بقلم د.حسن نافعة ١١/ ١١/ ٢٠١٠
لم أستطع منع نفسى من الضحك عاليا أثناء مطالعتى لصحيفة «المصرى اليوم» الصادرة أمس. لم تكن «تخاريف» الكاتب الموهوب جلال عامر هى السبب فى انطلاق ضحكتى المجلجلة، كما قد يتصور البعض، وإنما تصريحات أدلى بها الدكتور مفيد شهاب لقناة «العربية». تقول الفقرة التى أضحكتنى فيها: «اللجنة العليا للانتخابات لها من السلطات، ما إن مورست، ستضمن نزاهة الانتخابات. وبالنسبة للإشراف القضائى الذى زعم البعض أن مصر ألغته، فإن مصر أعادت تنظيم الإشراف القضائى، ولا يوجد بلد فى العالم يطلب من القضاء الإشراف على الانتخابات، لأن هذا يتنافى مع مبدأ الفصل بين السلطات. وعندما انفردت مصر بإشراف قضائى كامل على العملية الانتخابية حدث الكثير من المآسى والأخطار والتداخل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية». تصلح هذه الفقرة ككل للاقتباس فى نص كوميدى لمسرحية هزلية، لكن عبارة «ما إن مورست» كانت الذروة فى «قفشة» لا تصدر إلا عن كوميديان سياسى محترف قادر على انتزاع الضحك من القلوب الغارقة فى الأحزان. لذا ما إن هدأت نوبة الضحك التى انتابتنى حتى رحت أتساءل، وكأننى أحدث نفسى: وما الذى يحول دون ممارسة اللجنة العليا للانتخابات سلطاتها؟. ولأننى لم أرد أن أتطوع بإجابة من عندى، فقد رحت أبحث عنها ووجدتها عند المستشار محمود الخضيرى والذى نشرت صحيفة «الشروق» فى ذات اليوم مقالا، أنصح القراء بالاطلاع عليه، يؤكد أن القانون المشكل للجنة والمحدد لاختصاصاتها هو السبب. ولأن الكل يدرك أن شهاب هو أحد مهندسى هذا القانون المعيب، فمن الطبيعى أن يثير استخدام تعبير «ما إن مورست» شعورا يصعب علىَّ وصفه، تجنبا للوقوع تحت طائلة القانون! صحيح أن القانون المنظم لتشكيل واختصاصات اللجنة العليا للانتخابات يمنحها سلطات واسعة تمكنها من: تشكيل اللجان العامة ولجان الاقتراح والفرز، ووضع قواعد إعداد جداول الانتخابات وطريقة مراجعتها وتحديثها، واقتراح قواعد تحديد الدوائر الانتخابية ومراجعتها، وقواعد الدعاية الانتخابية... إلخ، غير أن ذات القانون به من الثغرات ما يكفى للحيلولة دون تمكين اللجنة من ممارسة معظم هذه السلطات أهمها: ١- عدم تفرغ أعضاء اللجنة، رغم أن مهامهم الواسعة تقتضى ذلك، ٢- إسناد رئاستها إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة بصفته. ولأنه منصب يتغير كل عام تقريبا، بل تغير هذا العام بالذات ثلاث مرات، يصعب على اللجنة أن تحقق استقرارا يمكنها من ممارسة مهامها، ٣- استمرار وجود «إدارة عامة للانتخابات» تابعة للداخلية، وليس للجنة، ستظل هى المتحكمة فعليا فى الكشوف الانتخابية. يدرك كل مواطن شريف فى هذا البلد أن إجراء انتخابات نزيهة أمر ممكن فعلا إذا أراد النظام. ولأنه لا يريد، لأنه يدرك جيدا أن أى انتخابات نزيهة ستطيح به، فليس أمامه سوى ممارسة لعبة القط والفأر مع القوى التى تسعى للتغيير. ويدرك الجميع أن إلغاء الإشراف القضائى الكامل على الانتخابات لم يكن، كما يدعى شهاب، بسبب تعارضه مع مبدأ فصل السلطات، والذى لا وجود له فى النظام السياسى المصرى أصلا، أو بسبب مآس حدثت فى ظل هذا الإشراف، اللهم إلا إذا كان فضح التزوير مأساة عنده، وإنما بسبب الإصرار على أن تكون للداخلية الكلمة الفصل فى تحديد نتائجها النهائية. وهذا هو سبب استبدال القضاء بلجنة عليا تتمتع بسلطات واسعة لكنها لا تستطيع ممارستها. فهل يعتقد السيد شهاب مثلا أن اللجنة «تتمنع» عن ممارسة سلطاتها، أم أن ما يمنعها هو «الشديد القوى» وأنه شريك فى المسؤولية، بصفة شخصية، عن هذا «الشديد القوى» الذى تعانى منه مصر ويكاد يصادر على مستقبلها! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات