بقلم د.حسن نافعة ٢٦/ ١١/ ٢٠١٠ |
وقعت خلال الأيام القليلة الماضية تطورات على الساحتين الداخلية والخارجية تثير القلق، وتؤكد تخبط النظام وعناده، وغياب رؤية سياسية تسمح له بتشخيص دقيق لما يجرى، وتقديم بدائل تسمح بمعالجة أزمات داخلية وخارجية تتفاقم باستمرار. فعلى الساحة الداخلية، ومع اقتراب يوم الحسم فى انتخابات مجلس الشعب، بدأت المنافسة بين المرشحين تأخذ طابعا خشنا، وصل إلى حد استخدام العنف، وتهديد بعض المرشحين بالقتل، أو حتى الإقدام على محاولات لاغتيالهم فعلا، طبقا لما ورد فى تقارير إعلامية أو على لسان بعض المرشحين. ولا يعكس هذا التطور حدة المنافسة بين مرشحين يتمتعون بفرص متكافئة بقدر ما يعكس إصرارا من جانب المسؤولين على أن تأتى النتائج الفعلية لهذه الانتخابات مطابقة لما هو مرسوم أو مخطط لها. ويُخشى إن استمر هذا الإصرار العنيد على تزوير الانتخابات أن تتطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، خصوصا أن الاتهامات باتت معروفة ومعدة سلفا، إذ يتوقع البعض عنفاً قادماً يراد تحميل مسؤوليته سلفا لجماعة الإخوان المسلمين، بدعوى أنها هى المبادرة باستخدامه للتغطية على انحسار شعبيتها، وهو ما أكده مسؤولون كبار.. ويبدو أن هذا تكتيك استباقى للتغطية على جرائم فى طور الإعداد، نسأل الله أن يقى مصر شرورها. على صعيد آخر، تابعنا على الساحة الداخلية أيضا - ربما بقلق أكبر - ما وقع من مواجهات دامية بين مئات المواطنين الأقباط وقوات الأمن، أسفرت عن سقوط قتيل وجرح العشرات واعتقال ما يقرب من ١٥٥ مواطنا، يجرى التحقيق معهم حاليا بمعرفة النيابة. وإن دلت هذه الأحداث، المؤسفة والخطيرة فى آن معا، على شىء فإنما تدل على أمرين كليهما مُرّ. الأمر الأول: افتقار الأجهزة الرسمية المعنية، بسبب سيطرة العقلية الأمنية عليها، لأبسط متطلبات الحنكة والحكمة والقدرة على التنسيق فيما بينها فى التعامل مع القضايا التى تتسم بالحساسية. والأمر الثانى: أن لجوء مواطنين مسيحيين إلى العنف ضد قوات الأمن هذه المرة، وهو تطور جديد، وليس ضد متطرفين على الجانب الآخر، ربما يكون مؤشرا على وصول الاحتقان إلى درجة مخيفة ومقلقة، وربما أيضا على وجود خلط فى الأوراق وعدم وضوح فى الرؤية عند الجميع. أما على المستوى الخارجى، فقد كان لتصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى «مليس زيناوى»، التى حـذر فيها مصر من عواقب وخيمة «قد تترتب على قيامها بشن حرب بسبب مياه النيل»، وقع الصدمة. والغريب أن الرئيس مبارك نفسه كان أول من فوجئ بهذه التصريحات، بل بدت صدمته أكبر من صدمتنا جميعا. وحين يصرح رئيس الدولة أثناء زيارته لقطر، بأن العلاقات بين مصر وإثيوبيا تبدو رغم ذلك طيبة للغاية، فمن حقنا نحن أن نتساءل عن الأسباب الحقيقية لهذا التصعيد المفاجئ من جانب رئيس الوزراء الإثيوبى، الذى يشير إلى أحد احتمالين كليهما مُرّ. الاحتمال الأول: أن تكون المعلومات المتاحة للسيد الرئيس عن حقيقة ما يجرى فى منطقة حوض وادى النيل غير كافية أو غير دقيقة، والاحتمال الثانى: أن تكون هناك أصابع أجنبية خفية تلعب من وراء ستار فى هذه المنطقة الحساسة، بينما نحن غافلون. ورغم أن تصريحات السيد حسام زكى، المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية، كانت معقولة ومنطقية، فإنها لا تكفى لطمأنة الشعب المصرى عما يجرى وراء حدود مصر الجنوبية، خصوصا فى ظرف يبدو فيه الجنوب السودانى مرشحاً للانفصال وإقامة دولة مستقلة. وأظن أن مصر بدأت تدفع ثمن إهمال نظامها الحاكم للعلاقات المصرية - الأفريقية فترة طويلة، وتجاهل التحركات الإسرائيلية التخريبية فى دول منابع النيل بذريعة الالتزام باتفاقية كامب ديفيد. يحلو للبعض أن يربط بين هذه الأحداث الثلاثة، ويرجعها إلى رغبة النظام فى التستر على أعمال التزوير المنهجى لانتخابات مجلس الشعب. ويعتقد هؤلاء أن النظام، حين تعوزه الحيلة، كان يلجأ دوما إلى تسخين الأجواء وافتعال معارك هدفها إطلاق «سحابة دخان» لشغل الناس أثناء قيامه بارتكاب جريمته الأصلية، ألا وهى تزوير الانتخابات. وإن صح هذا الاستنتاج فهو لعب بالنار جد خطير. لو كنت فى موقع الرئيس مبارك لاتخذت قرارا فوريا بإلغاء الانتخابات الحالية، ولأعلنت بدء مرحلة انتقالية تستهدف إخراج مصر من مأزقها الراهن، فالاستمرار فى الضلال لن يفضى إلا إلى التهلكة. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات