8 يونيو 2011 08:38:08 ص بتوقيت القاهرة
عندما يستقر فى عقيدة الضابط المثالى فى أكاديمية الأمن أن رجال الشرطة هم أسياد الشعب، ويستخدم فى قصيدة منشورة على «فيس بوك» ألفاظا شديدة الانحطاط من عينة «هنفشخكو يا شعب» فإن السؤال الأول الذى يقفز إلى الذهن هنا هو: ماذا عن الطلاب غير المثاليين؟
وإذا كان ذلك «المثالى» الذى ربما نراه مستقبلا يتلقى التكريم على نبوغه فى احتفالية تخريج دفعة استثنائية لا يرى فى علاقة الشرطة والشعب أكثر من علاقة كف أمنى غليظ وقفا شعبى يستحق الصفع، فإن غير المثاليين من زملائه ربما يرون فى الشعب ما هو أخطر وأكثر حساسية من القفا، بما يشير إلى أن العطب الذى أصاب الحالة الأمنية فى مصر ليس ناتجا عن قدرات ذاتية أو مكونات شخصية، بقدر ما هو نتاج طبيعى لمنظومة من القيم التى يتعلمها الطالب منذ أن يرتدى الزى الرسمى، وبوضوح أكثر فإن هذه السادية التى تنضح بها قصيدة الطالب «المثالى» على موقع البديل ربما كانت نتيجة مناهج تدريس فاسدة تسللت إلى أكاديمية مبارك للأمن فى فترة من أحلك فترات الانحطاط السياسى فى مصر، صار معها كل من يعارض النظام عميلا ومأجورا وكائنا لا يستحق صفة المواطن، ومن ثم طبيعى جدا أن يتحول فى نظر من تربوا على هذه المناهج إلى مجرد «قفا» أو «وجه» أو أى مكان آخر فى جسم الإنسان يتلقى الصفعات والركلات والعصى.
لقد أحسنت وزارة الداخلية صنعا عندما اعتذرت عن قصيدة العار على صفحتها الرئيسية ووعدت باتخاذ الإجراءات ضد الضابط المبدع الذى لا يرى فى المصريين إلا عبيد صفعات سيادته، لكن الأهم هو أن تقول لنا الداخلية لماذا وعلى أى أساس اختير هذا الشاعر الرومانسى طالبا مثاليا؟ وما هو معنى المثالية من وجهة نظر وزارة الداخلية وما هى طبيعة الإجراءات التى هى بصدد اتخاذها مع شاعر القفا؟
إن قصيدة الطالب المثالى تأتى فى وقت يحاول فيه الجميع لملمة أشلاء العلاقة بين الشرطة والشعب، وترميم ما تبقى من رابطة تجمع الطرفين، والأغرب أنها تنشر متزامنة مع إحياء ذكرى مقتل الشاب خالد سعيد، وكأن هناك داخل جهاز الشرطة من يحارب «تطبيع» العلاقات بينها وبين الشعب مرة أخرى، وبالتالى عندما نطالب بعملية تطهير للمنظومة الأمنية التى تحولت فى السنوات الأخيرة إلى ماكينة قمع ممنهج تعتبر مهمتها الأولى والأخيرة هى تأمين بقاء حسنى مبارك وتوريث الحكم إلى ابنه، عندما نطالب بذلك فإننا لا ننطق كفرا، ولا نتصيد الأخطاء، وأظن أن أول خطوة لابد أن تكون تطهير المناهج التى يدرسها طالب الشرطة، وتنقيتها من مكونات أنتجت لنا طالبا مثاليا لا يرى فى شعبه إلا مجرد قفا يثير شهية الصفع والإهانة.
إن مجتمعا لا يستطيع أن يحيا بدون أمن، لكننا نريد أمن الوطن، لا أمن الدولة حتى وإن غيروا مسماه بينما عقيدة القمع ثابتة لا تتغير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات