الأقسام الرئيسية

أرجوكم أعيدوا الدين إلي القلب ودور العبادة

. . ليست هناك تعليقات:

ثمة إجماع بين عدد كبير من المفكرين والمثقفين المصريين علي أن هناك خطورة أكيدة تهدد قيمة المواطنة وتضربها في مقتل كما تنتقص منها، وتتمثل هذه الخطورة باختصار شديد في خلط السياسة بالدين أو العكس، وذلك بمعني توظيف الدين في السياسة أو توظيف السياسة في الدين.

فالواقع أن ممارسة السياسة علي أساس الدين إنما يضر بقضية المواطنة ولا يفيد أحداً. فالخلط بينهما يقسم أبناء الوطن الواحد إلي طوائف متناحرة ومتصارعة، كما يقسمهم ما بين أغلبية وأقلية علي أساس الدين الذي هو مقدس عند كل طرف، وليس علي أساس الاختلاف الفكري أو الأيديولوجي الذي هو ظاهرة صحية.

فإذا كان الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية كما قال أحمد لطفي السيد أحد رواد القومية المصرية، فإن الحديث عن الاختلاف الديني وإقحامه في شئون السياسة قد لا يفسد الود فقط بل قد يضيعه ويضيع معه الوطن بلا رجعة.

وإذا كان التاريخ هو معلم جيد للإنسان ومنه يستقي الإنسان العبرات ويعرف التجارب ويستخلص الحكم، فإنه ليس غريباً أن أقول إننا أصبحنا الآن وربما أكثر من أي وقت مضي في حاجة شديدة لأن نعود إلي الوراء لأكثر من تسعين عاماً حتي نصنع بأنفسنا ونعيش تلك الحالة القومية التي سبق وأن أوجدها وعاشها أجدادنا المصريون وذلك حين قاموا بثورتهم المجيدة سنة 1919م من أجل مناهضة الاستعمار الأجنبي وطلب الاستقلال التام، فقد ساد بينهم في ذلك الزمن شعار عظيم تقول كلماته "الدين لله والوطن للجميع"، كما انتشرت عبارة المجاهد الكبير سينوت حنا "الوطنية ديننا والاستقلال حياتنا"، فقد عاد الدين إلي القلب باعتباره مكانه الآمن والطبيعي الذي يحفظ له قداسته، بينما وفي الوقت نفسه تقدمت علي سطح المجتمع المصري معاني الوطن والمواطنة والوطنية المصرية والمصير الواحد والعيش المشترك، كما ارتفعت تلك الثورة بقضية التكامل القومي بين المسلمين والأقباط - وعلي حد تعبير الراحل الأستاذ الكبير أبو سيف يوسف في كتابه (الأقباط والقومية العربية)- إلي مستوي لم تبلغه من قبل، ويضيف- وهو علي حق- أن تلك التجربة مازالت تشكل في التراث التاريخي المشترك أحد الأطر المرجعية الرئيسية التي تتم استعادتها كلما وقعت أزمة في العلاقة بين الأقباط والمسلمين.

وربما لم يكن غريباً علي الرئيس مبارك أن يستشهد بثورة سنة 1919م، وما تضمنته من قيمة الوحدة الوطنية بين المواطنين المصريين آنذاك، وهو يقترح أمام أعضاء مجلسي الشعب والشوري النص علي مبدأ المواطنة في المادة الأولي من الدستور، وكان ذلك نهاية عام 2006م عند حديث التعديلات الدستورية والتي تمت بعد ذلك في مارس 2007م لتصبح المادة الأولي من الدستور تنص علي أن "جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم علي أساس المواطنة والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل علي تحقيق وحدتها الشاملة".

وقد تكون خطوة أولي علي الدرب الخاص بتأكيد مبدأ المواطنة- عقيدة وإيماناً- هو الحث دائماً علي عودة الدين إلي القلب ودور العبادة.. حيث الجامع والكنيسة، وعدم توظيفه سياسياً، ومن ثم تسود الروح المدنية حياتنا المجتمعية، من حيث فصل الدين عن السياسة، فيكون الدين لله والوطن لكل المواطنين وتصير مصر حقاً لكل المصريين دون تفرقة أو تمييز، ذلك أن الدين وكما ذهب الشهيد الدكتور فرج فودة "أعز من أن يقحم في السياسة".

ومن جهة أخري فقد أثبتت لنا حوادث التاريخ أنه متي التحم الدين بالسياسة-أو العكس- تأذي الدين وفسدت السياسة ولم تنتصر إلا خفافيش الجهل والتخلف التي تحكم باسم الدين وتظن أنها تمتلك الحقيقة المطلقة، فترفض الآخر وتستبعده، وتنتفي معهم قيمة التعددية أو التنوع وهي ظاهرة صحية في أي مجتمع ينبض بالحياة ويجري الدم في عروقه.

فالمواطنة، ليست فقط مبدأ دستورياً أو علاقة قانونية بين المواطن والسلطة بشتي أنواعها، ولكنها أيضاً ممارسة حياتية علي أرض الواقع بين المواطنين وبعضهم البعض، ومن ثم لابد وأن يتشبع كل مواطن بثقافة المواطنة فيتعامل مع جيرانه من أبناء الوطن علي قدم المساواة، مؤمناً بأنه ليس أعلي مرتبة من الآخرين، حيث يساعد هذا في وأد الكثير من الحوادث التي تأخذ بعداً طائفياً أو دينياً. فيؤمن المواطنون أن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين علي أرض مصر يجب أن تكون علاقة قوية ومتينة تقوم علي المحبة والتعاون والتآخي والتعاون المشترك..، وعلي أساس أن المواطن المسلم أو المواطن المسيحي (القبطي) هو مواطن مصري أولاً وقبل كل شيء، وأنهم نسيج واحد.. يجمعهم تاريخ مشترك، ويشكلون مع بعضهم "الجماعة الوطنية المصرية"، ذلك أن الأقباط ليسوا أقلية كما يدعي البعض وليسوا جماعة سياسية.. فمصر لنا كلنا إذ هي وطن لكل المصريين. ولعل هذا هو صلب قضية المواطنة التي ننشدها جميعاً.

عند تشكيل الوفد المصري للمطالبة باستقلال البلاد قبل تفجر ثورة سنة 1919م، سأل أحد الأقباط الزعيم سعد زغلول قائلاً له: "وماذا يكون مصير الأقباط بعد نيل الاستقلال؟!"، فأجابه الزعيم بكل ثقة: "إن للأقباط ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما علي المسلمين من واجبات".

وهي كلمات تؤكد في جوهرها مبدأ المواطنة من حيث المشاركة والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات رغم اختلاف الانتماء الديني.

بقلم : رامي عطا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer