كتب سندس شبايك ٣٠/ ١١/ ٢٠١٠
مستخدما الشعار نفسه الذى وضعه الحزب الوطنى لكن بتصرف بسيط، وقف يهتف أمام لجنة انتخابات مدرسة عمر بن عبدالعزيز فى المرج.. صوته الذى بدأ يعلو تدريجيا وتزيد حدته بمرور الساعات وبتوافد الناخبين، لم يغن سوى لحن واحد، وضعه الحزب، دون أن ينتبه إلى أن مواطنا بسيطا سيغزل عليه كلمات جديدة، ليتحول «عشان تطمن على مستقبل ولادك» إلى «لو خايف على مستقبل ولادك بلاش تنتخب الوطنى». «الحرقة» التى هتف بها والتى لا تتناسب مع سنه المتقدمة، جعلته يجذب انتباه أغلب الناخبين الذين توافدوا على الدائرة، وبمرور الساعات عرف الجميع قصته، إذ كان منطقيا أن يتبع شعاره الجديد بتبريرات تقنع من حوله بأمرين، إما الانضمام إليه وتلبية دعوته بعدم انتخاب مرشحى الوطنى، وإما الانصراف عنه بقناعة أنه «الرجل الذى فقد عقله» صاحب الدعوة الذى اعتبره كثيرون بطلا للجنة الانتخابات فى المدرسة، نجار فى إحدى شركات القطاع العام، أصبح من أصحاب المعاشات بعد صراع طويل مع المسؤولين وعدد لا بأس به من الاحتجاجات، ليخرج فى النهاية «معاش مبكر» مقابل ٣٥ ألف جنيه مكافأة نهاية خدمة، و٥٩٥ جنيها معاشا شهريا، ضاعت المكافأة فى زواج ابن وابنة، ولم يبق له سوى المعاش يكمل به وزوجته و٣ أبناء آخرين الحياة، وذلك البيت الذى يسكنه وورثه عن أبيه وأعفاه من سداد إيجار سيقتطع جزءا كبيرا من معاشه. وجود «أبوالغيط» فى لجنة الانتخابات لم يكن منطقيا، فلم يسبق له الانتخاب من قبل، ولم يستخرج فى حياته بطاقة انتخابية إلا قبل عام، ومبرره فى مقاطعة الانتخابات هو نفس مبرره فى قرار المشاركة: «ما كانش عندى ثقة فى الانتخابات، لكنى قررت السنة دى أنتخب عشان أرفض الناس اللى أنا مش عايزها».. أبوالغيط أسهب فى شرح منطقه هذا، فى محاولة لحث الناخبين على اتباعه فى دعوته بعدم انتخاب مرشحى الوطنى: كفاية رحلة الكفاح اللى خضتها عشان آخد حقى، ومعاشى بعد سنين الخدمة الطويلة، لم أحصل على حقى إلا بانضمامى إلى حركة أصحاب المعاشات، وقتها أدركت أهمية مشاركتى فى الانتخابات واختيارى لعضو فى مجلس شعب يمثلنى ويعبر عن مشكلاتى. يقول هذا وهو لا يملك أى يقين على نزاهة الانتخابات، لكنه لا يملك أى يقين أيضا على تزويرها، وإن اعتبر أن تكنولوجيا التصوير باستخدام كاميرا التليفون المحمول صعبت التزوير، وأصبح من السهل أن يفضح الموبايل الحكومة بأكملها. وحده من بين أفراد أسرته قرر أبوالغيط أن يخوض التجربة، لكنه أعفى أبناءه منها، البنات لأن استخراج البطاقة الانتخابية يضطرهن للمرور من أمام الحجز داخل قسم الشرطة، مما يعرضهن للمعاكسات، أما الشباب فلا تعنيهم الانتخابات فى شىء، اللهم إلا إذا وزع المرشح وظائف، أو ضمن لهم على الأقل وظيفة. لم تنته حياة «أبو الغيط» بخروجه معاشا مبكرا، بل واصلها فى ورشة صغيرة مارس خلالها صنعته، ومن خلالها أصبح عضوا فاعلا فى حركة أصحاب المعاشات، ورغم أنه وهب نفسه للجنة الانتخابات أمس الأول، فإنه بدأ يومه كما هو معتاد بقراءة الجرائد على الإنترنت، والدخول على الـ«فيس بوك»، ولأن ميزانيته لا تكفى شراء الجرائد يوميا، اضطر إلى تعلم الكمبيوتر قبل ٦ سنوات، ليتمكن من قراءة الجرائد إلكترونيا، وتولى أبناؤه تعليمه الفيس بوك، واستغله هو للتعبير عن رأيه فى كل ما يحدث حوله بمنطق: كل ما أبقى عايز أقول حاجة أدخل أكتبها واللى عايز ينقلها ويوزعها بيعمل كده». قبل أن يتوجه إلى لجنة الانتخاب، لم يفت «أبو الغيط» المرور على دكانه الصغير، فهو تمهيد لحلمه الأكبر بامتلاك ورشة لتصنيع الأثاث بأسعار اقتصادية للشباب، ذلك الحلم الذى حال بينه وبين تنفيذه أمران: «مافيش وقت ومافيش فلوس».. وكلما تذكر «أبو الغيط» حلمه حزن على ماضيه، أيام نجاح الشركة التى كان يعمل بها، عندما شارك من خلالها فى تشييد دارى الإفتاء والأزهر. كل هذا لم يستغرق أكثر من ساعة فى عمر اليوم الانتخابى لـ«أبوالغيط» حيث توجه فى ساعة مبكرة إلى مدرسة عمر بن عبدالعزيز فى عزبة النخل بالمرج، وفى الطريق وهو يحدث نفسه عن أهم المشكلات التى يأمل فى المجلس الجديد أن يحلها، فكر فى الصرف الصحى، والمياه النظيفة، والشوارع غير الممهدة، والكهرباء، ووصل إلى قناعة واحدة تحل كل هذا، يلخصها: كله ممكن يتحل بالقرش، لأن البلد دى كل حاجة فيها ماشية بالقرش. أبوالغيط حاول أكثر من مرة ضم أعضاء حركة أصحاب المعاشات إلى دعوته بعدم انتخاب مرشحى الوطنى، وانتخاب منافسين لهم، لكن أغلب من دعاهم خذلوه، إما بالتكاسل عن الانتخاب من أساسه، أو ببيع أصواتهم لمن يدفع أكثر، مش مهم ١٠٠ أو ٣٠٠ جنيه أو حتى ساندويتش كومبو. داخل المدرسة بدأ أبوالغيط مغامراته، بحث فى البداية عن اسمه فى الكشوف، وأثناء هذا كاد يتعرض للسرقة، يضحك وهو يتذكر: «آه والله كنت هاتنشل، لقيت واحد بيحاول يحط إيده فى جيبى»، واكتفى ابو الغيط بإسكاته دون أن يبلغ عنه أو حتى يحاول إمساكه، ثم ينخرط بين أهالى الدائرة، وعلى لسانه حوار ممتد بدأه مع ناخب وأنهاه مع آخرين، ورغم تعدد شخوصه، فإنه –أى الحوار- لم يخرج عن نزاهة الانتخابات ومدى جدواها، والمرشح الذى يستحق التصويت له، مؤكدا وبعلو صوته أنه لن ينتخب «حمدى السيد» نائب الدائرة الحالى، لأنه لم يقدم شيئا لدائرته. رفضه العنيف لحمدى السيد، ليس بمثل عنف رفضه لترشيح رجال الأعمال، إذ يراهم بمنطق: «رجل الأعمال ماله ومال مجلس الشعب؟ ده المفروض واحد قاعد متفرغ لإدارة أعماله، كفاية إنه راجل مبسوط»، ولم يقدم أبو الغيط بديلا عمن استبعدهم، إذ يؤكد أن ضيق فترة الدعاية للمرشحين، جعلته وغيره من أبناء الدائرة لا يعرفون معلومات كافية عن المرشحين، تؤهلهم على الأقل لاختيارهم، وهو ما يبرره أيضا بمنطقه: «الحكومة عملت كده علشان مايبقاش قدامنا غير الحزب الوطنى، والنتيحة أنا فى لجنة ما أعرفش حد من المرشحين فيها». وكأنهما وجهان لعملة واحدة، يرفض «أبوالغيط» أيضا انتخاب أى من مرشحى الإخوان، مثل رفضه لمرشحى الوطنى.. هذه المرة برر موقفه بـ «لما امشى فى الشارع وأشوف واحد ملتحى أو واحدة منقبة، بحس بالأنانية، عايزين ياخدوا اللى هم عايزينه بالعافية»، الإيجابية الوحيدة التى ذكرها أبوالغيط كانت عن حزب الوفد، إذ توسم فيه الرجل خيرا، لأنه وحسب وصفه «شهد تغييرات ذكرتنى بحزب الوفد القديم». عندما دخل «أبوالغيط» أحد فصول المدرسة للإدلاء بصوته فوجئ بخلاف نشب بين رئيس اللجنة، ومندوبى المرشحين حول تفقد الصناديق قبل بدء الانتخابات، رئيس اللجنة قال «الصناديق جت مقفولة»، واعترض المندوبون على ذلك، وانتهى الخلاف برفض رئيس اللجنة استقبال المواطنين وقرر إغلاق هذا الفصل فى اللجنة، هنا تدخل «أبوالغيط» محاولا الحديث مع رئيس اللجنة، وإثناءه عن قراره، لكن رئيس اللجنة قال له «لو عايز تعمل محضر اعمل»، وقتها قرر «أبوالغيط» تحرير محضر، رافضا فكرة أن يستخرج بطاقة انتخابية ويكابد كل هذه المعاناة، وفى النهاية لا يدلى بصوته، لكنه حاول مرة أخرى وتصالح مع رئيس اللجنة وتم فتح باب التصويت مرة أخرى. أخيرا وصل أبوالغيط إلى الصندوق، وقف أمامه قليلا، لكنها فترة أراحته، إذ شعر لأول مرة فى حياته أنه قادر على الاختيار، رشح ٤: «ما أعرفش أى حاجة عنهم غير إنهم مش حزب وطنى». وخرج يدعو أبناء دائرته إلى عدم انتخاب أى مرشح للحزب الوطنى، فإذا بأطرف التعليقات تنطلق على دعوته من أحد المواطنين، قال هو الآخر بصوت أعلى: «والله كلنا نفسنا نقول الكلام ده بس انت مش خايف؟!»، فيرد «أبوالغيط»: ما عنديش حاجة أبكى عليها.. وافتكر قاعدة «هيسخطوك يا قرد». شاهد فيديو «مشاجرة بين المندوبين ورئيس لجنة المرج» على الرابط التالى: |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات