من أن "الدخول الحالي في الأسواق الاستهلاكية ينذر بخطر متمثل في تفضيل الوجاهة والشكليات على الرضا والقناعة بالدخل الذي يكسبه الإنسان". ويوافق الدكتور أسمر على هذه الفكرة موضحاً بأن "من الأسباب الكامنة وراء هذه الهوس بالموبايل دخول عناصر غير محلية في المنظومات التربوية كالقنوات الفضائية الخاصة بالأطفال، التي لا تخضع لمراقبة الأهل على الأقل، وكذلك الخادمات القادمات من ثقافة غريبة واللواتي أصبحن بمثابة الأم الواقعية".
عفراء محمد – حلب
مراجعة: أحمد حسو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات