19.10.2010
يأخذ الجدل الدائر حول قضية اندماج المهاجرين المسلمين في المجتمع الألماني، أبعادا تتداخل فيها مشاكل المهاجرين الاجتماعية والسياسية بخلفياتهم الثقافية والدينية. ولم يعد النقاش حول هذه القضايا مقتصرا على دوائر النخب السياسية والأكاديمية بل امتد إلى قطاعات واسعة من المجتمع الألماني، حيث أظهر استطلاع حديث للرأي أن 58 في المائة ممن استطلعت آراؤهم يرون أنه يجب الحد بدرجة كبيرة من حقوق المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية في ألمانيا.
وحسب استطلاع أجرته مؤسسة فريديتش ايبرت المقربة من الحزب الإشتراكي الديمقراطي المعارض، أن المجموعة التي تتفق مع عبارة"أنا لا أحب العرب" ارتفعت من 44 في المائة في استطلاع أجري عام 2003 إلى 55 في المائة هذا العام. وأشارت الدراسة إلى مؤشرات دالة على ارتفاع نسبة الآراء اليمينية المتطرفة بين مجموعات مختلفة من السكان الألمان.
وبرأي البروفيسور مهند خورشيد أستاذ كرسي الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية، فإن الصورة السلبية عن المهاجرين المسلمين تساهم فيها عوامل عديدة، وضمنها بعض المسلمين أنفسهم، لكنه شدد على أهمية إيجاد حلول مؤسساتية وقانونية لوضع الإسلام والجاليات المسلمة في الدولة والمجتمع الألماني.
وفيما يلي نص الحوار مع البروفيسور مهند خورشيد:
دويتشه فيله: ما هي ملاحظاتك على الطابع الذي يأخذه الجدل في ألمانيا حاليا حول موضوع الهجرة والاندماج؟
مهند خورشيد: هنالك مشكلة في السياسة الأوروبية بشكل عام، وتتمثل في خلط بين المشاكل الاجتماعية للمسلمين الذين أتوا في الستينات والسبعينات للعمل في البلاد، وكان يُعتقد بأنهم سيعودون بعد بضع سنوات لأوطانهم في تركيا أو البلاد العربية أو البوسنة، ولكن ما حدث هو أنهم بقوا، فالدولة والمؤسسات السياسية لم تهتم بإعداد برامج للاندماج وتعليم اللغة الألمانية لهؤلاء.
ونجد اليوم أنفسنا إزاء مشاكل اجتماعية متراكمة فيما يتعلق باندماج هؤلاء المهاجرين، مثل عدم إتقان اللغة الألمانية وصعوبة في تعليم أبنائهم وإيجاد فرص عمل. ولكن هذه المشاكل الاجتماعية، أصبحت فجأة، ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر /أيلول، يُضفى عليها طابع ديني وأصبح الإسلام يُحمل مسؤولية المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها مهاجرون جاؤوا في ظروف معينة وبمستوى تعليمي محدود. ونحن نحاول أن نقول للسياسيين بأن هذه المشاكل اجتماعية وليست دينية ويتعين البحث عن حلول وبرامج اجتماعية لمعالجتها.
إحدى دورات مؤتمر الإسلام في ألمانيا الذي يلتئم دوريا في برلين
ولماذا يستمر طرح مشاكل الاندماج في ألمانيا بهذا الشكل، رغم قيام مبادرات عديدة خلال السنوات الأخيرة للحوار حولها؟
منذ نهاية التسعينات بدأت الدولة الألمانية تهتم بمسألة الاعتراف بوجود مهاجرين أجانب، وقبل ذلك لم يكن الخطاب السياسي للدولة الألمانية يعترف بهذا الأمر وكان هنالك غياب لسياسة الاندماج. ونحن في ألمانيا مازلنا في بداية الطريق، أجل هنالك مؤتمرات للحوار حول الاندماج ومبادرات وبرامج في هذا الاتجاه، لكن من المبكر جدا الحديث الآن عن نتائج سياسة الاندماج.
ومع ذلك يمكننا الإشارة إلى بعض الخطوات الإيجابية، فالمهاجرون المسلمون، الوافدون مثلا من تركيا والبلدان العربية، لم يعودوا فقط فئات عمالية محدودة التعليم، بل أصبحت ضمنهم نسبة مهمة من المتعلمين ففي الجامعات مثلا نلاحظ أن نسبة الطلاب المسلمين ترتفع كما أن نسبة الطالبات تفوق نسبة الطلاب الذكور، وفي قطاعات الإدارة والإعلام والرياضة ومهن أخرى هنالك ارتفاع لنسبة المسلمين. واعتبر أن هذه المؤشرات إيجابية ومبشرة بمسار الاندماج الذي نقطعه وإن كان لا يزال في بدايته.
ما هي أوجه النقص أو النقد الذاتي الذي توجهه عند تأملك في الأحوال الاجتماعية والثقافية والسياسية للمهاجرين المسلمين في ألمانيا؟
أجل يتعين علينا أن نقوم بنقد ذاتي لأنفسنا كمسلمين، وأن نعترف بأننا نقع بدورنا كمسلمين في الخلط بين مقتضيات النقد الذاتي وبين الإسلاموفويا (ظاهرة الخوف من الإسلام) أو التهجم على الإسلام. فليس كل نقد موجه للإسلام أوالمسلمين هو نابع من منطلق الكراهية والتهجم على الإسلام.
وأعتقد أن هذه الالتباسات تجعل عملية النقد الذاتي حساسة جدا، وعلينا أن نعترف بأن الجاليات المسلمة تحاول تحسين أوضاعها، ولكن هنالك فئات هنا وهناك للأسف تسبب مشاكل للمسلمين، لأنها تعطي صورة عن الإسلام والمسلمين، مطابقة للصورة التي ترسمها بعض الأحزاب اليمينية أو الجماعات المعادية للإسلام والتي تتهم المسلمين بالتخلف.
هل يمكنك تقديم أمثلة محددة على السلوكيات أوالمواقف التي يتخذها بعض المسلمين وتتسبب في الإساءة لصورة الإسلام والمسلمين بشكل عام؟
مثلا عندما نطلع عبر اليوتوب على إمام ينتقد في خطبته مبدأ الاندماج في المجتمع الألماني أو ينتقد حوار الأديان أو يهاجم سياسات ألمانيا أو يتهم المجتمع بالانحطاط وفقدان الأخلاق. فعندما يقوم بعض الأئمة، الذين يفترض فيهم أن يكونوا قدوة للمسلمين، بالتهجم على ثقافة وأخلاق المجتمع الأوروبي الذي يعيشون فيه بشكل غير موضوعي، يجدر التساؤل عن مدى مساهمة مثل هذا الخطاب في تحسين صورة الإسلام والمسلمين، ناهيك عن الأزمة التي يسببها لعملية الاندماج.
كما نلاحظ أن بعض الأسر من المهاجرين المسلمين، يمتنعون عن إرسال أبنائهم للمدارس ودور الحضانة التربوية، الأمر الذي ينتج عنه صعوبات في تعلم اللغة الألمانية ستلاحق هؤلاء الأطفال طيلة حياتهم.
ينبغي أن نقوم كمسلمين بنقد ذاتي بشأن هذه الظواهر الاجتماعية السلبية، بالإضافة إلى نظرتنا الدينية، فليس كل المسلمين هنا يقدمون صورة إيجابية عن التسامح في الدين الإسلامي وقيم التضامن والتعاون وحب الآخرين.
وبالمقابل، كمثقف مسلم، ما هي الانتقادات التي توجهها لمكونات المجتمع الألماني السياسية والاجتماعية في تعاملها مع المهاجرين المسلمين؟
الملاحظة الرئيسية التي توجه للساسة في ألمانيا هي عدم الاعتراف بالمسلمين كجالية لها حقوقها مثل الجاليات أو الأقليات الدينية الأخرى. وما زلنا في بداية الطريق بهذا الصدد. كما أن المرأة المسلمة المحجبة تواجه صعوبات في التدريس والعمل، الأمر الذي يترك انطباعا عند المسلمين بأن المجتمع والطبقة السياسية ترفضهم. ولدينا أيضا نقاشات عقيمة حول بناء المساجد ورفع المآذن، وهي نقاشات غير مفيدة.
وأعتقد أن المهم هو أن يقوم الساسة والدولة الألمانية بتقبل المسلمين كجزء من المجتمع، وذلك على غرار ما قام به الرئيس الألماني بمناسبة ذكرى الوحدة الألمانية عندما أكد أن الإسلام أصبح جزءا من ألمانيا.
لكن بعض السياسيين ورجال الكنيسة في ألمانيا ينوهون إلى صعوبة منح الإسلام مكانة شبيهة بالمسيحية، بسبب الوضع الخاص الذي تتمتع به الكنيسة في علاقتها التاريخية والتعاقدية مع الدولة في ألمانيا، ويشيرون مثلا إلى صعوبة تمثيل المسلمين؟
إذا نظرنا مثلا إلى النمسا البلد الجار لألمانيا، لديهم منذ عام 1912 هيئة معترف بها رسميا من الدولة وتمثل المسلمين، واسمها الهيئة الإسلامية في النمسا، وهي تمثل المسلمين كهيئة معنوية عامة تمثلهم قانونيا. ومع أن الإسلام ليس فيه كنيسة، فعلينا نحن المسلمين أن نجتهد في إيجاد حلول كي يصبح الإسلام كجزء من المجتمع الألماني وله وجود قانوني. وهنالك محاولات في ألمانيا، حيث قام المسلمون عام 2007 بتأسيس مجلس تنسيق شؤون المسلمين(ك، آر، ام).
الذي كان محاولة لجمع مختلف الهيئات والطوائف والجمعيات الإسلامية، وهي تتحدث باسمهم جميعا، ولدينا أمل بأن تعترف الدولة الألمانية في السنوات القليلة المقبلة بال"ك، آر، ام" كممثل رسمي باسم المسلمين، وهنالك بوادر إيجابية أطلقها السياسيون الألمان في هذا الاتجاه، لأن هذه المسألة تحتاج إلى حل، والدولة الألمانية نفسها، كدولة علمانية لا تتدخل في شؤون المسلمين الداخلية، بحاجة إلى مخاطب رسمي باسم المسلمين ويطرح قضاياهم ويبحث عن حلول لها.
البروفسيور خورشيد: لا يمكن للمسلمين المطالبة بمنظومة قوانين موازية لقوانين الدولة الألمانية
يعتقد بعض الباحثين بأن صعوبة العلاقة بين المهاجرين المسلمين والدولة في أوروبا، مردها إلى أن الثقافة السائدة لدى المهاجرين تشكلت في دول إسلامية تختلف في أساسها الدستوري والفلسفي عن الدولة العلمانية الأوروبية، فهل يساهم قسم الدراسات الإسلامية الذي تشرفون عليه في الجامعة في بلورة حلول فكرية لهذه الإشكالية؟
في ألمانيا تُعرض على الإسلام أسئلة مستجدة وغير مسبوقة في تراثه، مثل علاقة الإسلام بالديمقراطية، والعلاقة بين الإسلام والعلمانية، والعلاقة بين المرأة والرجل في المجتمع الأوروبي الحديث، بالإضافة إلى أسئلة تتعلق بقراءة النص الديني الإسلامي، سواء القرآن أو أحاديث الرسول، في إطار مختلف هو إطار علماني. فنحن لا يمكننا المطالبة بمنظومة قانونية موازية لقانون الدولة، حيث لا يمكننا أن ننقل القرآن والسنة حرفيا إلى هذا المجتمع ونطبق العقوبات وغيرها من الأحكام كالإرث وغيره، لأن من شأن ذلك أن يحدث تصادما بين القوانين الإسلامية وقانون الدولة هنا. والمطلوب أن نصل إلى معادلة وسط بحيث لا نفقد هويتنا المسلمة وفي نفس الوقت نتعايش بشكل سلمي مع قواعد الدولة العلمانية.
ودون أن يحدث تضارب في شخصية الطالب المسلم، فهل هو مسلم أم ألماني؟ فالمطلوب أن نصل إلى معادلة يكون فيها الشخص مسلما وألمانيًا، مسلما وأوروبيًا، أي دون أن يكون هنالك تعارض بين هويته كمسلم وهويته كأوروبي.
ونحن ندرك أنها مهمة صعبة بالنسبة لنا، ومن خلال تدريس الدين الإسلامي في جامعة مونستر، نسعى للوصل إلى معادلة نظرية نعيد من خلالها النظر في التراث الإسلامي، ونطرح أسئلة حول الثوابت(غير المتغيرة) في الدين الإسلامي: العقيدة، الإيمان بوحدانية الله، والرسول، كما نطرح أسئلة اجتماعية تتطلب قراءة تاريخية للتراث، في أفق بلورة أجوبة معاصرة لأسئلة مجتمعنا وليس لأسئلة الماضي. فالمطلوب عدم التخلي عن أساسيات الإسلام وفي نفس الوقت عدم تعطيل الحياة الاجتماعية، لأن الدين الإسلامي ككل دين لم يأت لتعطيل الحياة بل جاء ليساعدنا على بناء حياة عامرة وشريفة، ولابد من التساؤل كيف يمكننا أن نحقق ذلك في هذا المجتمع، ونصل إلى معادلة وسط، وهذه أسئلة جديدة وهي غير معروفة في السياق الإسلامي في الدول الإسلامية. واعتبر أننا في بداية المشوار وأنا متفائل.
أجرى الحوار منصف السليمي
مراجعة: حسن زنيند
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات