Mon, 15/10/2012 - 21:08
هل كانت الثورة المصرية قانونية..؟ هل
كان تظاهر ملايين المصريين من أجل خلع مبارك تصرفا دستوريا..؟ ألم يكن حسنى
مبارك عندما قامت الثورة، من الناحية القانونية، رئيسا شرعيا منتخبا..؟ كل
ما حدث فى الثورة المصرية كان مخالفا للقانون. لقد قامت الثورة أساسا ضد
انتخابات مبارك المزورة وقوانينه الظالمة ودستوره الفاسد. لو كان دستور
مبارك معبرا عن الإرادة الشعبية ولو كانت قوانين مبارك عادلة لما احتاج
المصريون إلى الثورة. الثورة دائما تقوم لإسقاط النظام الظالم بقوانينه
ودستوره ثم تنتقل السلطة إلى الشعب الثائر ليمارس بالشرعية الدستورية تطهير
الدولة من الفاسدين ثم يتم انتخاب جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد يعبر
عن أهداف الثورة ويتم تشريع منظومة قوانين جديدة تحقق العدالة التى قامت
الثورة من أجلها.. هذا ما فعلته الثورات جميعا خلال التاريخ الإنسانى.. أما
الثورة المصرية فقد نجحت فى خلع مبارك ولم تنجح حتى الآن فى إسقاط نظام
مبارك. اتفق المجلس العسكرى مع الإخوان المسلمين على الإبقاء على النظام
القديم وبدلا من إلغاء الدستور القديم تم تقديم التعديلات الدستورية ذاتها
التى اقترحها مبارك وعين العسكر لجنة تعديلات تضم رجال قانون تابعين لنظام
مبارك وآخرين ينتمون إلى الإخوان المسلمين.. أذكر أننى اتصلت بأحد أعضاء
اللجنة وهو أستاذ قانون معروف بانتمائه للإخوان.. سألته مباشرة:
- لماذا تريدون تعديل الدستور القديم الذى أسقطته الثورة.. أليس الواجب أن تكتب الثورة دستورا جديدا معبرا عنها..؟
وافقنى على رأيى ثم قال كلاما كثيرا لتبرير التعديلات الدستورية وبعد حوار طويل قال لى بوضوح:
- الشرعية انتقلت من الثورة إلى المجلس العسكرى وله الآن أن يفعل ما يشاء.
شيئا فشيئا اتضحت الصفقة بين الإخوان
والعسكر، المجلس العسكرى المعاد للثورة الذى يريد القضاء عليها بأى طريقة
وجد فى الإخوان حليفا منظما قادرا على حشد البسطاء عن طريق خطباء المساجد
ورشاوى الزيت والسكر ليصوتوا بما يريده المجلس العسكرى، والإخوان المتعطشون
للسلطة بأى طريقة تحالفوا مع العسكر لكى يضمنوا الوصول إلى الحكم. الإخوان
انقلبوا على الثورة وتخلوا عن أهدافها ونادوا بالانتخابات أولا حتى
يتمكنوا من كتابة الدستور الذى يريدون.. من أجل كسر إرادة الثوريين، تسبب
المجلس العسكرى فى مذابح عديدة راح ضحيتها مئات الشهداء وآلاف الجرحى وسط
مباركة إخوانية كاملة لدرجة أن رموز الإخوان لعنوا الثوار واتهموهم
بالبلطجة.. فى النهاية حدث الخلاف بين العسكر والإخوان وتم حل مجلس الشعب
ووجد المصريون أنفسهم فى انتخابات الرئاسة مضطرين اضطرارا إلى انتخاب
الرئيس مرسى ليس حبا فى الإخوان ولا اقتناعا بأفكارهم وإنما من أجل حماية
الثورة وإسقاط شفيق تلميذ مبارك المخلص.. بعد ثلاثة أشهر من حكم الرئيس
مرسى نراه للأسف يبتعد عن تحقيق أهداف الثورة ويعقد تحالفا مع فلول نظام
مبارك لصالح الإخوان. فى وسط هذا المشهد المضطرب جاءت أزمة النائب العام
عبدالمجيد محمود. تحدث معه مستشارو الرئيس وعرضوا عليه بشكل ودى تقديم
استقالته على أن يتولى منصب سفير مصر فى الفاتيكان. وافق النائب العام وطلب
أن يكون سفيرا فى بلاد عربية لأنه لايجيد اللغات. وفى اليوم التالى غير
النائب العام رأيه وأعلن أنه متمسك بمنصبه واعتبر مكالمة مستشارى الرئيس
تهديدا له وتعديا على استقلال القضاء. وتضامن مع النائب العام كثيرون.
بعضهم ثوريون يخشون من سيطرة الإخوان على القضاء ومعظمهم فلول النظام
القديم الذين يشكل بقاء النائب العام أكبر ضمانة لحمايتهم من المحاسبة عما
اقترفوه فى عهد مبارك. عبدالمجيد محمود اختاره حسنى مبارك وأحضره من نيابة
أمن الدولة التى عمل فيها سنوات طويلة ليعينه نائبا عاما.. سأستشهد هنا بما
أعلنه مركز النديم لمناهضة التعذيب الذى أصدر بيانا قال فيه:
«إن مركز النديم استقبل الآلاف من حالات
التعذيب والتى دأب مكتب النائب العام عبدالمجيد محمود على إغلاق ملفاتها
واحداً تلو الآخر بقرار لا يقبل الطعن عليه، وذلك بأن يُحفظ «لعدم كفاية
الأدلة»، وبذلك حرم آلاف الضحايا من الوصول إلى ساحة المحاكم بحثا عن
العدالة.
هذا بخلاف عشرات القضايا التى أخضعها النائب
العام لمواءمات سياسية مثل قضية عبارة الموت وقتل المتظاهرين وقضايا فساد
أحمد شفيق وغيرها. فلنتوقف إذن عن ربط النائب العام باستقلال القضاء. إن
بقاء النائب العام فى منصبه ليس انتصارا لاستقلال القضاء وإنما انتصار
لنظام مبارك الذى استطاع أن يفرض أحد أهم رموزه فى منصبه لأربعة أعوام
قادمة بكل ما يعنى ذلك من المواءمات السياسية التى ستمنع أى تغيير ثورى أو
أية محاسبة جادة للفاسدين. هؤلاء الغاضبون لاستقلال القضاء أين كانوا عندما
انتهكت الولايات المتحدة سيادة مصر وانصاع لها المجلس العسكرى وقام
المستشار عبدالمعز بعقد محكمة خاصة من أجل الإفراج عن المتهمين
الأمريكيين..؟!. العجيب أن الذين هللوا لبقاء النائب العام هم أنفسهم الذين
منعوا إقالة المستشار عبدالمعز أو محاسبته على تهريب المتهمين
الأمريكيين.. أنصار استقلال القضاء لماذا لم نسمع آراءهم فى انتداب بعض
القضاة فى الوزارات مقابل مكافآت سخية بينما هم يفصلون فى قضايا قد يكون
منها ما يخص الوزارات التى يعملون فيها..؟ ما رأيهم فى بعض القضاة الذين
شاركوا فى تزوير الانتخابات وما رأيهم فى تعيين أولاد بعض المستشارين فى
النيابة بتقدير مقبول ومنع المتفوقين من أبناء العامة.. معظم القضاة فى مصر
شرفاء مستقلون من وحى ضمائرهم لكن النظام القضائى فى مصر ليس مستقلا
ولايمكن أن يكون النائب العام الذى أهدر حقوق الشهداء نموذجا لأى قضاء
مستقل.. تغيير النائب العام كان هدفا أصيلا من أهداف الثورة.. لماذا إذن
عندما حاول الرئيس مرسى إقالة النائب العام انقلبت عليه الدنيا وهاجمه
الجميع بمن فيهم بعض الثوار..؟! السبب انعدام الثقة بين الرئيس مرسى والقوى
الثورية. الثوار يذكرون جيدا تاريخ الإخوان فى الصفقات الانتهازية وتخليهم
عن الثورة من أجل مصالحهم كما أن العلاقة بين الرئيس وتنظيم الإخوان
المسلمين غامضة تماما. لا يعرف أحد فعلا إن كان الرئيس مرسى يتخذ قراره
بنفسه أم أنه ينفذ تعليمات مرشد الإخوان.. لماذا قام الرئيس مرسى بتكريم
المستشار عبدالمعز الذى ارتبط بفضيحة تهريب المتهمين الأمريكيين؟!. لماذا
كرم الرئيس مرسى المشير طنطاوى والفريق عنان بدلا من محاكمتهما وهل ماحدث
صفقة للخروج الآمن ولماذا لم يتم التحقيق فى المذابح التى قام بها المجلس
العسكرى..؟ لماذا امتنع الرئيس مرسى عن تطهير وزارة الداخلية بل إنه احتفى
باللواءات الموالين لنظام مبارك واختار منهم وزير الداخلية أحمد جمال الدين
وهو المسؤول عن مذبحة محمد محمود لكن الرئيس مرسى بدلا من محاكمته قلده
الوزارة ليضمن ولاءه للإخوان.. لماذا أبقى الرئيس على جهاز الأمن الوطنى
ولم يلغه أو يجعل منه وحدة لجمع المعلومات كما طلبت الثورة ولماذا اختار
الرئيس اللواء خالد ثروت المسؤول عن ملف الإخوان ليكون رئيسا لجهاز الأمن
الوطنى..؟! لماذا لم يلغ الرئيس مرسى وزارة الإعلام كما طالبت الثورة بل
وضع على رأسها أحد الإخوان المسلمين الذى يتلخص دوره حتى الآن فى قمع كل من
ينتقد الإخوان..؟!.. معظم القرارات التى اتخذها الرئيس مرسى لا تفيد
الثورة بل تهدر أهدافها وتعقد ارتباطا جديدا بين الإخوان ونظام مبارك، أليس
من حق الناس بعد كل ذلك أن يتشككوا فى الغرض من قرارات الرئيس؟!.. إقالة
النائب العام مطلب شعبى كيف ينجزه الرئيس بيد وهو بيده الأخرى يهدر أهداف
الثورة لصالح الإخوان المسلمين.. لا يمكن للرئيس مرسى أن يخدم سيدين (كما
قال الإنجيل). لايمكن للرئيس أن يكون مخلصا لأهداف الثورة ومصالح الإخوان
فى نفس الوقت. إن ما حدث يوم الجمعة الماضى أكبر دليل على هذا التناقض
فبينما الرئيس مرسى يحاول إقالة النائب العام حشدت جماعة الإخوان المسلمين
الآلاف من أنصارها فاعتدوا بطريقة همجية وفاشية على الثوريين.. هذا التخبط
هو الذى أفقد الرئيس الدعم الشعبى وجعله يخسر معركة النائب العام ولسوف
تتوالى خسائره إن لم يأخذ قراره بوضوح.. على الرئيس أن يختار إما أن يكون
مندوب المرشد فى رئاسة الجمهورية فيعمل لصالح الإخوان المسلمين وإما أن
يكون رئيسا للمصريين يتبنى تحقيق أهداف الثورة حتى لو خالفت مصلحة
الإخوان.. مازالت أمام الرئيس فرصة لعلها تكون الأخيرة لإصلاح المسار
والانحياز للثورة وذلك بتحقيق الخطوات التالية:
أولاً: تقنين أوضاع جماعة الإخوان المسلمين
وإعلان ميزانيتها وإخضاع تمويلها لرقابة الدولة ومنع تدخل قياديى الجماعة
فى شؤون الدولة ماداموا لايشغلون مناصب رسمية.
ثانياً: إجراء حركة تطهير شامل فى أجهزة
الدولة وأولها وزارة الداخلية التى يقودها حتى الآن لواءات العادلى
المسؤولون عن القمع والفساد وقتل الثوار والانفلات الأمنى.
ثالثاً: محاكمة المشير طنطاوى والفريق عنان
واللواء حمدى بدين واللواء حسن الروينى المسؤولين عن المذابح المتعاقبة
التى راح ضحيتها مئات الشهداء.
رابعاً: تكوين محاكم خاصة للثورة بالتنسيق
مع المجلس الأعلى للقضاء، تتولى التحقيق فى المذابح وقتل المتظاهرين ويمنح
أعضاؤها من القضاة سلطة التحقيق مع العسكريين والمدنيين من أجل تحقيق
العدالة الحقيقية.
خامساً: تنفيذ الوعد الرئاسى بإعادة التوازن
إلى اللجنة التأسيسية للدستور وذلك بضم عدد مناسب من ممثلى القوى
الديمقراطية والثورية وإعطائهم حق التصويت حتى يخرج الدستور معبرا عن إرادة
المصريين جميعاً.
سادساً: تحقيق العدالة الاجتماعية وذلك
بتطبيق الحد الأقصى والأدنى للأجور وضم أموال الصناديق الخاصة إلى خزانة
الدولة واعتماد سياسة الضرائب التصاعدية على الأغنياء وإلغاء دعم الخدمات
(الغاز والكهرباء والماء) عن المصانع التى تبيع منتجاتها بالأسعار
العالمية. هذه الإجراءات ستوفر للدولة مليارات الجنيهات وربما تغنى الرئيس
عن الاقتراض من الخارج.
سابعاً: إلغاء وزارة الإعلام وتحقيق
الاستقلال للمؤسسات الصحفية بدلا من تبعيتها لمجلس الشورى وإلغاء تهمة
إهانة الرئيس التى تستعمل فى إرهاب المعارضين والتى تعتبر فى حد ذاتها أكبر
إهانة للرئيس.
هذه أمثلة على خطوات عملية لتحقيق أهداف
الثورة، لو أقدم عليها الرئيس مرسى سيحظى بتأييد المصريين جميعا أما لو
استمر الرئيس فى مهادنة النظام القديم لصالح الإخوان المسلمين فسوف يفقد كل
شىء وبأسرع مما يتصور.
الديمقراطية هى الحل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات