سياسة واقتصاد | 06.11.2010
لم يكد حبر قرارات السينودس الخاص بحماية مسيحيي الشرق، الذي استضافه الفاتيكان للمرة الأولى في تاريخه بين العاشر والرابع والعشرين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يجف حتى كان مسيحيو بلاد الرافدين هدفا لهجوم إرهابي جديد أودى بحياة العشرات منهم. فقد اقتحم عدد من المسلحين التابعين لما يسمى بـ"دولة العراق الإسلامية"؛ أي فرع القاعدة في العراق، كنيسة سيدة النجاة ببغداد وقتلوا بعض المصلين وأخذوا الآخرين رهائن مهددين بقتلهم إذا لم تنفذ مطالبهم. والغريب في الأمر أن مطالبهم لم تكن موجهة إلى جهات عراقية فحسب بل إلى أقباط مصر أيضا.
وأعاد هذا الاعتداء الدموي، على أكبر كنيسة في بغداد، إلى الأذهان وضع مسيحيي العراق خصوصا والشرق عموما الذين تستهدفهم قوى إسلامية متطرفة بهدف "دفعهم إلى الهجرة ومغادرة أوطانهم". وإذا كان الحديث عن مسيحيي الشرق والخوف من هجرتهم وإفراغ المنطقة من وجود استمر لآلاف السنين وساهم في بناء حضارة وثقافة هذه البلاد ليس بجديد، فإن الاعتداءات الإرهابية المتواصلة، التي يتعرض لها مسيحيو العراق، دفعت بالبعض إلى دق ناقوس الخطر والإسراع في إيجاد حل لمشكلة هؤلاء الذين يتعرضون للقتل بدم بارد على يد إرهابيي القاعدة.
مؤتمر إقليمي لحماية مسيحيي العراق
جندي عراقي يحرس كنيسة في بغداد
وبالفعل انتشرت في وسائل الإعلام العراقية ومواقع الإنترنت دعوات لعقد مؤتمر إقليمي لحماية مسيحيي العراق والشرق الأوسط. فقد طالب عدد من نشطاء حقوق الإنسان العراقيين دول المنطقة بعقد مؤتمر تحضره "قيادات سياسية ودينية وأكاديمية ومنظمات مجتمع مدني لبحث أسباب التدهور الحاصل في ملف الأقليات الدينية والعرقية"، والكلام للناشط العراقي هادي جلو مرعي. وأضاف مرعي، في حوار مع دويتشه فيله، بأن هذا المؤتمر الإقليمي، الذي ينبغي أن تشارك فيه الدول التي فيها أقلية مسيحية، "سيضع أسسا وآليات عمل وبرامج لإعادة توطنين المسيحيين وتوفير فرص عمل حقيقية لهم وخططا عسكرية وأمنية لحمايتهم".
أما المفكر والباحث العراقي في قضايا حقوق الإنسان غانم جواد فيرى أن المؤتمرات "في منطقتنا لا تؤدي أغراضها إلا من الجانب الإعلامي". ويضيف جواد، في حوار مع دويتشه فيله، بأن "كل مؤتمر سيعقد لا بد أن ينتهي بانتهاء أعماله، لأن مؤتمراتنا تكون بهدف القيام بالواجب وتفريغ شحنات التعاطف دون التوصل إلى أية توصيات جدية". ويتفق الباحث اللبناني المقيم في ألمانيا، والأستاذ في الكلية الإنجيلية ببرلين، رالف غضبان، مع جواد لأنّ "الدعوة إلى عقد مؤتمر حول هذا الملف لن تكون مفيدة ولن يؤدي المؤتمر العتيد إلى أية نتائج ملموسة".
"لا حل إلا بنقل مسيحيي العراق إلى أوروبا"
وزير الداخلية الألماني السابق شويبله دعا إلى استقبال 8000 عراقي مسيحي في ألمانيا
ويضيف غضبان، في حوار مع دويتشه فيله، بأن قضية حماية مسيحيي العراق لا تقتصر على الجانب السياسي فقط بل يجب أن تعالج على مستويات أخرى، أي أن تشارك فيها المؤسسات الدينية أيضا، متسائلا عما فعلته "القوات الأمريكية التي تسيطر على العراق لحماية هؤلاء منذ عام ألفين وثلاثة؟". ويتابع بأن وضع مسيحيي العراق وصل إلى مرحلة "لا تفيد فيها لا المؤتمرات ولا النيات الحسنة؛ فالإبادة قائمة ولا توجد مؤشرات على أنها ستتراجع، لذا أرى لزاما على الغرب، خصوصا وأن القوات الأمريكية عاجزة عن حماية المسيحيين، أن يفكر بحل عملي لمساعدة المسيحيين العراقيين".
والحل العملي الذي يقترحه غضبان على الغرب هو "نقل جميع مسيحيي العراق (الذين يرغبون بالخروج) إلى أوروبا". ويعترف الباحث، الذي كان السباق إلى طرح مستقبل مسيحيي الشرق في تسعينات القرن الماضي في سلسلة مقالات في صحيفة "النهار" اللبنانية، بأنه كان ضد هذه الفكرة لكن اليوم ومع هذا "العنف الأعمى الذي يستهدفهم لا بد من إيجاد حل سريع لحماية أرواحهم قبل كل شيء؛ وهذا لا يتم إلا من خلال نقلهم إلى الدول الغربية طالما أنّ قواتها (المتواجدة في العراق) عاجزة عن حمايتهم".
ملاذات آمنة في كردستان العراق
يرى الباحث مرعي بأن كردستان العراق يمكن أن يكون ملاذا آمنا لمسيحيي العراق
ويعترض الباحث غانم جواد، الذي عمل لسنوات طويلة مع مؤسسة الخوئي الخيرية الشيعية، على فكرة نقل مسيحيي العراق إلى الغرب لأن ذلك يعني برأيه "تحقيق مآرب الإرهابيين". و"الخاسر الأكبر من إفراغ العراق من مسيحيه، وكذلك الشرق عموما، هم المسلمون قبل المسيحيين". لذا يجب على المسلمين التضامن مع المسيحيين وحمايتهم وحماية أماكنهم المقدسة والتمسك بإبقائهم لأن غيابهم أو تغييبهم عن العراق يعني القضاء على التعددية التي امتاز بها بلاد الرافدين وغيره من دول المنطقة التي تتواجد فيها أقلية مسيحية.
وبدوره يرى الكاتب والناشط هادي جلو مرعي بأن "خروج أو إخراج المسيحيين من العراق يشكل خسارة للعراق". ويضيف صاحب فكرة عقد مؤتمر إقليمي بأن الحل الأمثل في هذه الفترة هو "توطين المسيحيين العراقيين المهددين بالقتل في ملاذات آمنة مؤقتة داخل العراق على أن يعودوا إلى مناطقهم الأصلية حين يستتب الأمن فيها". والمقصود بهذه الملاذات الآمنة "مناطق كردستان العراق التي يقطن فيها المسيحيون تاريخيا؛ كما انتقل إليها عشرات الألوف من مسيحيي بغداد وغيرها من المناطق غير الآمنة".
أحمد حسو
مراجعة: عبده جميل الملافي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات