الأقسام الرئيسية

تصرف لا يليق بأى جامعة

. . ليست هناك تعليقات:


بقلم د.حسن نافعة ٩/ ١١/ ٢٠١٠

يدرك كل مهتم بالشأن العام فى مصر أن «جماعة ٩ مارس» ليست جماعة سياسية بالمعنى الحرفى للكلمة, وإنما هى جماعة تضم نخبة من الأساتذة المطالبين باستقلال الجامعات وترسيخ الحريات الأكاديمية فيها, وتعتبر أن التبعية لأجهزة الأمن أدت إلى قمع الحريات الأكاديمية وتسببت فى تدهور التعليم والبحث العلمى وفقدان الجامعات المصرية لمكانة علمية مرموقة كانت تحظى بها فيما مضى. ومن أهم ما يميز «جماعة ٩ مارس» أنها تضم مجموعة من أفضل العقول علماً، ومن أفضل الشخصيات والنفوس خلقاً وتهذيباً.

كما يدرك كل مهتم بالشأن العام فى مصر أن القضاء المصرى ليس «مسيساً», وأنه يعانى بدوره من تغول السلطة التنفيذية, المرفوض من شرفاء هذا الوطن, شأنه فى ذلك شأن مختلف المؤسسات فى الدولة. وحين أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكماً نهائياً وملزماً بضرورة إلغاء قرار وزير الداخلية بإنشاء حرس تابع لوزارته فى الجامعات المصرية كان دافعها للنطق قانونياً بحتاً ولم يتأثر بأى عوامل سياسية.

فقد أثبتت المحكمة بما لا يدع أى مجال للشك أن قرار وزير الداخلية المشار إليه خالف نصوصا صريحة فى الدستور, وفى قانون تنظيم الجامعات لعام ١٩٧١ والتعديلات التى أدخلت لاحقا عليه, وفى اللائحة التنفيذية المنظمة له. ولأنه يفترض أن يكون صدور حكم تاريخى كهذا انتصارا للجامعات المصرية كلها, أساتذة وطلابا, وليس لجماعة ٩ مارس وحدها, فقد بدا سلوك إدارة جامعة عين شمس مع وفد جماعة ٩ مارس، الذى قام بزيارتها مؤخرا, همجيا إلى أقصى درجة، ولا يمت بصلة للقانون أو للأعراف والتقاليد الجامعية المتحضرة.

لو كانت الدولة قد تعاملت مع حكم المحكمة الإدارية العليا, وهو حكم بات ونهائى وملزم وواجب التنفيذ الفورى, لما كانت هناك حاجة أصلا لزيارة هذا الوفد للتعريف بالحكم والتشاور مع زملائهم من جامعة عين شمس حول الخطوة المقبلة. ولو كانت إدارة الجامعة قد تعاملت مع الوفد الزائر وفقا للتقاليد الجامعية المتعارف عليها لتمت الزيارة فى هدوء ولمضى كل فى حال سبيله. ولأن إدارة جامعة عين شمس بدت حريصة على إثبات ولائها للنظام بأكثر من حرصها على التقاليد الجامعية المحترمة, فقد اجتهدت لإفساد الزيارة, بدفع عدد من البلطجية المسلحين بالمطاوى والجنازير والأحزمة للتحرش بالزائرين وتوجيه السباب لهم، بل والاعتداء عليهم.

وعندما ذهب بعض المعتدى عليهم إلى قسم الوايلى لتحرير محضر وجدوا أن «البلطجية» سبقوهم إلى هناك وبادروا بتحرير محاضر استباقية بدعوى أنهم هم المعتدى عليهم. الأخطر قيام إدارة الجامعة بإصدار بيان رسمى وصف الأساتذة الزائرين بأنهم «قلة مندسة من الغرباء», والبلطجية بـ«طلاب الجامعة الغيورين على هيبة جامعتهم», بل وذهب البيان إلى حد مطالبة رئيس جامعة القاهرة بالتحقيق مع الأساتذة «المتورطين» فى هذه الزيارة, وعلى رأسهم الدكتور عبد الجليل مصطفى, واتهمتهم بـ«انتهاك حرم الجامعة» والاعتداء بالسب والقذف على طلابها وتوجيه «ألفاظ بذيئة» إليهم.

يدرك كل من يعرف الدكتور مصطفى أنه يقينا لا يستطيع, حتى لو أراد, أن يوجه لأحد, أيا كان, ألفاظا تخدش الحياء, ناهيك عن أن تكون الألفاظ موجهة إلى طلاب جامعيين!.

لذا يسهل تماما على كل من يطلع على بيان رئاسة جامعة عين شمس أن يكتشف أنه يشكل فى حد ذاته وثيقة رسمية تدينها وتؤكد أن رئاسة الجامعة، أى جامعة, حين تكون معينة من قبل الحكومة وليست منتخبة من جانب أعضاء هيئة التدريس, تصبح دائما ألعوبة فى يد الأجهزة الأمنية، لذا لن تعود الجامعات المصرية لتشكل فضاء حقيقيا للمعرفة والإبداع إلا بتنفيذ حكم محكمة القضاء الإدارى باعتباره خطوة أولى على طريق الاستقلال والتمتع بالحريات الأكاديمية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer