بقلم سليمان جودة ٦/ ١٢/ ٢٠١٠
فى وقت من الأوقات، كان النحاس باشا، زعيم الوفد، أو «قديس الوطنية»، كما اشتهر قبل الثورة، قد اختار أن يكون مسؤولاً، بحكم كونه محامياً، عن «وقف» من الأوقاف، كان سوف يدر عليه دخلاً يعيش منه، ولكن توفيق دياب، صاحب صحيفة «الجهاد» وقتها، رأى أن ذلك لا يليق بزعيم فى حجم النحاس باشا، فكتب مقالة شهيرة كان عنوانها: «آن للشرف الرفيع أن يصان»! ولم تكن المقالة هجوماً على زعيم الوفد، ولا كانت انتقاصاً من قدره بالطبع، ولا حتى كانت إقلالاً من شأن الوفد، ومكانته فى صدر كل مصرى، بقدر ما كانت نوعاً من الغيرة على منزلة هذا الحزب العريق فى قلوب الناس. وحين جاءت انتخابات برلمان ٢٠١٠ فإن الوفد كان أحرص الأحزاب على خوضها، مهما كان الثمن، ولم يقرر الخوض بقرار فردى من رئيس الوفد، ولكنه عاد إلى الجمعية العمومية، التى قررت بأغلبيتها خوض الانتخابات، فلما خرجت حصيلة الجولة الأولى على الصورة التى رأيناها ثم تابعناها جميعاً، كان هناك قرار آخر، بالانسحاب من الجولة الثانية ومن العملية الانتخابية برمتها، احتجاجاً على هذه الطريقة المهينة التى تعاملت بها أجهزة الدولة المعنية مع إرادة الناخبين فى أغلب الدوائر. وإذا كان هناك شىء يقال عن الوفد، بعد أن انفضت هوجة الانتخابات، فهو أنه يحتاج كحزب إلى ما يشبه «خريطة طريق» يمشى عليها، ووفقاً لها فى المستقبل! وهو ربما لن يعثر على خريطة من هذا النوع، إلا إذا انفتح بما يكفى على سائر الأحزاب، ليس فقط داخل البلد، وإنما أيضاً خارجه، ليرى كيف تعمل تلك الأحزاب على أرضها، وما الذى يمكن أن يستفيده هو منها، على أرضه! إننا نعرف أن الحزب الوطنى، أو تيار الفكر الجديد فيه، على وجه التحديد، كان قد قطع خطوة مهمة فى هذا الاتجاه، حين أراد أن يرى كيف تفكر، ثم كيف تعمل باقى الأحزاب فى العالم، ونعرف أيضاً أن هذا الفكر الجديد قد ذهب ببعض قياداته إلى بريطانيا، ليرى تجربة حزب العمال البريطانى، عن قرب، لعله يستفيد منها وينقل عنها ما هو مفيد له، ثم للبلد بالتالى.. صحيح أن ممارسات الحزب الوطنى، على أرض الواقع، لا تدل على أنه قد وعى الدرس جيداً، عندما أطل على تجربة «العمال» هناك.. ولكن على كل حال يبقى الوفد بحجمه، ومكانته، وتراثه، وتاريخه، فى أشد الحاجة إلى تحرك من هذه النوعية، لتتشكل أمام عينيه «خريطة» يتمكن بها من الوصول ذات يوم إلى وضع يكون فيه مهيأ لأن يتداول السلطة مع الحزب الوطنى، على طريقة «العمال» مع «المحافظين» فى بريطانيا. وبطبيعة الحال، فإن شيئاً كهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت قيادات الوفد كلها بلا استثناء عوناً لرئيس الوفد، وليست عبئاً عليه، فالوفد ـ ككلمة ـ جمع وليست مفرداً، ولذلك فهى ترتب على الذين يحملونها أو يعملون تحت رايتها أن يتوافقوا لا أن يتفرقوا! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات