الأقسام الرئيسية

غرور هولندي أم جهل عربي

. . ليست هناك تعليقات:

مقال: طارق القزيري – "السمعة هو ما يعتقده الناس عنك، أما شخصيتك فهو ما أنت عليه بالفعل، وبين هذا وذاك تتحدد نظرتك لذاتك". عبارة كهذه خطرت ببالي بعد ايام من خروجي من محيطي الهولندي وانخراطي في وسط مختلف، إذ عايشت معنى الفرق بين سمعة هولندا وبين ما يبدو – لي- فكرة هولندا عن نفسها.

عندما تتابع ما يقال في الإعلام الهولندي، وعلاقة هولندا بالعالم الإسلامي والعالم العربي، وصورة هولندا في الخارج ومدى الضرر الذي يمكن ان يحدثه هذا التصريح أو ذلك من سياسي بعينه، تعتقد انه بالفعل ثمة ما يمكن تسميته بـ "صورة بلد ما" وأن ما نعتقده نحن ضررا، سيكون بالفعل كذلك.

أول ما فاجأني اعتقاد الكثيرين ان "فيلم فتنة" مثلا، للسياسي اليميني الهولندي خيرت فيلدرز، هو دانمركي، فيما تنحصر سمعة هولندا في كونها بلاد الزهور، ونجوم وفرق كرة القدم، وإضافة لكل هذا فهي بلد يسكنه اليهود، ويسيطر عليه اليهود والصهيونية بلا تحفظ، إلى درجة ان هذا هو الأمر الطبيعي هناك.

هذا الانطباع لم يزد عن كونه انطباعا كان موجودا عندي بالفعل تناسيته بفعل معايشيتي لبعض مجريات الأحداث من داخل هولندا نفسها.

لست هنا بالطبع لمناقشة صوابية هذه الاعتقادات والإنطباعات من عدمها، بل فقط لرسم صورة عن ما يمكن أن يكون "وهما هولنديا" مركبا!!.

الشق الأول من هذا الوهم هو منح بعض الشخصيات وبعض الوقائع دورا أكبر مما ينبغي فعلا، فهناك الكثير مما يأخذه الناس من قناعات حول هولندا، إما يتم تجاهله وهو جدير بالتركيز عليه، صورة هولندا كبلد يهودي صهيوني، بالرغم من شكاوى اسرائيلية دائمة من حراك داعم للفسطينيين ربما يعيد لهولندا بعض الاتزان في صورتها في العالم العربي.

الأمر الآخر ان مفهوم الهولنديين عن الحراك داخل بلادهم وصورة هذا الحراك والجدل الداخلي حول قضايا مثل الإسلام، الهجرة، والمواطنة، صورة كل هذا في الخارج وتأثيراته في ما بعد الحدود يبدو انه لم تشمله دراسات كافية، أو هذه الدراسات تأخذ منحى غير المطلوب.

هل يبدو هذا حكما قاسيا، على مؤسسات علمية عريقة ومراكز بحثة ممتدة في خبرتها كالمعاهد والجامعات الهولندية؟ ربما، ولكن الأمر يستحق فعلا إعادة نظر، كي لا تستمر هولندا في تحمل سمعة عن نفسها، قد لا تكون هي عليها بالفعل، بل ولا يعتقد كثيرون أنها كذلك.

الموقف من هولندا يبدو غير محصور بما هي عليه هولندا فعلا، بقدر ماهو الموقف بين صورة عالمين حضاريين بينهما اختلاف واضح وكامل، ربما تحاول جهود الغرب في إصلاحه إلى تعميق الفجوة أكثر.

هناك انطباع خاص عن كل دولة، لا يحدده الحراك الداخلي في كل دولة على حدة، لأن هذا يفترض معرفة بهذا الحراك، والواقع ان مصادر المعرفة في العالم العربي، هي محدودة جدا، ربما لآن نسبة القراءة والتعرض متدينة جدا، ومهما يكون الواقع فإن صورته ترتبط بالتعرف عليه.

وكذلك فهذا الواقع المحدود معرفيا، بحكم تدني المقروئية كما هو واضح، وتدني مستوى المؤسسات الثقافية والصحفية واختلافها عن ما يعتقده الغرب فعلا، تجعل ما يحدد الإنطباعات والاراء العامة، ليست هي القنوات التي يسلكها الغرب – وهولندا من بينهم – للوصول لهذا الراي العام والتعامل معه وتحسينه تجاهه.

فهل إصرار الهولنديين على ان ما يجري بينهم هو بالضرورة ما يعرفه الآخرون، هو نوع من الغرور؟ أم ان غياب صورة حقيقية لهولندا يمكن تفسيره بمجرد انعدام الأفق المعرفي والجهل بالآخر لدى العرب – مثلا -؟ ربما تكون الآسباب اكثر تعقيدا بكثير، حتى من كونها تجمع بين الأمرين معا!!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer