بقلم أيمن الجندى ٢٧/ ١١/ ٢٠١٠ |
نعم أضعناه، وأضعنا أنفسنا فى نفس الوقت. نعم خذلناه حين قال إنه لا يستطيع أن ينجز كل شىء وحده، وكنا فى أعماقنا ننتظر (المُخلّص) الذى يقوم بالمعجزات. كان هناك مصباح خافت يقاوم الرياح الهوجاء، فتآمرنا مع الرياح وأطفأناه. ربما يكون البرادعى قد أخطأ بأسفاره المتعددة خارج مصر، فى وقت كنا نحتاج فيه أن نجده بيننا، أو أخطأ فى الاعتماد على النخبة ولم يرتم بالقدر الكافى فى أحضان الشعب، لكن هذا كله لا ينفى أننا لم نصدقه فى أعماقنا، وبالتالى أضعناه. لماذا لم تصدقوا البرادعى حين قال إنه - بعد كل ما حققه - لم يكن بحاجة إلى مزيد من مال أو نجاح؟!. وإنه رتب حياته بعد التقاعد على الاسترخاء المريح. كل الحكاية أنه إنسان رباه والداه جيداً، وزرعا فى نفسه المبادئ الأخلاقية المتناسقة مع الأديان السماوية وفطرة الإنسان كما خلقها الله، لذلك حين أُتيح له أن يدخل الأحياء العشوائية، ويشاهد أحوال بلاده التى كانت عاصمة الدنيا، تحركت فى قلبه الرحمة الإنسانية، وأصابه الغم الشديد. ولأنه عاش زهرة حياته فى العالم المتقدم الذى يؤمن بأن الإدارة علم محترم له أصوله وقواعده، ولأن مصر لا تحتاج زعيما مُلهما، بل موظف كفء بدرجة رئيس جمهورية.. فقد استجاب للنخبة التى رشحته لقيادة التغيير. وبدأت الحرب القذرة، ليس من النظام وحده، ولا من أذنابه والمنتفعين به (وكانت متوقعة بطبيعة الحال)، بل للأسف ممن كانوا يجب أن يكونوا سنده الأول فى معركة التغيير. تآمرت الأحزاب الكرتونية مع النظام الحاكم، يحركها الحقد وإرادة الفشل، من ذلك القلب الجرىء الذى حقّق فى أيام ما عجزوا عن تحقيقه فى سنين. مسرحية هزلية، الممثلون فيها هم المشاهدون، والمشاهدون فيها هم الممثلون. مأساتهم الوحيدة أنهم يصدقون أنفسهم ويعتقدون أن خشبة المسرح هى الحياة الحقيقية، بينما «كتلة الشعب» لا يؤثر فيها إلا رجال الإدارة والتيارات الدينية التى تحالفت كلها مع النظام، حتى قرار مقاطعة الانتخابات- المحسومة نتائجها سلفا- لم يجرؤوا على أن يتخذوه. هكذا أحكم النظام شباكه، ولف خيوطه حولنا، حتى أصبحنا ذبابا فى مصيدة العنكبوت. احتكروا الفعل وأجادوا التنفيذ، فيما لم يعد فى بضاعتنا غير الكلام. وكلما حاولت الذبابة الخلاص لفت نفسها بمزيد من الخيوط، حتى أدركتها راحة اليأس فكفت عن محاولة الهروب، واستسلمت للعنكبوت يرشف منها رحيق الحياة. والآن قرر البرادعى أنه لن يخوض انتخابات الرئاسة. فهنيئا لنا النظام الحاكم، فنحن نستحقه، وهنيئا لنا المعارضة الحالية، فنحن نستحقها، أما ما لم نكن نستحقه فهو البرادعى الذى قرر الرحيل. الآن لم يعد أمامنا سوى انتظار الأقدار، وأنتم تفهمون بالطبع الذى أعنيه بانتظار الأقدار. هذا مع أن القرآن أعلنها صريحة: «إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ». |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات