(السيد/...
بعد عظيم الاحترام..
سبق لى أن كتبت إليكم كى تنقلوا إلى أهالى الشهداء والمصابين فى ثورة 25 يناير ما يحدث من هزل فى مسرحية تسمى «محاكمة قتلة الثوار»، وقد تحملتم معى هذه الأمانة، وعليه أود إخباركم بما تم فى الجلسة الثالثة لهذه المحاكمة كى تتضح لكم باقى فصول المهزلة.
صباح يوم الجلسة، حضر أهالى المجنى عليهم ومحاموهم إلى مقر المحكمة فى التجمع الخامس، وانتظروا جميعا واقفين فى الشارع المقابل للمحكمة، ومُنعوا هم ومحاموهم من دخول القاعة، فظلوا يصرخون بشكل هستيرى وهم يحملون صور أبنائهم - رحمة الله عليهم - وصرح لهم أحد الضباط بأن رئيس المحكمة، المستشار عادل عبدالسلام جمعة، كان قد أرسل كشفا يضم أسماء خمسة وعشرين محاميا، من إجمالى ما يفوق الثمانمائة شهيد ومجنى عليه فى هذه القضية، ولم يتمكن أهالى الشهداء ولا محاموهم من الدخول إلى قاعة المحكمة.
وبعد مجهود بذلته شخصياً، فى محاولة للقيام بواجبى تجاه موكلى للمثول أمام المحكمة، وأمام إصرارى على أن هذا حق لا يُطلب، اصطحبنى أحد ضباط القوات المسلحة، الذى تميز بموضوعية شديدة، وذهبنا لمقابلة المستشار عادل عبدالسلام جمعة فى غرفة المداولة، وكان يتناول القهوة فى هدوء تام وأمامه العديد من المحامين وأهالى المجنى عليهم الذين يتوسلون إليه كى يمكنهم من حضور الجلسة.
كنت قد قمت فى الأسبوع الماضى بإقرار الرد الرسمى أمام محكمة استئناف القاهرة ضد المستشار عادل عبدالسلام جمعة، طالبا غل يده عن نظر القضية، لأسباب بات كل شخص فى مصر يعرفها ويسمعها فى وسائل الإعلام، إلا المستشار نفسه، وحُدد للرد جلسة 30 من الشهر الجارى، مما يتعين معه وقف القضية وجوبياً لحين الفصل فى طلب الرد. ووقفت أمامه لأقول له إننى خصمك بحكم القانون فكيف لك أن تمنعنى من حضور الجلسة؟
فيرد علىَّ بأن هذا شأن الأمن وليس شأنى، وصرح أمام الجميع بنيته تأجيل القضية. وبعد مهاترات واختراقات من أبواب خلفية، وبمساعدة أحد الصحفيين، استطعت الدخول إلى قاعة المحكمة تاركا خلفى أمهات وأهالى الشهداء يتمنون، ولو للحظة، أن يدخلوا ليشاهدوا القصاص من قتلة أبنائهم. تدخل القاعة فتجد، كما العادة، عدداً كبيراً جدا من ضباط الشرطة بزى مدنى يقفون داخل قفص الاتهام، ومن خلفهم المتهمون، فنصرخ إلى القاضى: «نريد أن نرى المتهمين»، وتصاب إحدى شقيقات المجنى عليهم بحالة هستيرية ويقوم القاضى بطردها خارج القاعة، وكأنها من العبيد، وأن من يقفون فى قفص الاتهام هم من الأسياد. ويبدأ القاضى، بعد إصرار من الحضور، بالمناداة على المتهمين.. وأقسم بالله أنه كاد يقول عند ندائه على اللواء أسامة المراسى: تقدم يا أسامة بيه، إلا أنه نطق بالحرف الأول، ثم راجع نفسه، وهذا ما لاحظه العديد من الحضور، ثم قال لحبيب العادلى: لو سمحت ممكن تتقدم عشان نشوفك!
الحقيقة أننى أشعر الآن بأن لهؤلاء المتهمين قوة ما، ولا يساورنى شك فى أنهم، وبما كان لديهم من أجهزة تنصت ويد عليا فى المجتمع، يملكون ملفات خاصة تجعلهم مصدر قوة حتى وهم فى قفص الاتهام. والغريب أن هناك اثنين من المتهمين، من مساعدى وزير الداخلية الحالى المفرج عنهم يدخلان إلى قفص الاتهام فى الصباح، وبعد الجلسة يعودان إلى مكتبيهما بعد أن يؤدى لهما التحية كل الضباط الموجودين بالقاعة. وقد انتهت الجلسة بإعلان تأجيلها وسط حسرة من أهالى المجنى عليهم الذين مُنعوا من حضور المحاكمة.
هناك مشكلة يجب علينا أن نضع لها حلا: فإما أن يمكَّن أهالى الضحايا من حضور ومشاهدة محاكمة قتلة أبنائهم، وإما أن نقول لهم صراحة إنهم محرومون من هذا الحق.. أما أن يجلسوا فى الطريق العام ويُمنعوا من دخول المحاكمة فتلك جريمة لا أملك إلا أن أقول للمسؤول عنها «حسبى الله ونعم الوكيل» وأدعو جميع أهالى الشهداء لكى يقولوا معنا «حسبنا الله ونعم الوكيل»).
خالد أبوبكر - المحامى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات