الأقسام الرئيسية

قبلية ام مجرد احتقان إجتماعي في الجنوب التونسي؟

. . ليست هناك تعليقات:


اندلاع مواجهات بين قبائل في الجنوب التونسي يعيد الى أذهان التونسيين دور القبائل أو ما يعرف في تونس بـ'العروش' إلى الواجهة.

ميدل ايست أونلاين


أحداث مؤلمة بين قبائل الجنوب

تونس - الأحداث الدامية التي تشهدها مدينة المتلوي التونسية والتي لقي فيها 11 شخصا حتفهم تحمل من الخطورة ما يجعلنا نتساءل هل أن الثورة التي قامت من أجل كرامة التونسيين تحولت إلى احتقان اجتماعي وانفلات أمني واستباحة للدم والقتل والنهب والتخريب؟

المتلوي التي عرفت عبر مختلف الأحقاب التاريخية مدينة مناضلة ساهمت بشكل كبير في النضال ضد الاستعمار الفرنسي وساهم أبناؤها المناضلون في المناجم في دفع حركة التنمية.

ويشهد التاريخ أن مدينة المتلوي تخرج منها العديد من الوطنيين المناضلين الشرفاء الذين رفعوا المصلحة الوطنية العليا لتونس فوق كل المصالح الفئوية الضيقة أو القبلية البغيضة.

ما يحصل في المتلوي خلال هذه الأيام خطر حقيقي يدفعنا إلى أن نتساءل: هل عادت القبلية إلى واجهة المجتمع التونسي؟ هل علت الأصوات القبلية المتعددة فوق الصوت الوطني الواحد والجامع؟

لقد أعادت أحداث المتلوي إلى أذهان التونسيين دور القبائل أو ما يعرف في تونس بـ"العروش" إلى الواجهة، حيث باتت الأوساط السياسية والإعلامية تتحدث عن صراعات قبلية دامية وأن ما يحدث في المتلوي لا علاقة له بالثورة التي قامت من أجل كل التونسيين.

عموما المجتمع التونسي مجتمع متجانس عرقيا ودينيا لكن يبدو أن النسيج الاجتماعي مازال تحت تأثير القبائل خاصة في الجنوب حيث يبقى المجتمع مشدودا إلى إرث اجتماعي تقليدي وبالتالي قبلي.

لا ننكر أن المجتمع التونسي ما زالت تحكمه العلاقات الاجتماعية التقليدية العشائرية والقبلية وهو أمر من حيث المبدأ طبيعي وطبيعي جدا فتلك خصوصيات سوسيولوجية وحقائق الواقع الاجتماعي.

لكن أن تعلوا المصالح القبلية والعشائرية عن المصلحة الوطنية العليا فهذا أمر يدعو الجميع إلى التفكير في خطورة الأحداث كما يدعو إلى إعادة النظير في المشروع الوطني الذي يكون فيه الولاء الأول للدولة ثم تأتي بعد ذلك الولاءات الأخرى.

لقد شهدت تونس منذ منتصف القرن التاسع عشر حركة إصلاح وطنية عملت على صياغة فكر إصلاحي تونسي يقوم على أساس فكرة الوطنية وتقديم الولاء الوطني على الولاء الجهوي أو الولاء العشائري أو الولاء القبلي، ولم نقرأ لخير الدين التونسي أو علي باش حامبة أو عبد العزيز الثعالبي أو الطاهر الحداد، لم نقرا لهم ما يدل على أنهم جهويين أو قبليين في تناولهم لمختلف القضايا الوطنية المطروحة على المجتمع.

وتواصل المشروع الوطني مع دولة الاستقلال ـ التي قد نختلف بشأنها في عديد النقاط ـ من خلال سياسات وطنية عامة تهدف إلى بناء الشخصية التونسية تنشئة الأفراد على قيم المواطنة في ظل دولة مدنية، نعم دولة مدنية يتساوى في الانتماء إليها كل التونسيين ويمنحونها ولاءهم الأول.

لقد قامت الدولة الوطنية على أنقاض القبيلة والعشيرة ونفذت نماذج تنموية وتعليمية للقضاء على أشكال الانتماء التقليدية لترسخ الانتماء للدولة والولاء لها وحدها.

وكان الزعيم الحبيب بورقيبة قد خاض معارك ضارية ضد ما يسميها بـ"النعرات" القبلية وضد العائلات الأرستقراطية في المدن نفذ سياسات اجتماعية وتعليمية تستهدف القضاء على العلاقات القبلية والولاء لها وتعمل على ترسيخ الولاء للدولة.

لكن يبدو أن مشروع الدولة الوطنية لم يكن محدود النتائج في مجالات التنمية بأبعادها المختلفة فقط بل كان محدود النتائج في صياغة وحدة وطنية تتخلص من إرث المجتمع التقليدي.

ورغم ذلك، وهي حقيقة لا يمكن تجاهلها فإن المجتمع التونسي يمثل بناء اجتماعيا متماسكا يقوم على فكرة الوطنية وليس أدل على ذلك من أن ثورة الكرامة التي انطلقت شرارتها من مدينة سيدي بوزيد تفاعلت معها مختلف جهات البلاد ومختلف فئات المجتمع وسرت شعلة الثورة لتشمل أقصى نقطة في الجنوب وأقصى نقطة في الشمال.

برأي علماء الاجتماع يستنجد المجتمع زمن الأزمات بالموروث الثقافي كنوع من الالتجاء إلى حماية التاريخ الجماعي، وهذا ما يحدث، حيث انتكس النسيج الاجتماعي الوطني أمام النسيج العشائري والقبلي.

نتمنى أن يكون هذا الانتكاس نوعا من الانفلات الاجتماعي المحدود خلال هذه الفترة الانتقالية الدقيقة التي تحتاج فيها تونس لكل أبنائها بقطع النظر عن انتماءاتهم الجهوية أو العشائرية أو القبلية.

إن تونس التي قادت أول ثورة في العالم العربي بطريقة حضارية سلمية، تونس التي شرعت بعد في التأسيس لمرحلة انتقال ديمقراطي تمتلك من الحكمة والعقل ما يجعها في منأى عن الصراعات القبلية التي لا تخدم سوى أعداء الثورة، أي لا تخدم الوطنيين من التونسيين.

مرة أخرى نتساءل هل هي انتكاسة للنسيج الاجتماعي الوطني؟

بل نتساءل هل أن ما يحدث في المتلوي هو مؤشر على فشل المشروع الوطني؟

الأسئلة بالتأكيد مشروعة، والإجابات متعددة لا تنفي فشل الدولة الوطنية في إقامة نموذج تنموي وطني تتساوى فيه حظوظ عائدات الخيرات بين كل التونسيين، ما جعل الولاء في الجهات المحرومة يبقى مشدودا إلى الموروث الاجتماعي الذي هو بالضرورة موروث قبلي.

لكننا نعتقد أن الانتكاسة في مثل هذه الفترة هي نوع من الاحتجاج الجماعي ولا يعني انتكاسة مطلقة للمشروع الوطني الذي يبقى على هناته مشروع كل التونسيين، يشاركون فيه جميعا ويستفيدون من أداءه جميعا، ذلك أن المشروع الوطني ليس منة لشخص أو لنظام بل هو مشرع تونسي يستمد شرعيته من تطلع التونسيين إلى العيش في مجتمع مدني يعتزون بالانتماء إليه كما يتطلعون إلى العيش في ظل دولة قانون يعتزون بنخوة الولاء لها دون سواها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer