الأقسام الرئيسية

دعوة لتأييد الطوارئ

. . ليست هناك تعليقات:

حين يصرح نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان بأنه لولا الطوارئ لأصبحت مصر عراقا ثانيا. فإنه يصدمنا ثلاث مرات على الأقل. مرة بسبب مضمون الرسالة فى تصريحه، ومرة بسبب موقع المرسل ومرة ثالثة بسبب كونه رجل قانون بالأساس.

لقد نشر تصريح المستشار مقبل شاكر فى الثالث من يناير الحالى. وتصورت أن الرجل أدرك أنه ليس من اللائق أن يصدر عنه هذا الكلام. وتوقعت أن يصححه أو يكذبه خلال الأيام التالية، لكن ذلك لم يحدث. وهو ما يعنى أنه يعبر عن قناعته الحقيقية، وأن ما أفصح عنه لقى رضا واستحسانا ممن يعنيهم الأمر. ذلك أنه وفر على وزير الداخلية أو رئيس مباحث أمن الدولة ما يمكن أن يقوله فى هذه المناسبة، وأعفاهم من أى تبرير للمطالبة باستمرار قانون الطوارئ، ليس لسنة أو سنتين، وإنما لتأبيده أيضا. ذلك أنه بشهادة الرجل الثانى فى مجلس حقوق الإنسان لا يمكن لمصر أن تستشعر الأمان والاستقرار إلا إذا حكمت بقانون الطوارئ وعصاه الغليظة.

وهى كارثة أن يكون ذلك رأى الرجل الثانى فى مجلس حقوق الإنسان، وتتضاعف الكارثة إذا علمنا أنه من رجال القانون وأنه كان يوما ما رئيسا لمحكمة النقض. ذلك أن مجلس حقوق الإنسان يفترض أن يحفظ للناس كرامتهم ويدافع عن إنسانيتهم، وقانون الطوارئ هو الباب الرسمى الذى يبرر إهدار الاثنين. وليست فى ذلك أية مبالغة. ذلك أن القانون ينص فى مادته الثالثة مثلا على أن لرئيس الجمهورية فى ظل الطوارئ أن يأمر كتابة أو شفاهة باعتقال أى مواطن وله أن يكلف أى شخص بأى عمل دون التقيد بأحكام القانون!

من ناحية ثانية فإن أى طالب فى كلية الحقوق يعلم جيدا أن تطبيق قانون الطوارئ يعنى فى واقع الأمر تعطيل القوانين المتعلقة بالحريات العامة وصيانة حقوق الناس وكراماتهم. بما يعنى أنه دعوة لسيادة اللاقانون، وتمكين الأجهزة الأمنية من إطلاق يدها فى الاعتقال والتنصت والرقابة والتفتيش. ومن ثم التنكيل بكل ما لا ترضى عنه السلطة. بل بكل ما لا يرضى عنه ضابط مباحث صغير فى أصغر قرية أو نجع.

وإذا كان ذلك من المعلوم بالضرورة لطلاب كلية الحقوق، فما بالك به إذا كان المتكلم رئيسا لمحكمة النقض يوما ما.

ليت ما قاله الرجل صحيح. لأن تجربتنا مع قانون الطوارئ أنه لم يحل يوما دون التصدى للإرهاب أو إجهاض العمليات الإرهابية. ومبلغ علمنا أنه جعل الأجهزة الأمنية صاحبة الكلمة العليا فى البلد، حيث بات بمقدورها أن تبطش بمن تشاء وأن تسوق إلى المعتقلات من تشاء. وتلفق التهم للأبرياء. الذى لا يقل سوءا عن ذلك أن استمرار تطبيق القانون لأكثر من ثلاثين عاما أفسد أجيالا من ضباط الشرطة. الذين تصوروا أن القانون الاستثنائى هو الأصل. وأن القوانين العادية لا قيمة لها ولا وزن. حتى أصبح أغلبهم يتعاملون مع المجتمع بمنتهى الازدراء والاستهتار والقسوة.

إن ما قاله نائب رئيس مجلس حقوق الإنسان يجرح شرعيته كرجل يفترض أنه أحد الذين يقومون على حراسة المجتمع، من حيث إن كلامه يعبر عن انحياز صريح للعصا الغليظة التى تستخدم لقمع المجتمع. بل لعلى لا أبالغ إذا قلت إن كلامه يعد إهانة للمجتمع وازدراء به.

لأن مضمون رسالته يقول إن هذا بلد لا تصلح له القوانين العادية التى تطبق فى أنحاء الكرة الأرضية، ولا يدار إلا بالسوط والعصا.

من ناحية أخرى، فإن الرسالة التى بعث بها صاحبنا فى كلامه المهين تسلط الضوء على حقيقة المستهدف من تشكيل مجلس حكومى لحقوق الإنسان. ذلك أن اللافتة لا علاقة لها فى حقيقة الأمر بالوظيفة. وأغلب الظن أن الدافع الأساسى لإنشائه كان محاولة تقليد المجتمعات الديمقراطية وحتى لا تنفرد بالساحة المنظمات الأهلية والدولية الناشطة فى ذلك الميدان. ولكى يتولى المجلس التستر على انتهاكات حقوق الإنسان وتجميل ممارسات وزارة الداخلية.

لا أظن أن أحدا فى مصر علق أملا يذكر على مجلس لحقوق الإنسان تشكله السلطة لكى يراقب أفعالها. لكنى فى الوقت ذاته لا أشك فى أن أحدا توقع يوما ما أن يدعو مسئول المجلس إلى تأييد قانون الطوارئ، وإن كان يذكر للرجل أنه كان صريحا ولم يخف شيئا من مشاعره الحقيقية كممثل للسلطة لا علاقة له بحراسة المجتمع أو الدفاع عن كرامته. وهى الخلاصة التى تنبهنا إلى أن أمثال تلك الهياكل الديمقراطية لا تؤدى دورها الحقيقى إلا فى مجتمعات ديمقراطية. وأن إقامة تلك الهياكل فى ظل تغييب الديمقراطية بمثابة قلب للآية، بمقتضاه توضع العربة أمام الحصان، فى مشهد هزلى يبعث على الرثاء أكثر مما يبعث على السخرية والضحك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer