الكنيسة والثورة

  October 16th, 2012 10:32 am

د.عماد جاد

أعلنت اللجنة المكلفة بالإشراف على انتخابات البابا الجديد، وتحديدا التى كُلِّفت بمهمة اختيار ما بين خمسة إلى سبعة مرشحين من بين السبعة عشر مرشحا، أعلنت اختيارها لخمسة من المرشحين، اثنان من الأساقفة العموميين وثلاثة من الرهبان. وبمجرد أن أعلن القائمقام البطريرك الأنباء باخوميوس الأسماء الخمسة التى تم اختيارها، عمَّت فرحة عارمة وسط الأقباط، انتشرت السعادة بين عموم الأقباط وبين النخبة القبطية المدنية. مصدر السعادة مزدوج الأول هو خروج عدد من الشخصيات المرشحة لمنصب البابا والتى يتحفظ الأقباط عليها بشدة لاعتبارات عديدة، وعلى رأس هذه الشخصيات التى خرجت من السباق يأتى الأنبا بيشوى سكرتير المجمع المقدس وصاحب المواقف المتشددة تجاه الجميع، فقد هاجم الطوائف المسيحية الأخرى من كاثوليك وبروتستانت، وصفهم بالخروج على الإيمان، ومن ثم كان هناك خوف شديد من احتمالات نجاحه على العلاقات بين الطوائف المسيحية، التى كان الأنبا باخوميوس قد حقق تقدما ملموسا على طريق تحسينها. أيضا سبق للأنبا بيشوى أن هاجم المصريين المسلمين ووصفهم بالضيوف، وهو أمر أثار ردود فعل غاضبة داخل الأوساط الإسلامية، ونجح البابا شنودة بكل ما له من تأثير وعلاقات مع المؤسسات الإسلامية، وعلى رأسها الأزهر، فى احتواء ردود الفعل الإسلامية الغاضبة. وعندما أراد الأنبا بيشوى فتح صفحة جديدة مع المسلمين، تحسبا واستعدادا لانتخابات البابا التى كان يقاتل فى سبيل خوضها، أهان المرأة المصرية المسيحية عندما دعاها إلى الاقتداء بالمرأة المسلمة فى الاحتشام، وهو أمر أثار غضب المرأة المصرية المسيحية وخرجت هاجمته بضراوة وطالبته بالاعتذار وتحت الضغط قدم اعتذاره للمرأة المصرية المسيحية. وتعلم مصادر عديدة أن الأنبا بيشوى كان يقاتل من أجل الترشح للمنصب البابوى، وكان يجرى الاتصالات التى تضمن له أن يكون من بين الثلاثة الحاصلين على أعلى الأصوات، ومن ثم يدخل إلى القرعة الهيكلية، وفى سبيل ذلك استعان بالأنبا أرميا سكرتير البابا الراحل، والرجل القوى الذى كانت له اتصالاته بجماعة الإخوان المسلمين وبالمجلس العسكرى، كان المصدر الرئيسى للمعلومات للمجلس العسكرى، وكان من يرشح للمجلس العدد المطلوب تعيينهم فى المناصب العامة من الأقباط. لم يترشح الأنبا أرميا لأنه تحالف مع الأنبا بيشوى، وفى حال فوز الأخير كان الأول سيحل محله فى كونه الرجل القوى فى الكنيسة ومركز الاتصال مع أجهزة الدولة ومؤسساتها، واستبعاد الأنبا بيشوى من سباق الانتخابات على منصب البابا يعنى ابتعاده والأنبا أرميا عن المقر البابوى، وتحديدا عن مراكز النفوذ وصنع القرار. الأمر الثانى فى العنصر الأول هو استبعاد الأنبا يؤانس سكرتير البابا الراحل من السباق الرئاسى، الذى كانت له اتصالاته الخاصة بأجهزة الدولة المصرية، ولا ننسى أنه أراد توجيه الشكر إلى الرئيس السابق مبارك فى أثناء الصلاة على جثامين شهداء كنيسة القديسيْن، فثار عليه الشباب واحتجوا بشدة وطالبوا بخروج ممثلى مبارك من الدير الذى كانت تُقام فيه الصلاة، وكان دوره فى التعامل مع جريمة ماسبيرو مثيرا لغضب الشباب القبطى الذى كان يهتف ضد العسكر، من هنا جاء خروج الأنبا بيشوى، ومعه الأنبا أرميا من ناحية وخروج الأنبا يؤانس من ناحية ثانية خبرا مفرحا لأقباط مصر الذين شعروا بأن قائمقام البابا أقدم على قرار شجاع وقوى باستبعاد الرجال الأقوياء من سباق الانتخابات البابوية. أما الجانب الثانى من مصدر سعادة الأقباط فهو الشخصيات الخمس التى تم اختيارها لخوض السباق، فالأقباط يشعرون بالارتياح الشديد للمرشحين الخمسة الذين سيخوضون الانتخابات، والرأى المشترك لدى الغالبية الساحقة من الأقباط هو أنهم سيكونون سعداء فى حال نجاح أى من المرشحين، فما كانوا يخشون نجاحه بات خارج السباق، وهو الأمر الأهم، أما المرشحون سواء الأسقفين العامين أو الرهبان الثلاثة فإنهم جميعا محل تقدير واحترام، فالأنبا روفائيل أسقف عام كنائس وسط القاهرة شخص يحظى بالاحترام والتقدير، يهرب من الإعلام وزاهد فى المناصب، وقد قاوم بشدة الضغوط التى مُورست عليه ليرشح نفسه، وكان يرغب فى الانسحاب حتى قبيل إعلان اسمه ضمن من سيخوضون سباق الانتخابات، يكفى أنه تلميذ الأنبا موسى أسقف عام الشباب. ينطبق الأمر أيضا على أسقف عام البحيرة الأنبا تواضروس. أما الرهبان الثلاثة فمن بينهم تلميذ البابا كيرلس السادس صديق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وعودته إلى الواجهة تعيد لنا ذكريات زمن جميل فى مصر. باختصار ما قام به الأنبا باخوميوس ومعه اللجنة المشرفة على الانتخابات البابوية هو ثورة حقيقية داخل الكنيسة هيَّأت لمرحلة جديدة من إعادة الكنيسة لدورها الروحى.