الأقسام الرئيسية

من منا يتذكر راشيل كوري؟

. . ليست هناك تعليقات:
حول النزاع العربي الإسرائيلي
بقلـم برادلي بيرستون
03 ابريل/نيسان 2006




تل أبيب. من يتذكر اسم راشيل كوري؟

في إسرائيل، لا أحد تقريباً.

ولكن بالنسبة للعديد من الأميركيين أو البريطانيين ممن يساندون الفلسطينيين، وبالنسبة للعديدين من أندادهم ممن يساندون الإسرائيليين، مجرد ذكر الاسم يكفي لأن تغلي الدماء في العروق.

قبل ثلاث سنوات هذا الأسبوع سحقت هذه الفتاة التي تسكن مدينة اولمبيا في ولاية واشنطن والبالغة من العمر 23 عاماً وقتلت وهي تحاول أن تسد طريق جرافة مدرعة ضخمة تابعة للجيش الإسرائيلي.

من بين مآسي وضحايا الانتفاضة التي قتل فيها أكثر من 4000 شخص خلال خمس سنوات، تبقى قصة راشيل كوري بارزة وحدها وموضع اهتمام عالمي شديد وحوار عنيف.

عاطفة العديد من معجبيها تجيش إلى درجة أن تعليقاً عنوانه "بطلة النضال الفلسطيني" ظهر في صحيفة كينيا ديلي نيشن ربط بينها وبين آن فرانك.

وتبلغ مرارة الذين يردون على ذلك أن بعضهم اقترح، إما لاستثارة غرمائه أو كضرب من ضروب التهور، قائلاً: "كان ذلك متوقعاً".

الحوار بلغ حداً خلافياً، وظروف وفاتها اختُلف عليها لدرجة أن الحادثة أصبحت نوعاً من المرآة السحرية التي لا تجامل أحداً، نستطيع من خلالها رؤية نواحٍ من أنفسنا نفضل تجنّبها.

إنسَ، للحظة، نضالات زملائها أعضاء حركة التضامن العالمي مع الفلسطينيين الذين يؤكدون أن سائق الجرافة من طراز كاتربلر دي 9 الضخمة قاد جرافته قصداً مرتين فوق جسد راشيل كوري.

بدلاً من ذلك، تخيل، واقبل ولو للحظة، نتائج التحقيق التي توصل إليها الجيش فقط، من أن سائق الجرافة لم يكن بإمكانه رؤية راشيل كوري أمامه، وأن القائد المحلي، خوفاً من نيران القناصة الفلسطينيين تخطى الإجراءات العادية بوضع مراقبين لضمان عدم تضرر المشاهدين عند تقدم الجرافة.

هل الجيش الإسرائيلي إذاً هو الملام لموت امرأة غير مسلحة كانت تعرب عن احتجاجها؟ الجواب هو نعم. ولكن ليس للأسباب التي تصرّ عليها بشدة حركة التضامن العالمي.

أي إنسان كان داخل غرفة قيادة الجرافة المجهزة بنوافذ زجاجية مزدوجة مقاومة للرصاص تحيط بها ضواغط رفع ضخمة وأحياناً كثيرة طبقة من الطين، لديه ما يكفي من الأسباب لأن يصدق شهادة سائق الجرافة الذي قال أنه لم يكن بإمكانه رؤية راشيل كوري.

كما أنه ليس هنالك من سبب لأن نشك بما أدلى به القائد في الجيش الإسرائيلي الذي قال أن احتمالات وجود قناصين كان مرتفعاً عندما أمر مراقبيه بالبقاء داخل العربات المحصنة.

بغض النظر عن ذلك كله فإن الدرس الأساسي لنا نحن الإسرائيليين من موت راشيل كوري هو: القتل العرضي ليس أقل مأساوية من القتل المتعمد.

صحيح أن الانتحاريين الفلسطينيين والذين يطلقون النار من سيارات مسرعة والقناصون المختبئون استهدفوا المدنيين عن سبق إصرار وقتلوا الأطفال الرضّع والنساء الحوامل وكبار السن.

وصحيح أن بعض الفلسطينيين احتفلوا بالقتل المتعمد وبرره العديدون منهم إن لم يكن جميعهم، بالقول بأنه لا يوجد إسرائيليون غير محاربين. كبار السن والحوامل كانوا في يوم من الأيام في الجيش، والرضيع سيذهب إلى الجيش يوماً ما.

ولكن إذا كانت الانتفاضة أفسدت الفلسطينيين بحيث أصبحوا يبررون أو يمجّدون قتل غير المحاربين، فإنها أفسدتنا كذلك.

لسنوات طويلة وقفنا نتفرج ونعض على شفاهنا بينما نقتل أعداداً كبيرة من الفلسطينيين – ومن بينهم الأطفال والحوامل وكبار السن –إما عن طريق الخطأ أو بدلاً من سادة الحروب الإرهابية الذين وضعنا أسماءهم على قائمة انتظار للاغتيال.

نقطة تحول من نوع ما جاءت في تموز/يوليو عام 2002 عندما ألقيت قنبلة زنتها طن من طائرة لسلاح الجو فحولت مربع سكاني بأكمله في مدينة غزة إلى فوهة بركان، وقتلت القائد من حماس صلاح شحادة وتسببت بمقتل 13 آخرين. موجة الصدمة التي تبعت الهجوم كانت قوية لدرجة أن أكثر من أربعة وعشرين طيار احتياط وقّعوا بعد ذلك رسالة رفض، وقام الجيش بعملية إعادة تقييم لسياسة القوة الساحقة.

بالتأكيد، جهود الحد من الضحايا المدنيين كانت صادقة.

في أول سنتين من الانتفاضة كان المدنيون يشكلون حوالي نصف عدد القتلى من غارات الاغتيال الجوية، كما صرح رئيس سلاح الجو اليعازر شاكدي هذا الشهر. السنة الماضية، شكل المدنيون3.5 % فقط من ضحايا عمليات الاغتيال.

رغم ذلك كله فإن الموت العرضي ما زال يحدث بشكل متكرر، نتيجة لطبيعة القتال في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وقراها ومدنها. هذا الشهر أدت عملية اغتيال ضد اثنين من كبار قادة الجهاد الإسلامي إلى مقتل طفل في الثامنة من عمره ومراهق وشاب وجميعهم من غير المقاتلين.

الموت العرضي. إنه أمر تعلمنا العيش معه، وهو ثمن أمننا. نحن نعلم أننا لا نستطيع أن نستأصله بشكل كامل. ولكن علينا أن نظر إليه بشكل مختلف وبصدق حتى نتمكن من تحديده إلى أقل حد ممكن.

جزء منه يبدأ عندنا. "لم يكن هنالك من سبب لأن يكونوا هناك" ليس مبرراً لما أطلق عليه البنتاغون منذ زمن طويل "ضرر ثانوي".

لقد تعلمنا الكثير، ولكننا لم نصل بعد. كان يتوجب علينا أن ننقذ حياة راشيل كوري ذلك اليوم، إما عن طريق إرسال مراقب أو تأجيل عمل الجرافة. الآن، وفي مكان ما في الضفة الغربية هناك طفل يبلغ الثامنة من العمر يمكن إنقاذ حياته الأسبوع المقبل، إذا تمكنا من تعلم الدرس وكنا نملك القدرة على تطبيقه.

- برادلي برستون هو محرر نسخة الإنترنت الإنجليزية لهآارتز وكاتب في الصحيفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer