بقلم د.حسن نافعة ٦/ ١٢/ ٢٠١٠
لست من المتيّمين بكرة القدم أو المتتبعين لأخبارها فى وسائل الإعلام، بل نادرا ما أطالع صفحات الرياضة فى الصحف أو البرامج الرياضية فى التليفزيون. لذا، لم تكن لدىّ أدنى دراية بالجدل الدائر منذ فترة حول الملفات التى تقدمت بها الدول الراغبة فى استضافة مباريات كأس العالم عامى ٢٠١٨ و٢٠٢٢. لكن مع حلول موعد الحسم أصبح هذا الموضوع هو الخبر الذى يتصدر النشرات الإخبارية، وبدأ معظم القنوات الفضائية فى العالم تتسابق لنقل وقائع المؤتمر، الذى ستعلن فيه نتائج التصويت من زيوريخ. فى هذه اللحظة فقط أدركت أن قطر هى الدولة العربية الوحيدة المدرجة على قائمة الدول المتنافسة لاستضافة مونديال ٢٠٢٢، وأعترف بأننى أصبت بدهشة. فمجرد تفكير دولة مثل قطر فى استضافة بطولة كأس العالم فى كرة القدم يعد فى حد ذاته جرأة تحسد عليها ويعكس نمط تفكير غير تقليدى على الإطلاق. فمعلوماتى الكروية المحدودة تفيد بأنه ليس لدى دولة قطر فريق كروى قوى يمكن أن يكون مرشحا للفوز ببطولة كأس العالم، وهى دولة صغيرة الحجم، محدودة السكان، شديدة الحرارة والرطوبة فى بداية الصيف، حيث الموعد المعتاد لمباريات البطولة، وكلها عوامل من شأنها كبح جماح أى طموح من هذا النوع. غير أنه سرعان ما تبين لى، من خلال المتابعة التى سبقت إعلان نتيجة التصويت، أن قطر قدمت ملفا جيدا، وأن العديد من المراقبين لا يستبعدون فوزها فى هذه المسابقة الشرسة، رغم وجود منافسين أشداء تتقدمهم الولايات المتحدة واأستراليا واليابان وغيرها، فازدادت دهشتى. وما هى إلا دقائق حتى كان جوزيف بلاتر يفض مظروفا مغلقا يحتوى على بطاقة كتب عليها اسم الدولة التى وقع عليها اختيار اللجنة التنفيذية للفيفا، ولم نصدق أعيننا حين رأينا اسم قطر مكتوبا عليها!. انتابنى شعور حقيقى بفرح لم أدرك سره، ورحت أفتش فى أعماقى عن أسبابه. ساءلت نفسى: هل لأنها دولة عربية، أم لأنها دولة طموحة تنشد التميز وقادرة على الإنجاز؟. أظن أنه لكل هذه الأسباب مجتمعة. ولأن دولا عربية كثيرة، وكبيرة، حاولت من قبل أن تحصل على هذا الشرف وفشلت، وكان فشلها مدويا، وأحيانا مخجلا، فمن الطبيعى أن نفرح حين تنجح دولة عربية فى تحقيق ما فشلت فيه الدول الأخرى. لكن حين تكون الدولة الفائزة هى الأصغر، حجما وسكانا، والأكثر إصرارا وإتقانا للعمل، فمن الطبيعى أن يمتزج الشعور بالفرح بشعور مستحق بالإعجاب وربما بالفخر أيضا. أدرك أن لدى البعض تحفظات كثيرة على سياسات دولة قطر ومواقفها من قضايا عديدة، كما أدرك أن كثيرين يعتقدون أن هذه السياسات والمواقف لابد أن تكون موجهة من الولايات المتحدة، التى تربطها بها علاقة خاصة ومعقدة فى الوقت نفسه، وأن دورها المتنامى على الساحة السياسية مرتبط بسخائها المالى. غير أن وجهة النظر هذه ليست دقيقة ولا عادلة. فهناك دول عربية أوفر مالا وأكبر مساحة وسكانا وعلاقاتها بالولايات المتحدة أقدم وأمتن، لكنها أقل قدرة على الإنجاز والابتكار. فوز قطر فى مسابقة عالمية تشارك فيها الولايات المتحدة وأستراليا واليابان وغيرها، يعد إنجازا كبيرا. ولأنه ليس إنجازا يتيما، وإنما حلقة فى سلسلة متصلة ومتواصلة من الإنجازات فى ميادين أخرى كثيرة، فلابد أن تكون وراء الدور القطرى النشط والمتميز عقلية ذكية وواعية. صحيح أنه سبق لدول أخرى صغيرة أن أثبتت من قبل فاعلية وقدرة على الإنجاز، مثل سنغافورة ودبى وهونج كونج وغيرها، لكن إنجازها ارتبط عادة بمجال أو بمجالات فنية محددة. أما قطر، فطموحها يبدو مختلفا ومتعدد الأبعاد. ويذكّرنا فوز قطر بأن القوة الناعمة أصبحت فى المرحلة الراهنة أهم بكثير من القوة الخشنة، وأن القدرة على توظيفها لم تعد مرتبطة بمساحة الدول أو بعدد سكانها أو بعراقتها، وإنما بما تملكه قيادتها من بصيرة ووضوح رؤية. فالقيادة والإدارة هما سر النجاح هناك، ومن أهم أسباب الفشل هنا. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات