الأقسام الرئيسية

غداً ستكون أنت المتهم..

. . ليست هناك تعليقات:

Tue, 06/09/2011 - 08:05

فى يوم 9 مارس كان المواطن جورج مجدى عطا مع أربعة من أقاربه الشبان خارجين من محطة المترو فى ميدان التحرير بينما كانت الشرطة العسكرية تفض اعتصاماً بالقوة. تم القبض على الشبان الخمسة وكلهم موظفون يعملون فى شركات محترمة لكنهم فوجئوا بتحويلهم إلى محاكمة عسكرية عاجلة مع عشرات المتظاهرين بتهمة حيازتهم زجاجات مولوتوف والاعتداء على الشرطة العسكرية.
 الغريب أن النيابة العسكرية قدمت عشر زجاجات مولوتوف كدليل إدانة لعدد 200 متهم، وذلك يعنى أن كل عشرين متهماً استعملوا زجاجة مولوتوف واحدة، والأغرب من ذلك أن أحد المتهمين الشبان واسمه «رومانى كامل» مصاب بشلل الأطفال، مما يجعل اعتداءه على الشرطة العسكرية مستحيلاً من الناحية العملية. بعد 24 ساعة فقط تم الحكم على الشبان الخمسة بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وبعد أن قضوا فى السجن الحربى أسابيع طويلة، وبعد أن توسل أهلهم وبكوا فى وسائل الإعلام واسترحموا السلطات تم تخفيف الحكم إلى عام واحد مع إيقاف التنفيذ (مما يجعلهم دائماً تحت سيف القضاء العسكرى).
أما المواطن سيد صبحى عبدالحميد فهو يعمل سائقاً فى محافظة البحيرة، وعندما حصل ابنه على دبلوم التجارة اشترى له سيارة ليعمل عليها سائقاً، وبينما السائق الابن يقود سيارته على طريق «رشيد - الإسكندرية» فوجئ بأن الطريق مغلق وحدثت مشادة بينه وبين مأمور قسم إدكو فأمر بالقبض عليه وتم تحويله إلى المحاكمة العسكرية بتهمة البلطجة وحيازة السلاح، وصدر ضده الحكم بخمس سنوات حبساً مشدداً وخمس سنوات مراقبة، أما الشاب أحمد عبدالرحمن عبدالرحيم «25 عاما» من الإسكندرية، فقد أبلغ ضده أحد الجيران بأنه يقوم بتعلية دور إضافى فى بيته دون ترخيص فتم القبض عليه وتقديمه لمحاكمة عسكرية أصدرت حكماً بحبسه خمس سنوات، وعندما تظلم أهله أعيدت محاكمته ليصدر الحكم مرة أخرى بنفس العقوبة..
 الحكايات كثيرة عن المحاكمات العسكرية التى تعرض لها مواطنون مدنيون، فمنذ تنحى حسنى مبارك يوم 11 فبراير حتى الآن، أى خلال سبعة أشهر فقط، تم تقديم 12 ألف مصرى مدنى إلى محاكمات عسكرية. إن تحويل المدنيين إلى المحاكمات العسكرية انتهاك صارخ لمبادئ العدالة وقواعد القانون وحقوق الإنسان، كما أنه يخالف الاتفاقيات الدولية التى وقّعت مصر عليها. من حق أى إنسان أن يحاكَم أمام قاضيه الطبيعى.
القاضى الطبيعى هو القاضى النظامى الذى يعمل مستقلاً تماماً عن السلطة التنفيذية، وهذا الاستقلال لا يتوفر إطلاقاً فى القاضى العسكرى لأن القضاء العسكرى، إدارة تابعة لوزارة الدفاع، كما أن القاضى العسكرى بالرغم من دراسته القانونية فإنه فى النهاية ضابط يخضع للتعليمات والعقوبات الإدارية ويتلقى مكافآت من رؤسائه.
المحاكمات العسكرية إذن ظلم بيّن وانتهاك لحقوق المصريين المدنيين، كما أن الطريقة التى تجرى بها المحاكمات العسكرية تفتقر إلى أبسط الضمانات القانونية: أهالى المتهمين يعانون الأمرّين ليعرفوا أماكن احتجاز أقاربهم، وعادة لا يُسمح لهم باختيار محاميهم، كما أن القاضى العسكرى فى أحوال كثيرة يحاكم كل خمسة أو عشرة متهمين دفعة واحدة، أضف إلى ذلك أن سرعة التقاضى لا يمكن أن توفر العدالة.. هل من العدل أن تُنظر قضية فى يوم أو يومين ثم يصدر الحكم بخمس سنوات سجناً؟!
هل من العدل أن يحاكَم مواطن مدنى لأنه قام بتعلية دور فى بيته دون ترخيص أمام محكمة عسكرية بينما حبيب العادلى ومساعدوه الذين قتلوا مئات المصريين يحاكَمون أمام قاضيهم الطبيعى ويتمتعون بكل الضمانات القانونية؟! إن إصرار المجلس العسكرى على تحويل المدنيين إلى محاكمات عسكرية يفتح الباب لأسئلة عديدة نوجزها فى التالى:
أولا: لماذا تتعامل الشرطة العسكرية مع المصريين بهذه القسوة..؟!
طبقا لتقارير منظمات حقوقية مصرية ودولية فقد ارتكب أفراد الشرطة العسكرية انتهاكات مؤسفة وجسيمة لكرامة المصريين وحقوقهم الإنسانية. لأول مرة فى تاريخ مصر، يتم القبض على 17 فتاة من المتظاهرين يوم 9 مارس فتجبرهن الشرطة العسكرية على إجراء اختبارات للتأكد من عذريتهن ..
 توسلت الفتيات للضباط لكى يتركوهن لكنهم أجبروهن على خلع ملابسهن والاستلقاء عاريات تماماً أمام عيون رجال لا يعرف أحد إن كانوا أطباء أم متفرجين، وتم تصويرهن عاريات والكشف على مواطن العذرية فيهن أمام الواقفين. شهادات البنات موثقة بالأسماء والصوت والصورة، وهذه الواقعة المؤلمة فى ذاتها تشكل جريمة هتك عرض لبنات مصريات كان يفترض أن يحافظ أفراد الشرطة العسكرية على أعراضهن لا أن ينتهكوها..
عشرات الشهادات الموثقة يحكى فيها المتظاهرون كيف تعرضوا للإهانات والضرب المبرح والصعق بالكهرباء عندما قبض عليهم أفراد الشرطة العسكرية الذين كانوا يطلبون منهم الركوع بغرض إذلالهم أو يجبرونهم على النوم على الأرض ثم يمشى العساكر على ظهورهم. سأكتفى هنا بجزء من شهادة (وثقها مركز النديم) لسيدة مصرية اسمها «زينب» تم القبض عليها ثانى أيام رمضان فى ميدان التحرير إذ تقول:
«كانوا كتير قوى ماسكنّى من إيديا الاتنين.. وإحنا ماشيين واحد رفع البلوزة وبدأ يضربنى على جلدى على طول، ويشتمنى شتيمة قذرة فى الشرف وعملوا لى زفة قذرة. أنا ماكنتش حاسة بألم من الضرب أنا كنت باتألم من الإهانة بسبب تعرية جسمى وشتمى. لا إله إلا الله. ده ميدان التحرير اللى أحسن ناس فى مصر ماتت فيه».
كانت «زينب» محظوظة، بعد أن ضربوها وهتكوا عرضها أثار منظرها وهى عارية ومُهانة شفقة بعض جنود الشرطة العسكرية فتشفعوا عند القائد الذى أطلق سراحها.
لماذا تتعامل الشرطة العسكرية بهذه القسوة مع المتظاهرين..؟ أعتقد أن الشرطة العسكرية لا تختلف كثيراً عن مباحث أمن الدولة فى رؤيتها للمتظاهرين. الذين يعملون فى أجهزة القمع يحتاجون نفسياً للتفكير فى ضحاياهم باعتبارهم عملاء أو مومسات أو أعداء للوطن. الذى يمارس القمع لابد أن يشوه فى ذهنه صورة ضحاياه حتى يقتل ضميره ويتمكن من قمعهم وتعذيبهم.
ثانياً: هل تساعد المحاكمات العسكرية فى القضاء على البلطجة؟
هذا غير حقيقى أولاً لأن القانون العادى يكفى جداً لمواجهة الجرائم جميعاً، وثانياً لأن المحاكمات العسكرية نادراً ما تم استعمالها ضد البلطجية الحقيقيين. مصر تعيش حالة خطيرة من الانفلات الأمنى، فقد أطلق نظام مبارك 23 ألف سجين جنائى من السجون لترويع المصريين، وحتى الآن لم يتم تطهير جهاز الشرطة من قيادات النظام السابق الذين ينفذون خطة فيما يبدو بغرض التقاعس عن حماية الأمن حتى يعاقبوا المصريين على الثورة ويجعلوهم يندمون عليها. ماذا فعلت الشرطة العسكرية للقضاء على الانفلات الأمنى..؟!
 الإجابة: لا شىء تقريباً. إن المحاكمات العسكرية التى طالت صحفيين وإعلاميين وثواراً ومتظاهرين ومواطنين بسطاء لم تقترب من البلطجية الحقيقيين إلا نادراً.. فى محافظة قنا تم قطع أذن مواطن قبطى بواسطة بلطجية ولم يتم القبض عليهم، وفى قنا أيضاً تم إغلاق خط قطار الصعيد لمدة عشرة أيام بواسطة بعض الأشخاص فلم تقبض عليهم الشرطة العسكرية، بالإضافة إلى ذلك تم إحراق كنائس عديدة فى أطفيح وإمبابة، وظهر المعتدون فى تسجيلات بالصوت والصورة لكن الشرطة العسكرية لم تقبض عليهم، بل إن أحد المواطنين الملتحين ظهر فى فيديو مسجل وهو يحرض على حرق الكنائس ولم تقترب منه الشرطة العسكرية، وفى أحداث العباسية كان البلطجية يعتدون على المتظاهرين فأصابوهم وقتلوا الشهيد محمد محسن أمام أنظار الشرطة العسكرية التى اكتفت كالعادة بالفرجة ولم تتدخل.
ثالثاً: ألا تعد قرارات المشير طنطاوى بالإفراج عن بعض المعتقلين مبادرة طيبة..؟!
إن قرارات المشير طنطاوى بالعفو عن بعض المحكوم عليهم بالرغم من كونها بادرة طيبة - أكبر دليل على أن القضاء العسكرى غير مستقل، فالذى يملك العفو يملك بالضرورة فرض الأحكام، وفى دولة القانون لا يملك أحد حتى لو كان رئيس الدولة سلطة تعطيل القانون.
ليس المطلوب مبادرات إنسانية وإنما إيقاف المحاكمات العسكرية للمدنيين ومحاكمتهم أمام قاضيهم الطبيعى.
رابعاً: لماذا يتمسك المجلس العسكرى بالمحاكمات العسكرية..؟!
التفسير الوحيد أن المجلس العسكرى يريد أن يستبقى فى يده وسيلة قمع فعالة تمكنه من السيطرة على الرأى العام وإخماد الأصوات المعارضة لسياساته.. لقد كسر المصريون أثناء الثورة حاجز الخوف، كما أن جهاز الشرطة يعانى من ضعف الأداء، وبالتالى فإن المجلس العسكرى يجد نفسه وحده فى مواجهة رأى عام أيقظته الثورة وجعلته متحدياً مُصراً على انتزاع حقوقه..
الهدف الحقيقى من إحالة المدنيين إلى محاكم عسكرية هو إرجاع المصريين إلى حظيرة الطاعة والخضوع، فعندما يعلم كل شاب أن اشتراكه فى مظاهرة قد يكلفه بضع سنوات فى السجن الحربى، وتعلم كل فتاة أن اشتراكها فى المظاهرة سيؤدى إلى انتهاك عرضها وتعريتها أمام الرجال لإجراء كشف العذرية - عندئذ سيعود المصريون إلى الخوف والسلبية ويذعنون للمجلس العسكرى حتى لو كانت قراراته خاطئة أو ظالمة.. حتى الآن لم تحقق المحاكمات العسكرية الغرض منها فمازالت روح الثورة متقدة ومازال المصريون مصممين على انتزاع حقوقهم مهما كان الثمن.
إن وقف إحالة المدنيين إلى محاكمات عسكرية قضيتنا جميعاً.. لقد دعت الجمعية الوطنية للتغيير إلى مظاهرة فى ميدان التحرير يوم الجمعة المقبل من أجل إيقاف المحاكمات العسكرية للمدنيين..
 أظن الاشتراك فى هذه المظاهرة فرض عين على كل مصرى.. قد نختلف فى أفكارنا السياسية أو فى رؤيتنا لوظيفة الدين فى الدولة لكننا يجب ألا نسمح لأنفسنا بالاختلاف حول حق المصريين فى محاكمات عادلة. لقد قدمت الثورة المصرية ألف شهيد وألف مفقود فى الغالب استشهدوا وتم دفنهم فى أماكن مجهولة، بالإضافة إلى 1400 فقدوا أبصارهم من الرصاص المطاطى، وخمسة آلاف مصاب.
لا يمكن بعد كل هذه التضحيات أن نستبدل بمباحث أمن الدولة الشرطة العسكرية. لا يمكن أن نقبل إهدار كرامة المصريين من أى جهة كانت. إن كرامة أبسط مواطن مصرى أهم من أكبر سلطة فى البلد. هكذا علمتنا الثورة. عزيزى القارئ: إذا سكتَّ اليوم على المحاكمات العسكرية وسمحت بها لغيرك فقد تكون غداً أنت المتهم.
 يكفى أن تكون عابراً فى الشارع أثناء فض اعتصام أو تفريق مظاهرة لتجد نفسك مقبوضاً عليك والتهم جاهزة: البلطجة، واستعمال زجاجات المولوتوف، والاعتداء على الشرطة العسكرية، وإهانة القوات المسلحة.
المحاكمات العسكرية للمدنيين يجب أن تتوقف فوراً.
الديمقراطية هى الحل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer