الأقسام الرئيسية

الأفلام التسجيلية والوثائقية ترصد هموم الواقع العربي

. . ليست هناك تعليقات:


الأفلام التسجيلية والوثائقية تحذر السينما الروائية ما لم تشهد تغيرا جديا في معالجتها لقضايا الواقع العربي سوف تزداد أزمتها اتساعا.

ميدل ايست أونلاين


كتب ـ محمد الحمامصي


الوضع الفلسطيني

تتبعا لخطى السينما التسجيلية والوثائقية خلال السنوات الأخيرة، يخلص المرء إلى أنها استطاعت أن تعبر عن واقع المجتمعات العربية بصدق فني وجمالي متميز وعمق رؤية يؤكد التحام أصحابها بالهموم والقضايا والمشكلات التي تعتمل في عقل ووجدان المواطن العربي، ويفضح ما قدمته السينما من أفلام عري وإسفاف وتهريج أفسدت الجمهور العربي.

غاصت تلك الأفلام التي أنتجت خلال السنوات الأخيرة من مطلع الألفية الثالثة في الواقع فاضحة ومنددة بآليات السلب والقهر التي تمارس على مقدرات المواطن العربي والفساد الذي يستشري من حوله والتجاهل والتواطؤ الذي يمارس ضد قضاياه في العراق وفلسطين ولبنان وغيرهم من البلدان العربية والإسلامية، وكاشفة عما يعتمل داخله من أوجاع وانكسارات للأحلام والطموحات.

الأفكار والرؤى التي شكلت مجمل موضوعات هذه الأفلام سيطرت عليها البساطة والوضوح، وبدا ذلك مقصودا لتأكيد ارتباطها الوثيق بما يجري في الواقع والذات العربيين وتاريخهما الحديث، وقد طبعت هذه الأفلام بطابع الشباب الذين رأوا في تعرية ذواتهم تعرية لما يرتكب ضدهم وضد مجتمعاتهم من تنكيل اجتماعي وسياسي وثقافي واقتصادي.

قراءة هذه الأفلام كشفت أيضا عن أن هناك اتفاقات واختلافات، الاتفاقات طالت الهموم العربية العامة خاصة تلك المرتبطة بالسياسة وما يجري في فلسطين والعراق ولبنان، والاختلافات جاءت نتيجة ارتباط أصحابها بالهموم الاجتماعية المحلية، فالأفلام السعودية مثلا تناولت الوضع الاجتماعي والتقاليد والعادات التي لا تزال تحكم حركة المرأة والرجل، كما عالجت الأفلام الإماراتية ترسيخ القيم والمبادئ والحق والعدل، وناقشت الأوضاع الأسرية والعائلية وحالات الاغتراب التي يعيشها الكثيرون في دولة يعمل على أرضها ما يزيد على 7 ملايين أجنبي، وكذا الأفلام البحرينية والكويتية، فيما تطرقت الأفلام العراقية للوضع المأساوي الذي عاشه العراق خلال حكم صدام حسين ثم ما جرى بعد إسقاطه وآثار الاحتلال الأميركي له، وكذلك الفلسطينية واللبنانية، وغرقت المصرية في فضح الفساد والفقر والقهر السياسي والتراجع الثقافي والفني والاجتماعي وغيرها.

لقد اقترب الفيلم التسجيلي والوثائقي من روح الواقع العربي، وبرأيي أسهم ويسهم الآن في تشكيل وعي جديد يلفت إلى أهمية مشاركة المواطن العربي في البناء المجتمعي لبلدانه، فكون هذا الفيلم يمسك بتلابيب الأوجاع والهموم والهواجس التي تشغل المواطن العربي إزاء وطنه ومستقبله، فهو بالنهاية يكون قراءة مستنيرة وتنويرية لخلاص المجتمعات العربية مما يكبلها من أعراف وتقاليد وعادات وموروثات اجتماعية وسياسية وفكرية وثقافية بالية أو عفا عليها الزمن، وخلق مستقبل يضيئه العقل والعلم والعدل والحرية والسلام.

النماذج كثيرة لتأكيد ذلك سواء من السعودية أو مصر أو الإمارات أو البحرين أو العراق أو لبنان أو فلسطين، وسوف نتعرض لبعضها مؤكدين على فكرتنا بشأن الدور الرائع والعبقري للفيلم التسجيلي الذي فتح الباب أمام الشباب العربي الموهوب خاصة في الخليج لكي يقدم رؤيته لمجتمعه في لحظته الراهنة وما يطمح لتحقيقه مستقبلا.





غافة عوشة

الفيلم السعودي "الجريمة المركبة" للمخرج توفيق الزايدي رصد لقضية حساسة داخل المجتمع السعودي وهي "التفحيط"، ويعود سبب تسمية الفيلم بهذا الاسم نظراً لكون هذه القضية مرتبطة بعدد من الجرائم المختلفة مثل بيع وتعاطي المخدرات وسرقة السيارات وخطف الأطفال.

ورصد فيلم هيفاء المنصور "نساء بلا ظل" واقع المرأة السعودية في ظل الحجاب الشرعي، مستعينا بمحاضرة ألقاها د. عائض القرني في الثمانينيات حول الحجاب، وهاجم فيها النساء غير المحجبات، وساق في المحاضرة الأدلة على فساد كشف الوجه للمرأة، وبعد ذلك المشهد من المحاضرة ظهر القرني بمنزله بالرياض متحدثاً مع هيفاء حول الحجاب ومعلناً في حديثه عن آراء جديدة ومختلفة عما قاله في تلك المحاضرة، وكان أبرز ما قاله توضيحه بأن الحجاب الشرعي لا يستلزم تغطية الوجه والكفين.

ويستكشف المخرج فهمي فاروق فرحات من خلال فيلمه "ليلة عمر" تقاليد حفلات الزفاف في منطقة الحجاز. وعادةً ما تقام الأعراس في ليلة قمراء يتخللها العزف على المزمار، حيث يجوب موكب الضيوف حواري مكة المكرمة القديمة.

وتحفل الساحة الإماراتية بعدد كبير من شباب المخرجين المشتغلين بالأفلام التسجيلية والوثائقية، والذين تميزت أعمالهم باشتباكها مع الواقع الإماراتي، منهم المخرجة هناء الزرعوني التي قدمت أخيرا فيلمها "غافة عوشة" الذي يسرد قصة مؤثرة لفتاة صغيرة تضحي بحياتها لإحضار مياه لأختها المحتضرة في صحراء دولة الإمارات، والمخرجة فاطمة إبراهيم وفيلمها "رابيت هول" الذي يتناول موضوع ابتعاد شباب العرب عن جذورهم وتراثهم العربي، حيث تستشكف المخرجة الأسباب الكامنة وراء الاندثار التدريجي للقيم. بينما تنقلنا كاميرا المخرجة ميسون آل علي في فيلم "شعوب وقبائل" عبر مدينة دبي التي تحوي العديد من الجنسيات, فتبحث عن أوجه الشبه والاختلاف الثقافي في هذا المجتمع المتنوع، ويناقش فيلم "لهجتنا" لمريم النعيمي خطر ضياع اللهجة الإماراتية مع مرور الوقت.

وفيلم "صوير" وقصته خيالية كتبها وأخرجها سعود مروشي، تدور حول فتاة صغيرة تعيش مع جدتها ولكنها تصاحب فتاة من خيالها وتتحدث معها طوال اليوم، إلا أن الفتاة الصغيرة تختفي فجأة في ظروف غامضة ويتم البحث عنها .

وينشغل المخرج الإماراتي بالهم العربي حيث قدم المخرج علي خليفة فيلم "غواص غزة" متناولا حكاية غواص فلسطيني فقد ساقيه في أحداث غزة، ولكنه صمم على أن يكون له دور في الحياة رغم الإعاقة التي حدثت له.





18 يوم

ووجه المخرج راشد المري من خلال فيلمه الوثائقي "رسائل إلى فلسطين" العديد من الرسائل التضامنية لأهل فلسطين من خلال مجموعة من الشباب العربي، لأنهم مثل كثيرين غيرهم لم يستطيعوا الذهاب إلى فلسطين للتضامن مع أهلها ضد الأعمال الوحشية التي ترتكب ضدهم .

وعالجت الأفلام العراقية الأخيرة مواضيع معاناة الهجرة القسرية للوطن والجانب الإنساني للحرب، ومنها فيلم المخرج فادي حديد "أينما نعيش" الذي دار حول عائلة حماد التي أجبرت على الهروب من أحداث العنف في العراق وطلب اللجوء السياسي في الولايات المتحدة، وفيلم المخرج والكاتب عامر علوان "وداعاً بابل" وعالج قصة الملازم فرانك أوفارل الذي بعد أن قضى ثلاث سنوات من الخدمة العسكرية في بابل، يكتشف الأسباب الحقيقية لحرب العراق، ويكتشف من خلال صداقته مع المترجم العراقي الوجه الحقيقي للعراق، يعود فرانك إلى نيويورك لكن تطارده إلى هناك أشباح الحرب، وفيلم "طفل العراق" للمخرج علاء محسن الذي يحكي قصته ومشاعره الخاصة التي تتعلق بجذوره العربية العراقية وهويته الدانماركية، وهو فيلم حافل بالألم ويصور مشاعر متناقضة بخصوص الغربة والوطن والحنين والهوية والانتماء وأيضا الحلم.

وقدمت السينما العراقية ما يمكن أن يطلق عليه "أفلام العودة"، حيث تعبر عن المخرجين الذين عادوا إلى العراق من المنفى بعد عام 2003، مثل فيلم "ست عشرة ساعة في بغداد" إخراج طارق هاشم، و"العراق موطني" إخراج هادي ماهود، و"العودة إلى كركوك" إخراج الكردي كارزان شيرا بياني.

السينما التسجيلية والوثائقية الفلسطينية صاحبة تاريخ طويل ومتميز، ولا تزال كذلك، كونها تشكل رسائل قوية للعالم حول الوضع الفلسطيني وما يعانيه الفلسطينيون تحت وطأة الاحتلال، وكما لعبت دورا في تسجيل وتوثيق جزءا حيويا من التراث الإنساني الفلسطيني المادي والمعنوي.





ليلة عمر

الأفلام الفلسطينية التي شهدتها السنوات الأخيرة تناولت الوضع الإنساني للفلسطينيين في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة ضدهم من رفح إلى غزة، وفي فيلم "القنبلة الموقوتة" تتناول لمخرجة آمال أبوغياض مشكلة المياه وتلوثها بقطاع غزة، ويدق ناقوس الخطر بأن عام 2011 لن تجد غزة مياه الشرب النقية والنظيفة، محاولا أن يلقى الضوء على أهم عنصر للحياة وهو الماء.

وفيلم "صمود" للمخرج فيلب رزق الذي يحكى قصص القرويين الفلسطينيين الذين يحاولون البقاء بعناد وإخلاص للمبدأ، في وجه عنف المستعمر والظلم وازدواجية الحكومة الإسرائيلية وتناقض المجتمع الدولي.

وقد استقبل مهرجان "كان" هذا العام في عرض خاص على هامشه فيلم "18 يوم" الذي جمع عشرة أفلام تسجيلية قدمها مجموعة من أبرز مخرجي السينما المصرية وتستعرض رؤى وتجارب سينمائية مستقاة من ثورة 25 يناير.

وكذلك الفيلم التسجيلي التونسي الطويل "لا خوف بعد اليوم" الذي اتفق مع الفيلم المصري في الكشف عن دوافع الثورة العظيمة، والنداءات التي تكررت في كل من مصر وتونس أثناء الثورة مثل: "سلمية"، و"الشعب يريد إسقاط النظام"، و"ارحل"، وكذلك أسلوب الشرطة مع المتظاهرين سواء ضربهم بالقنابل المسيلة للدموع أو الرصاص الحي والضرب والسحل.

ومن مصر إلى قطر وتونس وسلطنة عمان والمغرب تقدم الأفلام التسجيلية والوثائقية صورة مختلفة للسينما العربية، صورة واعية وجادة ومستنيرة، ليست هي الصورة التي تقدمها السينما الروائية الطويلة التي تم إدانة إسفافها واستخفافها وتجاهلها لما يجري في الواقع العربي.

إن الرقي والتميز الذي حملته معالجات ومواضيع الأفلام التسجيلية والوثائقية يؤكد أن صناعة عربية ثقيلة تترسخ اليوم، علي يد جيل من السينمائيين الواعدين، ينقصها فقط أن تخرج إلى دور العرض حيث الجمهور الكبير وألا يقتصر عرضها على النخب داخل المهرجانات، كما تحمل تحذيرا إلى صناعة السينما الروائية أنها ما لم تشهد تغيرا جديا على مستوى معالجتها لهموم وقضايا الواقع العربي سوف تزداد أزمتها اتساعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer