الأقسام الرئيسية

دور الأجهزة الأمنية

. . ليست هناك تعليقات:


بقلم د.حسن نافعة ١٣/ ١/ ٢٠١١

كشفت الجريمة التى راح ضحيتها سيد بلال منذ أيام، والمتهم فيها جهاز مباحث أمن الدولة فى مدينة الإسكندرية بتعذيب مواطن حتى الموت، عن إصابة النظام السياسى كله، وليس جهاز أمن الدولة فقط، بخلل جسيم أدى إلى تخبطه، وجعله يسير على غير هدى بلا كوابح أو ضوابط من أى نوع.

وكشف الضعف الذى اتسم به رد فعل القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدنى على هذه الجريمة عن إصابة المجتمع كله، وليس مؤسساته السياسية فقط، بأمراض مستعصية أفقدته مناعته وحولته إلى مجتمع مأزوم إلى حد العجز والشلل التام. وفى ثنايا الفعل الإجرامى ورد الفعل المجتمعى عليه بدأت تتكشف طبيعة العلاقة الجدلية بين تغول جهاز الأمن وهيمنته على مختلف مظاهر الحياة السياسية فى مصر وتراجع دور الأحزاب والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدنى، لذا بات واضحا أن الخطوة الأولى على طريق الإصلاح لابد أن تبدأ بإعادة صياغة دور الأجهزة الأمنية وإعادة تأهيلها لتصبح قادرة على حماية أمن المجتمع ككل، بدلا من تركيز الجهد، كما هو حادث الآن، على حماية أمن النظام، حتى ولو كان على حساب أمن المجتمع.

قبل أسابيع قليلة كان النظام الحاكم يبدو مختالا بنفسه ويفاخر بما حققه من «إنجاز» مكّنه من سحق المعارضة واستئصالها كليا من مجلس الشعب فى انتخاباته الأخيرة. ولأنه لا وجود للحزب الحاكم فى الشارع المصرى إلا فى حدود ما تضعه الدولة من إمكانيات تحت تصرفه، فقد كان واضحا للكافة أن النتيجة التى تحققت فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، وقُيدت لحساب الحزب الوطنى، كانت من إنتاج وإخراج الأجهزة الأمنية، وحظيت بالرضاء التام من جانب النظام الحاكم، إلى أن وقع زلزال كنيسة القديسين فانكشفت عورات النظام،

وبدا واضحا أن أجهزته الأمنية انشغلت بتعقب الناشطين السياسيين واعتقالهم أكثر من انشغالها بحماية أرواح المواطنين وتأمين المسجد والكنيسة. ولإنقاذ سمعتها لجأت، مثلما اعتادت دوما، إلى أسلوب القبض العشوائى وممارسة التعذيب لانتزاع اعترافات، حتى ولو كانت غير صحيحة، وكان الضحية هذه المرة هو المواطن سيد بلال.

عندما تُرتكب فى حق الوطن جريمة إرهابية بحجم ما تعرضت له كنيسة القديسين فى الإسكندرية، من الطبيعى أن يشكل ذلك تحديا كبيرا لأجهزة الأمن، التى يتعين أن تبذل كل ما فى وسعها للقبض على الجناة، بعد أن فشلت فى إجهاض الجريمة ومنع وقوعها أصلا، بل يمكن التماس العذر لهذه الأجهزة إن هى قامت بتوسيع دائرة الاشتباه وألقت القبض على كل من تحوم حولهم شكوك، مهما كانت الدوافع لارتكاب الجريمة بعيدة أو متباينة. لكن أن تلجأ إلى التعذيب بهذه الطريقة الوحشية فهو ما لا يمكن قبوله أو السكوت عليه أو التسامح معه، حتى لو كان المتهم هو الجانى فعلا،

فالتعذيب جريمة غير قابلة للتبرير فى جميع الأحوال، وتعرض كل من يرتكبها للمساءلة والعقاب، ولا تسقط بالتقادم، فما بالك إذا كان الهدف هو الحصول على اعترافات بأى ثمن، حتى ولو كانت غير صحيحة، لإثبات سرعة وفاعلية الأجهرة الأمنية وليس بالضرورة الوصول إلى الجناة الحقيقيين. هنا تتفرع الجريمة الأصلية وتُرتكب فى سياق مجموعة من الجرائم التى لا تقل خطورة: فهناك أولاً جريمة التعذيب، وهى محرمة فى حد ذاتها، حتى حين تُرتكب ضد مذنبين حقيقيين، فما بالك حين تُستخدم ضد مواطنين أبرياء.

وهناك، ثانياً، جريمة التزوير بالسعى لإلصاق تهم غير صحيحة ضد مواطنين أبرياء. وهناك، ثالثاً، جريمة تُرتكب فى حق الرأى العام تستهدف خداعه والتغطية على إهمال وقع بفبركة قضية وهمية لا أساس لها. وهناك، رابعاً، جريمة أكبر تُرتكب فى حق المجتمع ككل بسبب العجز عن الإمساك بالمجرمين الحقيقيين وتقديمهم للمحاكمة ومن ثم تعريضه لتهديدات ومخاطر مستقبلية من جانب مجرمين حقيقيين ما زالوا يتمتعون بالحرية.

لن يهدأ بال المجتمع، على المدى القصير، إلا بإلقاء القبض على مرتكبى الجريمة الإرهابية والمحرضين عليها ومعرفة دوافعهم الحقيقية كاملة، أما على المدى الطويل فتبدو الحاجة ماسة إلى إعادة تعريف دور الأجهزة الأمنية وفقاً لاحتياجات المجتمع وليس النظام، وإعادة هيكلتها بما يسمح لها بأداء دورها الحقيقى، لكن ذلك مرهون بتغيير النظام السياسى كله، وهو هدف لم يعد له من بديل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer