تكشف قطر بحلول نهاية 2010 النقاب عن أوّل قانون للإعلام تضعه البلاد بعد ثلاثين عاماً على صدور قانون المطبوعات. صحيح أن إصدار هذا القانون المنتظر يشكّل خطوة مهمّة بالنسبة إلى البلاد، لكن يبدو أنّ هناك معطيات تستدعي القلق. ففي مقابلةمع صحيفة الشرق القطرية في أكتوبر/تشرين الأوّل، شدّد وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ ناصر بن محمد بن عبدالعزيز الثاني على حاجة القطاع الإعلامي إلى التنظيم وإلى انضمام مزيد من القطريين إليه لأنّ "أي قطاع لا يدعمه طاقم محلّي يمكن أن يتسبّب بسوء فهم". من شأن هذه التصريحات أن تثير قلق الصحافيين، ولا سيما الأجانب منهم في قطر، من أنّ قانون الإعلام الجديد قد يفرض قيوداً على بعض أنواع التعبير.
عندما تولّى الأمير شيخ حمد بن خليفة الثاني زمام السلطة عام 1995، اتّخذ خطوات عدّة لتعزيز صورة البلد وتمييزها عن السعودية المجاورة. وأعلن في سياق هذه الاستراتيجية وضع حدّ للرقابة على الإعلام، وأغلق وزارة الإعلام، وساهم شخصياً في تمويل إنشاء قناة الجزيرة في الدوحة. وقد ازدادت شعبيّة هذه المحطة بوصفها أوّل قناة إخبارية فضائية عربية تبثّ تغطية انتقادية عن الأنظمة العربية وتتطرّق إلى مواضيع كانت تُصنَّف من قبل في عداد المحرّمات. وقد دفع ذلك بدول عربية عدّة إلى سحب سفرائها مؤقّتاً من قطر، أو إغلاق مكاتب الجزيرة لديها. بيد أنّ رفض الأمير فرض رقابة على تغطية الجزيرة استقطب الثناء من مجموعات دولية مثل "مراسلون بلا حدود".
حاول النظام القطري أن يبني على هذا الاهتمام الإيجابي عبر افتتاح مركز الدوحة لحرية الإعلام، تحت رعاية زوجة الأمير، الشيخة موزة، عام 2008. كان هدف المركز الأساسي ترويج حرّية الصحافة في مختلف أنحاء العالم وتأمين ملاذ للصحافيين المهدَّدين. على الرغم من أنّه نادراً ما كانت محطة الجزيرة تغطّي أخبار قطر، وأنّ تقرير حقوق الإنسان لوزارة الخارجية الأمريكية أورد أنّ الصحافة القطرية تمارس الرقابة الذاتية بصورة روتينية، بدا أنّ استراتيجية الأمير تنجح. فقد سجّل موقع قطر في مؤشّر حرّية الصحافة السنوي الذي تصدره منظمة "مراسلون بلا حدود"، تحسّناً كبيراً فانتقلت البلاد من المرتبة 115 بين 166 بلداً عام 2003، إلى المرتبة 74 بين 173 بلداً عام 2008. حتى إنّ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) اختارت قطر لتعقد فيها مؤتمراً دولياً في اليوم العالمي لحرية الصحافة عام 2009.
بيد أنّ أحداثاً عدّة وقعت عام 2009 تلقي بشكوك حول التزام قطر الفعلي بحرّية الصحافة. ثار غضب روبير مينار، العضو السابق في منظمة "مراسلون بلا حدود" الذي أصبح لاحقاً مدير مركز الدوحة لحرّية الإعلام، عندما رفضت الحكومة القطرية إصدار تأشيرات سفر للصحافيين المهدَّدين متذِّرعةً بالمخاوف الدبلوماسية. وقد نشر رسالة عامة على موقع المركز الإلكتروني اتّهم فيها أعضاء الحكومة القطرية بالتقصير عن دعم مهمّة المركز.
ثم في مايو/أيار 2009، وصل فليمينغ روز، المحرّر الثقافي الذي نشر رسوماً كاريكاتورية عن محمد في الصحافة الدنماركية، إلى قطر للمشاركة في المؤتمر الذي رعته منظمة اليونيسكو. وقد أثار حضوره سخطاً شديداً في أوساط بعض القطريين، وألقي الجزء الأكبر من اللوم على مينار. وراح أحد المساجد في الدوحة يهاجم مركز الدوحة لحرية الإعلام في عظات الجمعة. وحمّلت صحيفة الوطن القطرية مينار مسؤولية دعوة "الشيطان" إلى الدوحة وإهانة كل المسلمين. وفي حزيران/يونيو 2009، دعا عضو في المجلس الاستشاري القطري (مجلس يتضمن 35 شخص معيّنين من قبل الأمير) إلى طرد مينار من منصبه، فاستقال الأخير في الشهر نفسه.
فتح رئيس المجلس الاستشاري محمد بن مبارك الخليفي نقاشاً حول قطاع الإعلام القطري بإعلانه أنّ "مرائين دخلوا المجال ويحاولون إفساد صورة البلاد". وقد تركّز النقاش حول مينار "وعدم فهمه" لقطر.
بعد تلك الحادثة، أقرّ المجلس الاستشاري قانون إعلام جديداً يفرض غرامات قاسية وعقوبة السجن لعام واحد على أيّ صحافي يشوِّه سمعة الحاكم أو يهدّد الأمن القومي أو الدين أو الدستور القطري. وفي اليوم التالي، نشر رئيس تحرير صحيفة The Peninsula القطرية الناطقة بالإنجليزية، خالد السيّد، افتتاحية في الصفحة الأولى انتقد فيها القرار "إنه لأمر غريب أن يصدر مثل هذا الرأي عن المجلس القطري المؤلَّف من مواطنين قطريين في حين أنّ سمو الأمير منحنا حرّية التعبير عن آرائنا حول المسائل المختلفة بكل أمانة وإنصاف". لم يوقّع الأمير على القانون، وحتى تاريخه، قانون الإعلام الرسمي الوحيد المعتمد في البلاد هو قانون المطبوعات الأساسي الذي أُقرّ عام 1979.
منذ صيف 2009، يطالب الصحافيون بوضع قانون إعلامي جديد يأخذ آراءهم في الاعتبار. فقد شرح رئيس تحرير صحيفة The Peninsula، خالد السيد، في مقابلة معه "نأمل في أن يراجع قطاع الإعلام القانون الجديد ويعطي رأيه فيه قبل إقراره. فهذا القانون يعني الإعلام، ومن حقّه أن يطّلع عليه". عند إجراء المقابلة، لم تكن قد تمّت بعد استشارة قطاع الإعلام بشأن القانون الجديد.
يخشى بعض الصحافيون أن يمنع قانون الإعلام الجديد انتقاد الدولة القطرية أو الأمير أو الإسلام – بنود كهذه موجودة في قوانين إعلام كثيرة في البلاد العربية. بيد أن السيد يعتبر أنّه لا حاجة إلى مثل هذا المنع "لقد تعلّمنا نحن المسلمين احترام الدين والأرض والقائد ورفاه بلادنا". ولفت في افتتاحية له في مايو/أيار 2010 إلى أنّه لم يلحق أي مقال صدر في الصحافة القطرية الأذى بالدولة أو الأمير أو الإسلام.
وحتى قبل فرض هذا القانون، يعكس تصنيف قطر الأخير في مؤشر حرية الصحافة الذي تضعه منظمة "مراسلون بلا حدود" تجدّد المخاوف بشأن غياب الحرّيات الصحافية في البلاد. فقد انخفض تصنيفها في عامَي 2009 و2010 على السواء؛ وتحتلّ قطر الآن المرتبة 121 من أصل 178 بلداً في المؤشّر. إذا فرض قانون الإعلام الجديد غرامات وعقوبة السجن على بعض أنواع التعبير، فسوف يكون محط انتقاد من الصحافيين في قطر، وعلى الأرجح أن تصنيف البلاد سيتراجع أكثر فأكثر، وسوف تتعرّض الجهود التي يبذلها النظام لتعزيز صورته وتمييز قطر عن جيرانها، لانتكاسة خطيرة.
جنيفر لامبرت حصلت على شهادة الدكتوراه برسالة عن الإصلاح الداخلي لقطر وشرعيتها الخارجية، وتعلّم حالياً في جامعة جورج واشنطن وتعمل كمحللة للإعلام العربي في ستراتيجيك سوشال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات