دمشق، سوريا (CNN) -- قالت المخرجة والممثلة اللبنانية نضال الأشقر إن الحكومات العربية لا تولي الثقافة اهتماماً كبيراً، والعالم العربي يفتقر إلى حركةٍ مسرحية نضرة.
جاء ذلك في مقابلةٍ مع CNN بالعربية، أثناء تقديمها مؤخرا أحدث عروضها المسرحية؛ "قدام باب السفارة... الليل كان طويل" على أحد مسارح دار الأوبرا السورية.
وتتناول المسرحية، التي كتبتها بالاشتراك مع الأديب اللبناني عيسى مخلوف؛ ظاهرة الهجرة العالمية انطلاقاً من واقع الهجرة اللبنانية بصفتها ملحمة يختلط فيها الواقع بالخيال، في إطار درامي يمزج بين مختلف فنون الأداء من موسيقى وغناء ورقص.وتأخذ فيه موسيقى الراب الأمريكية دور الراوي لوقائع الأحداث التي تمتد على مدى ثمانين دقيقة، ويجسدها أربعة عشر ممثلاً.
كما أشادت الفنانة الملتزمة بالتجارب السينمائية اللبنانية الشابة، وأعلنت عن مشروعها المقبل "شروق".
وتالياً نص المقابلة مع الفنانة نضال الأشقر:
- كيف ولدت فكرة المسرحية "قدام باب السفارة... الليل كان طويل"؟
الفكرة قديمة ومتجددة في آنٍ معاً، فالهجرة من لبنان وسائر بلاد الشام تعود إلى القرن التاسع عشر لأسبابٍ عديدة، منها التنكيل أيام العثمانيين، والحروب التي عصفت بالمنطقة، الأمر الذي دفع الشباب للسفر إلى أي مكان يمكن أن يصلوا إليه. واستمر الوضع على ما هو عليه حتى بعد الاستقلال. لكن أكثر الهجرات المحزنة حدثت في فترة الحرب الأهلية اللبنانية في العقد السابع من القرن العشرين، وآخر موجات الهجرة اللبنانية بدأت في أعقاب عملية إعادة إعمار لبنان أواخر التسعينيات، حينما عاد المهاجرون على أمل البدء من جديد، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن بلدهم لا يستطيع أن يحضن مواطنيه، أو يقدم فرص العمل لشبابه، فبدأ اليأس والبطالة يعصفان بالشباب اللبناني، فعادوا للهجرة كردة فعلٍ عكسية على الوضع القائم. لذلك كان هاجسي منذ عامين تقديم عرض مسرحي عن هذه الفكرة، وعندما بدأنا البحث في أرشيف الهجرات اللبنانية وجدنا الكثير من القصص المحزنة، وهنا قررنا أن يكون شكل العرض غنائي مسرحي درامي، ينطوي في بعض مفاصله على السخرية من الوضع اللبناني الراهن، ويمزج الواقع بالمتخيل فيما يراود الشباب من أحلام الهجرة إلى نيويورك بلد الأحلام، أو الخليج أرض الذهب...، وذلك للتخفيف من وقع تلك القصص على المتلقي.
- وما المقترح الإخراجي الجديد الذي تقدمه نضال الأشقر من خلال هذه المسرحية؟
منذ أربعين عاماً، حينما أخرجت أولى مسرحياتي "المفتش العام"، لم أقدم أي عرض مسرحي يشبه الآخر.. فكل موضوع يفرض أسلوبه، كما أن الممثلين يقترحون عادةً الكثير من الأفكار التي تلعب دوراً في شكل العمل المسرحي. والأسلوب الإخراجي المتبع في هذه المسرحية جاء من العمل على ارتجالاتهم، ثم ألفّ خالد العبد الله الموسيقى استناداً إلى الأغاني التي كتبناها أنا وعيسى، وأتت فكرة إدخال "الراب" ليأخذ دور الراوي المسرحي الحديث.
- هل يمكن اعتبار إدخال موسيقى "الراب" كنوع من المغازلة للجيل الجديد؟
لا... إطلاقاً.. وإنما موسيقى "الراب" تأخذ حالياً دور الراوي في شوارع بيروت، فلدينا في لبنان أكثر من خمسين فرقة "راب" تنتقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية السائدة، كما أن هذا العمل ينبغي أن ينطلق من نظرة الشباب للواقع الراهن، وأن يلتقط نبضهم، ومن هذا الباب ينقسم الممثلون لأول مرّة على خشبة المسرح بين (س)، و(ش) في إشارة إلى الاستقطاب الطائفي الذي تعيشه البلاد.
- إذاً العرض يحتفي من حيث الشكل بأنواعٍ مختلفة من فنون الأداء من رقص، غناء، موسيقى، وتمثيل؟
أعتقد أن هذه المقولة تفتقد إلى الدقة، لأن الرقص، والغناء، والموسيقى، والتمثيل هي جزء الدراما في العرض ككل، فهو لا يندرج في إطار استعراض مهارات الممثل، وإنما في نسيج البناء الدرامي للمسرحية، ومن هذا النسيج ولدت الأغنية، والاستعراض الراقص، وكل ما قدم في العرض المسرحي نابع من طبيعة الموضوع.
- بعض الصحفيين السوريين انتقدوا العرض لطوله، وأنه لا يتعدى كونه إقرار للواقع الراهن في حين ينتظر منه - كأي عمل مسرحي- أن يحرض على فعل، كما قيل إنك تحكمت بأداء الممثلين لتجعلين منهم مجرد دمى، بمعنى أنك لم تفسحي أي مجال لانفعالات الممثل؟
أرى أن هذا النقد غير موضوعي، فهذا العمل ليس مجرد إقرار للوضع الراهن كما يقولون، فنحن نعرض للمتلقي ما يحدث على أرض الواقع، ولكن بطريقة غير مباشرة.. فنحن أبعد ما يكون عن الطرح المباشر، وبإمكان الجمهور أن يتلقف الحل من طريقة عرض الممثل للمشكلة، فضلاً عن كون العرض المسرحي يتطرق للعديد من القضايا الشائكة التي قلما تجتمع في مسرحية واحدة تحت مظلة ظاهرة الهجرة أو تقف وراءها؛ كجرائم الشرف، والطائفية، والبطالة. أما ما يقال عن إلغائي لانفعالات الممثل، أو تحريكه كدمية، فهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، لأن الممثلين في هذه المسرحية يجسدون عشرات الأدوار، ويتألقون في كل دقيقة؛ (14 ممثل يقدمون حوالي الـ 50 دور)، كما أن الممثل في أي عمل مسرحي أقدمه؛ شامل بالمعنى الحقيقي للكلمة.. ولكن على كل حال، هذه لذة المسرح، وللكل الحق في أن يعبر عمّا يشعر به، لكن النقد موضوع مختلف.
- من واقع تجربتك المسرحية الطويلة كيف تنظرين إلى حال المسرح العربي اليوم؟
لا يوجد حركة مسرحية نضرة في العالم العربي اليوم، لأن الحكومات في مجملها تتجاهل الثقافة بالمعنى الكبير للكلمة، ولا تشكل بالنسبة لها طريقة حياة، بوصفها أسلوب لبناء إنسان جديد متحضر، منفتح، ولا طائفي. كما أننا نفتقر للتواصل على الصعيد المسرحي، إذ ليس لدينا عروض تجوب الدول العربية، وهذا من شأنه تطوير الممثل، والكاتب، والمخرج لكي يصبح أفضل حينما يواجه جمهور جديد لديه رؤية جديدة تختلف عن الجمهور المحلي، باستثناء مواسم المهرجانات التي تستقطب مجموعة من المسرحيات التي تدخل معظمها في خانة الاستعراض.
-تربطك علاقة مميزة جداً بتاريخ الكاتب المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس، وأخرجت بعض من أعماله؛ وسمعنا عن مشاريع مسرحية جديدة لك عن نصوص له؟
سعد الله ونوس؛ أديب، مفكر، وفيلسوف مهم جداً، وأرى أنه أهم كاتب عربي مسرحي وصل إلى العالمية قطعاً، وأرغب في أن أحتفل مع دمشق بذكرى هذا الكاتب عبر إخراج ثلاثية من أعماله؛ "الأيام المخمورة"، "طقوس الإشارات والتحولات"، و"منمنمات تاريخية".. لكن المشروع مكلف جداً، وأنا بصدد دراسته حالياً مع المسؤولين في سوريا، كما أن إعادة إحياء المسرحيات التي أخرجتها له يتطلب مني على الأقل ستة أشهر، وأحرص على أن يشاركني في هذا العمل ممثلين سوريين.
من يلفت نظرك من الممثلين السوريين؟
معظمهم في غاية الروعة، ومنهم على سبيل المثال جمال سليمان، وتألقه في دور صلاح الدين الأيوبي.. أبكاني في ذلك الدور، ويمكنني أن أذكر أكثر من عشرين ممثل سوري بهذا المستوى الرائع.. كذلك الأمر بالنسبة للدراما السورية التي تشهد التألق على مستوى النصوص، والإخراج، والتمثيل.
لماذا تبتعدين عن الدراما التلفزيونية اليوم، مع أنك قدّمت أدواراً لا تنسى في "شجرة الدر، زنوبيا، المعتمد ابن عباد... إلخ؟
ليس لدي الوقت لذلك، خاصة أنني مشغولة منذ سنوات بإدارة مؤسسة مسرحية أسست من خلالها فرقتين مسرحيتين، وتدير مسرحين؛ "جمعية مسرح المدينة للثقافة والفنون" ببيروت، وأتشارك إدارتها مع مجموعة أصدقاء من التقنيين، والمسرحيين، والمثقفين، وهذا لا يترك لي الوقت الكافي للتمثيل.. وحتى الإخراج، وآخر دور تلفزيوني قدمته منذ ست سنوات تقريباً في مسلسل "رماد وملح".. ولكن لا أمانع في العودة في حال وجدت النص المناسب، نص يجسّد حالة مشابهة لتلك التي قدمّها سعد الله ونوس في "طقوس الإشارات والتحولات"، من صراع بين الدين، والسلطة، والقيم الاجتماعية السائدة، أو دخول "تيمورلنك" إلى بلاد الشام... ربما أبحث عن حالة تغريني للعودة للتمثيل في التلفزيون أو المسرح.
يقولون إن السينما اللبنانية تشهد ازدهاراً حالياً، كيف تنظرين إلى التجارب السينمائية الشابة؟
أعتقد أنها في غاية الأهمية، والسينمائيين اللبنانيين الشباب يبذلون جهداً كبيراً جداً، يدربون أنفسهم بأنفسهم، ويبحثون عن التمويل دون أن ينتظروا مساعدة من الحكومة اللبنانية، ويقدمون أفلاماً جميلة وجدت صداها مؤخراً في العديد من مهرجانات السينما العالمية. واعتقد أن ابني عمر نعيم، أحد هذه الأمثلة، حينما قدّم فيلم The Final Cutمن بطولة "روبين ويليامز"، وكان عمره وقتها خمسةً وعشرين عاماً، وهو أحد عشرات الشباب اللبنانيين والسوريين المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية، الذين يقدمون إبداعات بمنتهى الروعة.
ما هي مشاريعك المستقبلية؟ منذ ثلاث سنوات وأنا أحضر مع عيسى مخلوف لعرض مسرحي يرتكز على موروث ما بين النهرين من نصوص التكوين السومرية القديمة، ماري، وكنعان، ويبدأ من خلق السموات والأرض، وصولاً إلى الموت، مروراً بالحياة، الحب والطوفان. وسيكون العرض بعنوان "شروق"، لكي يرى العالم من أين بدأ الشروق؛ شروق الفكر والأدب والأساطير منذ حوالي الثلاث آلاف سنة قبل الميلاد. وهو عرض في الهواء الطلق، من المتوقع أن تستكمل التحضيرات له خلال عام، وهناك خمس دول مهتمة بهذا العرض؛ فرنسا، إيطاليا، قطر، البحرين، وسورية.
يقولون إن نضال الأشقر لها نصيب كبير من اسمها، من أجل من تناضل (نضال) اليوم؟
ناضلت طيلة حياتي كممثلة ومخرجة لإيصال أفكارٍ وطنية ونقد لاذع، وقدمت نصوصاً جميلة، لكن مسرحي أرهقني في غمرة البحث عن التمويل الكافي.
المصدر : CNN
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات