اتسعت الفجوة بين إدارة باراك أوباما ومجتمع الأعمال إلى درجة أصبحت معها مصدرا لقلق على المستوى الوطني. وعلى الرغم من تحركه أخيرا ودعوته عددا من الرؤساء التنفيذيين للشركات إلى محادثات معه في البيت الأبيض، ترى غالبية كاسحة من العاملين في قطاع الأعمال تعتقد أن الإدارة معادية وأنها تملك فهما محدودا، أو لا تملك أي فهم للكيفية التي يؤدي بها ذلك إلى إضعاف ''الأرواح الحيوانية'' اللازمة للإقدام على المخاطر في أعمال التوسعة وفي الشركات الجديدة.
والعودة إلى التاريخ مناسبة هنا. فقد دخل قطاع الأعمال الأمريكي القرن 21 مليئا بالثقة بإنجازاته وبإمكاناته. وفي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي أوجدت الولايات المتحدة 73 مليون فرصة عمل جديدة في القطاع الخاص، بينما تخلصت من 44 مليون وظيفة فقط في وقت كانت تتكيف فيه مع المنافسة العالمية. والأكثر إدهاشاً أنه في نهاية ذانك العقدين كان 55 في المائة من القوى العاملة يشغلون وظائف جديدة. وعلى النقيض من ذلك، أوجدت أوروبا القارية ذات الاقتصاد الأكبر والقوى العاملة الأكثر، أقل من خمسة ملايين فرصة عمل.
ولم يكن النجاح الأمريكي ضرباً من الحظ السعيد، بل نجم عن ثقافة: ''انهض وامض'' التي ولدتها حرية خدمة سوق محلية ضخمة ممتدة فوق مسافات شاسعة. وعملت ثقافة الإدارة الفريدة وإمكانية الوصول إلى رأس المال على تغذية روح تأسيس المشاريع والابتكار.
ولم يكن قطاع الأعمال في أمريكا مداراً، أو محكوماً بعلاقات القرابة والعشيرة والعادات، وإنما بعقود يُتفق عليها بحرية وقوانين يتم تمريرها بالتوافق. وكانت هناك احتكاكات مع النقابات وكذلك مع الحكومة، لكن مستوى من مرونة العمل وحرية الحركة عملا على مساعدة الإدارة، وكانا موضع حسد من جانب بقية العالم. ولم ينفق أي بلد المقادير التي أنفقتها الولايات المتحدة على تدريب وإعادة تدريب شعبها. ولم يستطع أي بلد مجاراة الولايات المتحدة في إنشاء كثير من الشركات الصغيرة عاماً بعد عام.
من المهم كذلك أن أمريكا لم تأخذ بخطط التنمية الخمسية، أو العشرية التي تعدها الحكومة المركزية، بل تمتعت بإطار سياسة عامة لا يكتفي فقط بتحديد ما تقوم به الحكومة، بل ما لا تقوم به كذلك. وترك أمر تخصيص الموارد إلى القطاع الخاص.
والآن الاقتصاد يواجه اضطرابات ومجتمع الأعمال يشعر بأن اللوم موجه إليه، بينما يتجاهل السياسيون مدى الفوضى التي تسببت فيها الحكومة نفسها. وأجبر الكونجرس ''فاني ماي'' و''فريدي ماك'' على دعم قروض لأناس لا يستطيعون تحمل تلك القروض. وكان ''الاحتياطي الفيدرالي'' متراخياً. وكانت هيئة الأوراق المالية والبورصات غير كفؤة وفرضت عام 2004 عقوبات على المستويات العليا لديون المؤسسات المالية، الأمر الذي جعلها تواجه خطرا في نهاية الأمر.
كان الإصلاح ضرورياً، لكن ما يخشاه مجتمع الأعمال في الوقت الراهن هو أن ذلك ''الإصلاح'' لا يعمل إلا على فرض جيل جديد من الضوابط ومزيد من البيروقراطية والضرائب. ومشروع قانون الضوابط المالية تجسيد لذلك. فهو يتضمن أكثر من 400 دراسة لـ ''إعداد قواعد''، مقارنة بـ 14 دراسة فقط لقانون ساربانز ـــ أوكسلي، صاحب الرقم القياسي السابق.
قبل عامين كان أوباما يسير بالفعل فوق الماء، والآن بالكاد يمسه. غير أن اتجاهاً جديدا أمر ممكن، ولا سيما إذا بدأ في تركيز محاولاته على إطلاق أجندة جديدة في التعامل مع قطاع الأعمال على خطوات قليلة وثابتة.
إن مدونة ضرائب أبسط يمكن أن تكون محفزاً للمشاريع وللعدالة الاجتماعية. ويمكن لخطة بنية تحتية وطنية، مستقلة عن الكونجرس، أن تركز على البرامج الضخمة بين الولايات، وأن يتم تسديد نفقاتها بمرور الزمن من خلال رسوم استخدام الطرق. كذلك زيادة عدد تأشيرات الدخول للطلبة رفيعي التأهيل، ولا سيما أولئك الذين يحملون شهادات في العلوم الرئيسية، يمكن أن تساعد وأن نعود إلى الوضع المثالي في عام 2000، حين تم منح 195 ألف تأشيرة دخول للطلبة، مقابل 65 ألفا في الوقت الراهن.
بصورة أعم، هناك حاجة إلى تنظيف بيتنا. وكما صاغ ذلك أحد قادة الشركات ''كان رجال السياسات في إدارة كلينتون في المحور، بينما كان السياسيون على الجوانب. أما في إدارة أوباما، السياسيون في المحور، بينما رجال السياسات على الجوانب''. ولذلك على أوباما توظيف مزيد من رجال الأعمال الكبار، بما في ذلك خبير مالي يستوعب العلاقة بين صنع السياسات والسياسة.
ويمكن كذلك لرئيس تنفيذي واسع الاحترام المساعدة في تهدئة مجتمع الأعمال. وينبغي لدائرة أوباما الداخلية أن تضم، على الأقل، شخصاً يعتقد قطاع الأعمال أنه يفهم قضاياه. ويجب ألا نحتفظ بأشخاص من أمثال وزير الداخلية، كين سالازار، الذي قال بعد التسرب النفطي في خليج المكسيك إن توجه الحكومة الأمريكية إزاء شركة بريتش بتروليوم هو ''الإبقاء على أحذيتنا فوق رقابهم حتى يكتمل العمل''.
أخيراً، على أوباما أن يتفاوض الآن على برنامج ذي صدقية وطويل الأجل من أجل تخفيض العجز. وكان ينبغي أن يكون ذلك جزءا من الصفقة الأخيرة، مع إجراءات الإنفاق البالغ تريليون دولار، ومع تقليص ضريبة الدخل الذي ينتظر أن يكون إجراء مساعدا. وهناك إشارات إلى أن الإدارة في سبيلها للتوصل إلى تقارب مع مجتمع الأعمال. وهذا أمر جيد. فمن السياسات السيئة، سياسيا واقتصاديا، جلد أولئك الذين بإمكانهم توليد الوظائف الجديدة التي يحتاج إليها الاقتصاد. غير أن كسب ود قادة الشركات لن يتم بجولة من حفلات الغداء الخاصة والتقاط الصور. لا بديل عن السياسة الجيدة.
الكاتب رئيس تحرير US News & World Report، ورئيس مجلس الإدارة والمؤسس المشارك لشركة Boston Properties
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات